التأصيل العلمي لفهم آيات القتال في القرآن الكريم (1)

  • | الأربعاء, 23 نوفمبر, 2016
التأصيل العلمي لفهم آيات القتال في القرآن الكريم (1)

إيمانا منا بدور الأزهر العالمي في المنافحة عن الإسلام، وكشف المفاهيم المغلوطة لدى الآخر لتصحيحها، وإعطائهم فرصة لإعادة تقييم نظرتهم للإسلام نعرض الشبه التي امتطوها ليفرضوا فهمهم الخاص لنصوص القرآن الكريم في مواضع الجهاد والمواجهة، وهذا يقتضي عرض قضية القتال والجهاد في القرآن والسنة من خلال المبادئ التالية:

  1. الأصل في الإسلام الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، لا على الإكراه أو الترويع.
  2. القتال والجهاد في الإسلام شرع كرد فعل للظلم والاعتداء.
  3. الإطار الصحيح لفهم آيات القتال في القرآن الكريم.
  4. أخلاقيات الإسلام في ميدان القتال إذا ما استدعته الضرورة.

 

أولا : الأصل في الإسلام الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، لا على الإكراه أو الترويع.

ظل الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية من سنة 610 م - وحتى سنة 622م يدعو إلى الإسلام لمدة ثلاث عشرة سنة تقريبا بالحكمة والموعظة الحسنة ولم تنزل آية واحدة تأمره بالجهاد في هذه الفترة رغم مناوئة المشركين لدعوته صلى الله عليه وسلم وإيذائهم له ولأصحابه، بل تجاوزوا الحد فاعتدوا عليه، وسلطوا سفهاءهم يلقونه بالحجارة كل ذلك ولم يؤمر بقتال، أو رد اعتداء، وإنما أمر بالصبر وتحمل الإيذاء، كما هو شأن الرسل في أول الأمر، وقد أفصحت آيات القرآن الكريم عن ذلك في العديد من المواطن ومنها:

  • قوله تعالى {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } [الطور: 48]
  • وقوله عز وجل: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } [ق: 39]
  • وقوله عز وجل أيضا {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الحجر: 94].
  • وقوله {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 5 - 7]
  • وحتى عندما ترتفع وتيرة الإيذاء ويتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالقول السيئ كان الوحي ينزل عليه بقوله سبحانه {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45]
  • وقوله سبحانه {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } [الأحقاف: 35] .
  • ولما اشتد الإيذاء بالمسلمين الذين آمنوا معه ، وعذبوا ليخرجوا عن دينهم، جاء الأمر بالعفو والمغفرة فقال تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثية: 14]

ومن خلال النصوص السابقة تبين أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل مدة ثلاث عشرة سنة إلا قليلا في مكة يواجه عنت المشركين وإيذاءهم بالصبر والقول اللين مما يدل على أن الأصل في الإسلام هو التأني، واستنفاذ جميع الحيل السلمية في مواجهة العدو حتى إن كلمة الجهاد والتي نزلت بمكة في هذه الفترة كانت تعبر عن الجهاد بالقول وبمنطق القرآن والحجة والبرهان، قال تعالى {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } [الفرقان: 52] .

وروى ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ، يعنى القرآن جهاد حجة وبرهان [1].

وإن الدعوة إلى الإسلام لا تنطوي على الإكراه أو الترويع بنص القرآن الكريم، وبالواقع المشاهد فلم يحدث في العالم كله أن دخل أحد الإسلام بالإكراه أو بالتهديد بالتفجير، والأدلة على ذلك ما يلي:

  • قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]
  • {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } [يونس: 99]
  • {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29]

فهذه نصوص قاطعة تنهى عن اتخاذ التهديد أو الترويع وسيلة للدخول في الإسلام، لأن الهداية إلى الدخول في الإسلام شأن إلاهي وما على الرسول إلا البلاغ قال تعالى {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40] .

 

ثانيا : القتال والجهاد في الإسلام شرع كرد فعل للظلم والاعتداء ،

إن القتال والجهاد في الإسلام شرع كرد فعل للظلم والاعتداء،وهو حق للدفاع عن النفس، ولولا ذلك لانقطعت صلة السماء بالأرض فخلت من المؤمنين وخلصت للكافرين، وهو ضد مشيئة الله في الخلق، فكان حق الدفاع عن النفس من الحقوق الأصيلة في الشرائع السماوية فلا غرابة أن يكون ذلك حق في الشريعة الإسلامية، وفي الأعراف والقوانين الدولية فبعد أن تجاوز المشركون حد الاعتداء بالقول إلى التربص بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين بغية إنهاء الرسالة وقطع الدين، حينئذ اقتضت الضرورة الإذن بالقتال للدفاع عن النفس وحفظ الدين فكان أن أذن الله تعالى للمسلمين بالدفاع عن النفس.

وقد سجل القرآن الكريم هذا الإذن ليرفع الحرج عن الرسول صلى الله عليه وسلم في مواجهة العدو وليحقق مشيئة الله في الخلق {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] .

قال ابن عباس: هذه الآية نزلت في الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين أخرجوا من مكة، وقال أبو بكر آنذاك قوم أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن القوم، فأنزل الله عز وجل {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ] قال أبو بكر فعرفت أنه سيكون قتال.

والتعبير بصيغة (يُقَاتَلُونَ) بفتح التاء بيان لسبب الإذن بالقتال ودليل على أن الظلم والقتال قد أصاب المسلمين قبل أن يؤذن لهم بالقتال.

وقد أعلن الله عز وجل عن هذا الظلم الذي وقع على الرسول صلى الله عليه وسلم والتربص به قال تعالى {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40]

وقال سبحانه {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ } [البقرة: 216].

ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسعوا إلى القتال، وإنما اضطروا إليه لرفع ما نالهم من تعذيب بمكة لما يزيد عن عشر سنوات حتى أذن الله لهم بالدفاع عن النفس مقاومة لفتنتهم عن دينهم ونفيهم عن بلادهم خاصة بعد أن اجتمعت قريش في دار الندوة واتفقوا على قتله صلى الله عليه يدا واحدة تفريقا لدمه بين القبائل.

إذن فالعقل والحكمة يقتضيان رد العدوان دفاعا عن النفس وإبقاء للحياة وتمكينا لأهل الإيمان في الأرض على اختلاف مللهم، وهو ما أفصحت عنه الآية الكريمة عقب آية الإذن بالقتال فقال تعالى {أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 39 - 41]

وبهذا الوضوح تعلن الآيات أن من سنة الله في الأرض أن يدفع أهل الإيمان أهل الشر بما يخلقه الله ويقدره من أسباب ولولا ذلك لفسدت الأرض وخلصت لأهل الشر، وأهلك القوي الضعيف، وهدمت المعابد على اختلاف أنواعها سواء كانت (مسجد – أو صوامع – أو كنائس وسائر ما يذكر فيه اسم الله).

إذن فالهدف من تشريع الجهاد في الإسلام نصرة الضعيف، وتمكين أهل الإيمان في الأرض، وليس إلحاق الأذى أو الشر بغير المسلمين.

 

[1]مختصر تفسير ابن كثير : 2/ 509 .

 

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.