"أول حزب مسلم في إسبانيا": بوابة المسلمين للمشاركة في العمل السياسي

  • | الإثنين, 31 أكتوبر, 2016
"أول حزب مسلم في إسبانيا": بوابة المسلمين للمشاركة في العمل السياسي

مقدمة

تعتبر متابعة أحوال المسلمين في العالم واحدة من أهم أولويات مرصد الأزهر باللغات الأجنبية، وذلك من خلال متابعة ورصد وتحليل كافة ما تصدره الوسائل الإعلامية الأجنبية عن الإسلام والمسلمين، وترجع أهمية هذه المتابعة المستمرة من جانب المرصد إلى التعريف بأحوال المسلمين والوقوف بجانبهم في كل الأمور المتعلقة بحياتهم في المجتمعات التي يعيشون بها. كانت وحدة الرصد باللغة الإسبانية قد تمكنت من إعداد دراسة ديموغرافية حول الكتلة السكانية المسلمة خلال الأعوام الست الأخيرة، فضلاً عن الوقوف على أهم المشاكل التي تواجه المسلمين هناك، وكان من أهم ما جاء في هذه الدراسة هو أنه على الرغم مما يتعرض له الإسلام والمسلمين من إساءاتٍ وتضييقياتٍ في كثير من الأمور، إلا أن أعداد المسلمين في إسبانيا في تزايدٍ مستمر، وارتفع بشكل ملحوظ وبلغ نسبة تقدر بحوالي 20.6% حيث وصل إلى أكثر من مليوني مسلم، كما يُتوقع استمرار هذه الزيادة خلال الأعوام المقبلة، وبطبيعة الحال ارتفعت نسبة المسلمين من إجمالي السكان في إسبانيا حيث وصلت إلى ما يقرب من 4%.

كما تبين أن هناك تزايداً في أعداد المسلمين الإسبان بشكلٍ عام من المسلمين المهاجرين ممن يحملون الجنسية الإسبانية ومن الجيل الثاني من أبناء المهاجرين المسلمين الأوائل الذين وُلدوا في إسبانيا، وتشير الإحصائيات في الوقت ذاته إلى تزايد إقبال ذوي الأصول الإسبانية الخالصة على اعتناق الإسلام؛ حيث بلغ عددهم مع نهاية العام الماضي 22,808 مسلماً، بزيادة قدرها 4080 عن عام 2010م الذي كان قد بلغ 18,728، ومع أن الأقلية المسلمة في إسبانيا لا تعاني من رفضٍ حكوميٍ أو شعبيٍ، فليست إسبانيا مثل المجتمعات التي تنبذ المسلمين أو تحارب اندماجهم في المجتمع بشكلٍ علنيٍ، إلا أن الحكومات المتعاقبة تُعرقل أحياناً حصول المسلمين على حقوقهم التي يكفُلُها لهم دستور البلاد، وعلى رأس الصعوبات التي تواجه المسلمين بإسبانيا قلة المساجد والمقابر، فعلى الرغم من أنه يَحِق للأقليات الدينية المسلمة والجمعيات الإسلامية فتح مسجدٍ وإنشاء مقبرةٍ خاصة بهم، إلا أنه من الصعوبة بمكان الحصول على التراخيص اللازمة لهذا الأمر؛ لذا أصبح من الضروري أن يكون هناك حزبٌ سياسيٌ مسلم يعمل على المطالبة بحقوق الأقليات أمام الحكومة الإسبانية كسائر الأحزاب الأخرى الموجودة داخل الحكومة، وأن تكون له مشاركةَ فاعلة داخل الحياة الديمقراطية الإسبانية، وكخطوة إيجابية لتسهيل عملية اندماج المسلمين في المجتمع الإسباني.

تأسيس أول حزب مسلم في إسبانيا

وفي هذا السياق ظهر أول حزب سياسي مسلم داخل إسبانيا وهو "حزب النهضة والاتحاد الإسباني" PRUNE، وإن كان لا يحظى بشعبيةٍ كبيرةٍ في الوقت الحالي، إلا أن هدفه الرئيس والمعلن هو تشكيل الحكومة في إسبانيا بحلول عام 2030[1]، يُذكر أن هذا الحزب تم تأسيسه في يوليو لعام 2009 وفي شهر أكتوبر من نفس العام تم الإعلان عنه بشكلٍ رسميٍ كأول حزبٍ مسلمٍ داخل الحكومة الإسبانية، حيث أعلن مصطفى بكاش[2] عن أول حزبٍ مسلمٍ قائمٍ على تعزيز العدالة والمساواة والتضامن بين أفراد المجتمع واحترام الشرعية والدستور الإسباني، مع الوضع في الاعتبار -على عكس الأحزاب السياسية الأخرى- بأن الإسلام هو مصدر هذه المبادئ، ليُصبح بذلك الكيان السياسي الوحيد في إسبانيا الذي لديه أجندة وبرنامجاً سياسياً واستراتيجية على أساسٍ ديني، حيث لا يوجد في إسبانيا أية قوة سياسية تستخدم الدين في سياساتها.

