موقف الإسلام من زواج القاصرات

  • | الثلاثاء, 23 فبراير, 2016
موقف الإسلام من زواج القاصرات

المبادئ التي تبنى عليها القضية  :

المبدأ العام في القضية:

يجب أن يراعى عند طرح هذه القضية أنها مما يتغير بتغير الأعراف وأحوال الناس وأن ما كان سائغا في زمان قد يكون منكرا في غيره وعليه فإن إقحام الدين وجعله سيفا مسلطا على أفعال الناس وعاداتهم في مثل هذه القضية يعتبر متاجرة به.

كذلك يجب أن يفهم أن الإسلام ليس دينا يدفن رأسه كالنعامة في الرمال ولا يتنكر لتراثه وتاريخه ولكنه يضعهما في موضعهما ويعتبر لهما اعتباراتهما وإلا فكيف تصبح الحال إن قلنا إن الإسلام يحرم زواج الصغيرات بينما كان الأجداد من المسلمين وغيرهم يزوجون القاصرات؟! إن هذا نوع بالحكم على حرمة زواجهم وعلى بطلانه وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى.

ثانيًا : المبادئ الخاصة بزواج القاصرات:

  1. اتفق الفقهاء على أن  الزواج مطلقًا من حيث مشروعيته جائز
     ومشروع .
  2. هناك فرق في التراث الإسلامي بين الزواج كعقد والزواج كدخول.
  3. اتفق الفقهاء على جواز تقييد المباح للمصلحة المشروعة والراجحة.
  4. تدخل ولي الأمر في تقييد سن الزواج محل خلاف عند الفقهاء.

تفصيل الفتوى :

(أ)بالنسبة لمشروعية النكاح

اتفق الفقهاء على مشروعيته بالكتاب والسنة والإجماع: فمن الكتاب قول الله- عز وجل- : {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ} [النساء:3].
 وقوله - سبحانه وتعالى- { وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ } [النور: 32] . ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: {يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج }رواه البخاري  . وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع، وهو سنة من سنن المرسلين , شُرِعَ من عهد آدم عليه السلام إلى خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم-,قال-تعالى-{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}.

(ب) الفرق بين العقد والدخول:

ترد كلمة الزواج بمشتقاتها أو النكاح من الصغيرة في كتب التراث على معنيين:

الأول: عملية إجراء العقد والتي يوضح الفقهاء فيها أنه لا يجوز للرجل أن يعاشر هذه الصغيرة التي عقد عليها حتى تبلغ وتستطيع تحمل تبعات هذه العلاقة.

والثاني: الدخول بالزوجة ومعاشرتها معاشرة الأزواج وتحملها تبعات هذا الزواج ويعبر عنه أيضا بلفظ البناء.

وبالتالي فإن الفقهاء كانوا أسبق في عملية تنظيم التعامل مع الصغيرة فبينما كانت الأمم تزوج الصغيرة وتمكن منها زوجها جعل الفقهاء الاستطاعة شرط التمكين فلا يجوز لرجل أن يدخل بصغيرة ما لم تكن تستطيع تحمل تبعات هذه العلاقة الزوجية.

يقول ابن عابدين الحنفي – رحمه الله - : }وَقَدْ صَرَّحُوا عِنْدَنَا بِأَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ لَا تُسَلَّمُ إلَى الزَّوْجِ حَتَّى تُطِيقَ{.

حاشية ابن عابدين (3/ 204).

وقال شهاب الدين الرملي الشافعي -رحمه الله- في نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج:}فَلَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً – أي الزوجة - لَا تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ -التمكن منها- حَتَّى تُطِيقَهُ {

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 203) .

 

(ج) بالنسبة لتقيد المباح :

اتفق الفقهاء على وجوب  طاعة ولي الأمر  في تقييد المباح إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت، عملاً بالقاعدة الفقهية: "تَصَرُّفُ الإمام على الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ"؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:}كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ{متفق عليه.

كما أن لولي الأمر سلطة سن قوانين يمنع الناس فيها مما كان مباحا لهم في وقت سابق ولنا في صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأسوة الحسنة فها هو عمر بن الخطاب يمنع من رجوع الرجل لامرأته إذا طلقها ثلاثا في مجلس واحد رغم أنه كان من الجائز أن يعود إليها في السابق وذلك حفاظا منه على مصلحة الرعية إذ رأى كثرة تلاعب الناس بالطلاق فأراد أن يؤدبهم وأن يحافظ على كيان المرأة والأسرة فلا يتلاعب الرجل بطلاق زوجته كلما عنّ له، وكذلك فإنه أسقط حدا من حدود الله تعالى عام المجاعة اعتبارا لأحوال الناس ومصالحهم ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ذلك.