           صورة لمؤسسي حزب النهضة والاتحاد الإسباني

جديرٌ بالذكر أن مشاركة المسلمين في العمل الحزبي ليست هي الأولى من نوعها عبر هذا الحزب فحسب، بل تشير التقارير إلى أن عام 1995 سجّل ظهور أول نائب مسلم داخل برلمان "سبتة" وهو مصطفى بكاش التابع للحزب الديمقراطي الاجتماعي، كما تؤكد التقارير ذاتها على ظهور العديد من الأحزاب السياسية الإسلامية المحلية في مدينتي "سبتة" و"مليليه" منذ عدة عقود، ومن هنا يبرز لنا أن حزب النهضة ليس هو الأول من نوعه في إسبانيا، إلا أنه يشكل أهمية قصوى لسببين رئيسين:

أولاً: باعتباره الحزب المسلم الأول والوحيد الذي ظهر خارج مدينتي "سبتة" و"مليليه".

ثانيًا: باعتباره الحزب المسلم الأول والوحيد حتى هذه اللحظة داخل الحكومة الإسبانية. وبهذا فإن إسبانيا تعتبر هي الرائدة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي منذ أكثر من 25 عاماً في إدماجها للمسلمين في أحزاب سياسية إسلامية وإن كانت أحزاب داخل نطاق مدينتي سبتة ومليليه فقط.

جدير بالذكر أن حزب النهضة يأتي بالتزامن مع ظهور العديد من الأحزاب السياسية الإسلامية في دول الاتحاد الأوروبي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدامية داخل أنظمة الأحزاب المحلية والإقليمية والحكومية لدول أعضاء الاتحاد الأوروبي، ويسعى الحزب منذ اليوم الأول لتأسيسه إلى إنشاء جسور للتواصل بينه وبين الأحزاب الأخرى داخل وخارج إسبانيا، وفي هذا السياق أوصى أعضاء الحزب في الملتقى الأول في أكتوبر لعام 2010 بتشكيل مجلسٍ أوروبيٍ للأحزاب الإسلامية لتعزيز علاقاتها الدولية ولتبادل الخبرات فيما بينها؛ حيث أوضحوا أن لديهم علاقات طيبة داخل أوروبا مع الحزب الإسلامي في فرنسا ورابطة النهضة الألمانية، كان الحزب قد دعا إلى انعقاد مؤتمرٍ دوليٍ في طليطلة لعام 2012 وحضره أحزاب من أوروبا وشمال إفريقيا بالإضافة إلى حزب الاستقلال في المغرب.

صعوبات وتحديات

تشير التقارير إلى أن الحزب تقابله صعوبات وتحديات كبيرة منها اقتناع الغالبية العظمى من الشعب الإسباني بضرورة فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية وهو ما يُمثل عائقاً كبيراً للحزب أثناء العمليات الانتخابية سواء المحلية أو العامة، كما توجد صعوباتٌ أخرى ذات طابعٍ خاصٍ وهي قلة الموارد المالية والتي تعتمد في المقام الأول على تبرعات الأعضاء. كذلك أيضاً من الصعوبات التي كانت تقابل الحزب في طور الإنشاء هي قلة الأعضاء ممن لديهم الخبرة الكافية لتمثيل الحزب على الوجه الأكمل مع قلة الدعم والمساندة من جانب الجمعيات الإسبانية المختلفة في إسبانيا، فضلاً عن قلة الخبرة لدى أعضاءه بالحياة الديمقراطية؛ نظراً لأن معظمهم من المهاجرين القادمين من دول عربية تفتقر إلى الحس الديمقراطي بشكل عام، من أجل ذلك يضع الحزب الكثير من الآمال على الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين لتحقيق المزيد من المشاركة الفاعلة من خلال العمل داخل الحزب وعلى أن يكونوا على درايةٍ كاملةٍ بالحياة الديمقراطية.

الأهداف والرؤية

يهدف الحزب إلى أن يكون أداةً سياسيةً مفيدةً لصالح الأقليات الدينية والعرقية في إسبانيا، ليس فقط الأقليات المسلمة بل وغير المسلمة أيضاً، وفي هذا السياق وعلى الرغم من أن مؤسسي هذا الحزب من المسلمين إلا أن الحزب أعلن مراراً أن الباب مفتوحٌ أمام جميع الأقليات ممن يرغبون في الانضمام إلى كيان يُدافع عن حقوقهم أمام القانون، وأنه يرحب بالمسلمين وبغير المسلمين ولا ينوي أن يهتم فقط بالجانب السياسي لكن أيضاً بالمبادئ والمشاكل اليومية للمواطنين. ويشترط الحزب في الشخص الراغب في الالتحاق بالحزب أن يكون متوسط العمر، حاصل على دراسات متوسطة، إسباني الجنسية أو حاصل عليها.

وفي سياق متصل صرح "مانويل بوخيرو"-أحد مؤسسي هذا الحزب-  بأن الحزب ينظر إلى الأقليات بشكلٍ عامٍ العرقية والدينية، وأن الهدف هو توصيل صوت أبناء الحزب إلى أعلى المستويات داخل الدولة سواء كانوا من الغجر أمال أجانب مسلمين أو يهود، مع محاربة التمييز والتفرقة العنصرية والإسلاموفوبيا، وأعرب عن استيائه من بعض التصريحات التي تقول بأن الحزب هو حزبٌ متطرفٌ، وتساءل: إذا كانت هناك أحزابٌ سياسيةٌ مسيحيةٌ، فما هي المشكلة في أن يكون هناك أحزاب سياسية إسلامية؟ مؤكداً على أنه لا توجد أية دولة أجنبية تقوم بتمويل الحزب، وعلى الرغم من بعض العروض التي تقدمت بها بعض الدول لتمويل الحزب إلا أنها قوبلت بالرفض التام، وأكد كذلك على أن الصندوق المالي عبارة عن ما يقوم به القائمين على الحزب من بعض التبرعات وأنهم لايتلقون دعماً من إسبانيا أو خارجها ولا من أية دولة أجنبية، وأضاف قائلاً: "نحن الآن نعمل على تحصيل الأموال اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية"، كما أكد الحزب على أنه لا يسعى إلى إعادة فتح الأندلس ولا إلى تطبيق الشريعة.

الجدير بالذكر أنه تم إنشاء هذا الحزب في مدينة غرناطة وكان يطمح في أن يكون له مقار حزبية في مدن أخرى داخل إسبانيا، وبالفعل أصبح لديه مقارّ في مدريد وبلنسية وطليطلة وقادش وسبتة ويسعى إلى فتح مقارّ جديدة، مع العلم بأن المقر الرئيس الآن في أشتورياش، ويرفض الحزب أن يتم وضعه في دائرة الأيدولوجيات السياسية سواء اليمين أو اليسار، وعلى الرغم من ذلك فإن زعماء الحزب أبدوا أنهم يفضلون التفاهم مع أحزاب اليسار، هذا وقد قرر المجلس الوطني للحزب في مارس لعام 2012م أثناء انعقاد المنتدى الثاني للحزب ما يلي:

أولا: تكثيف عمليات الدعاية للحزب في وسائل الإعلام والعمل على تحسين سياسة التواصل.

ثانيا: انتهاج حملة جديدة للحزب لاستقطاب أعضاء جدد، والعمل على تكثيف الموارد البشرية للحزب، والدخل المتمثل في مساهمات الأعضاء.

ثالثا: التواصل مع السفارات في إسبانيا والاتحادات والجمعيات الإسلامية الإقليمية والدولية.

رابعا: وضع خطةٍ سياسيةٍ والبدء في وضع ملامح خارطة طريق انتخابيةٍ لخوض انتخابات عام 2015، وبالفعل تنافسَ الحزب على الانتخابات المحلية في مدريد وبرشلونة وأشتورياش وبلنسية ومرسيه وملقا وغرناطة منذ عام 2011 وحتى الآن، ويأمل الحزب في خلال عشرين عاما من تأسيسه أن يكون من الحزب عمداء للمدن الإسبانية، وفي خلال 30 عاما من تأسيسه أن ينال أحد أعضائه رئاسة الحكومة الإسبانية.

خاتمة

بناءً على ما تم طرحه يتبيّن لنا أن فكرة إنشاء حزبٍ مسلمٍ معتدل في المجتمعات الأوروبية هي خطوةٌ إيجابيةٌ وفعالةٌ من شأنها تحسين الصورة التي شوهتها الجماعات الإرهابية المتطرفة من خلال تصرفاتهم المشينة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة من قريب أو من بعيد، وفي الوقت ذاته تُعتبر أداة فاعلة للمطالبة بحقوق الجالية المسلمة في هذه المجتمعات كممثلٍ شرعيٍ أمام الحكومات الغربية، ويأمل مرصد الأزهر الشريف أن يتحقق لهذا الحزب ما يتمناه من تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع الإسباني وأن تنال الجاليات المسلمة وغيرها حقوقها كاملة، كما يثمن المرصد خطوة هامة يقوم بها هذا الحزب وهي إعلانه عدم السعي لتحقيق مطالب المسلمين فحسب بل يعمل على إيصال صوت المسلمين وغيرهم إلى الجهات المسؤولة في الحكومة لتلبية مطالبهم.

وحدة الرصد الإسبانية

 

[1]http://www.actuall.com/democracia/islam-gana-terreno-espana-dos-millones-creciendo-aspiran-llegar-la-moncloa/

[2]مغربي الجنسية، حصل على الجنسية الإسبانية عام 1990م، يُقيم بمدينة غرناطة، بدأ في تشكيل الحزب في عام 2008م، الأعضاء الآخرون المؤسسون للحزب هم اللبناني إسباني الجنسية ناهد زاريكا، الإسباني مانويل بوخيرو والأمين الوطني ورئيس حكومة أشتو رياش، والمغربي إسباني الجنسية مصطفى الخراز.

طباعة