وبالتالي  فلا ينبغي مخالفة أمر ولي الأمر ما دام يصب في مصلحة الناس.

(د) حكم تدخل وليِّ الأمر في تحديد سن الزواج :

كشفت وجهة نظر الفقهاء في هذه القضية عن اتجاهين:

الاتجاه الأول : يرى أصحابه جواز تحديد سن الزواج, وتقييده بسن معينة عن طريق ولي الأمر، وهو مذهب الفقيه ابن شبرمة, وعثمان البتي, وأبي بكر الأصم من الفقهاء المجتهدين.

واستدلوا على ذلك بالكتاب والسنة .

أولا : الكتاب : قوله – تعالى -  } وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {(النساء : 6).

وجه الدلالة من الآية : أن المقصود من قوله:-  عز وجل- } بَلَغُواْ النِّكَاحَ{ هو صلاحية كل من الزوج والزوجة للزواج, وتحمل مسؤولياته وتبعاته، وهذا ما ذهب إليه العديد من المفسرين قال الإمام البغوي- رحمه الله -  في معالم التنزيل: "{حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ}  أَيْ: مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ" وقال الآلوسي – رحمه الله – في روح المعاني: "حتى إذا بلغوا النكاح وصلحوا للإرشاد والتربية".

كما ذهبوا إلى أن البلوغ كما يكون بالعلامات الطبيعية, فكذلك يكون بالسن, وفقا لظروف البيئة والعرف.

ثانيًّا : السنة :

(1) قوله – صلى الله عليه وسلم - :}لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ , وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , وَكَيْفَ إذْنُهَا ؟ قَالَ : أَنْ تَسْكُت} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وجه الدلالة من الحديث : دل الحديث على  أنه لا بد من أخذ إذن البنت البكر عند الزواج, وهذا يتطلب أن تكون بالغة راشدة, حتى يتسنى أخذ إذنها ومشورتها، وهو ما لا ينطبق على من لم تبلغ خمس عشرة سنة.

(2) قوله – صلى الله عليه وسلم -  }كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ{ متفق عليه.

وجه الدلالة من الحديث : حمَّل  الحديث  ولي الأمر المسئولية في اتخاذ ما يراه من إجراءات تصلح شأن الرعية, وتشريع ما هو أدعى لحفظ المصلحة العامة، بشرط ألا يتعارض ذلك مع نص صريح في الكتاب أو السنة، فيحق له إصدار قانون بتحديد سن معينة للزواج، متضمنا عدم تزويج الصغيرات؛ لانعدام المصلحة في زواجهن وهن قاصرات غالبًا, بل قد يترتب على زواج القاصرات أضرار في
حقهن, وأخطار في حق المجتمع فكان تدخل ولي الأمر مطلوبًا باعتبار تصرفه منوطًا بتحقيق مصلحة الرعية.

الاتجاه الثاني : يرى أصحابه عدم جواز  تحديد سن معينة للزواج من قبل ولي الأمر. وهو ما ذهب إليه غالبية الفقهاء، قال ابن المــنذر}أجمع كل من نحـفظ عنه من أهل العلم , أن تزويج الأب ابنته البكر الصغيرة جائز , إذا زوجها من كفء{

ويمكن مناقشة هذا بأن دعوى الإجماع غير مسلمة، لأنه لا يتصور مع وجود الخلاف إجماع ، فقد خالف في ذلك ابن شبرمة , وعثمان البتي , وأبو بكر الأصم. فكيف يتصور الإجماع ,والمخالف مثل هؤلاء؟!.

وهذا الاتجاه مبني على اتفاق الفقهاء بأن المرأة حتى وإن زوجت (عُقد عليها) صغيرة فإنها لا تُسَلَّمُ  إلى الزوج حتى تُطِيقَ العلاقة الزوجية.

 فالعبرة عندهم بتحمل المرأة تبعات الزواج.

والراجح – والله أعلم -  ما ذهب إليه الفريق الأول من تقييد سن الزواج بسن معينة، وهو لا يعد من الأمور التي فيها مخالفة للشرع، بل هو من باب تغير الفتوى بتغير الزمان والعرف والحال؛ ولذلك من القواعد الفقهية المعمول بها عند الفقهاء: }لا يُنكر تغيّر الأحكام بتغير الزمان{, على أن يكون تحديد سن الزواج  من ولي الأمر مشروطا بالمصلحة التي يتوخاها التشريع, ويدفع  المفسدة عن القاصرات,  لأن تصرفه منوط بالمصلحة كما نص الفقهاء.

ويؤكد هذا البعد  أن  النبي صلى الله عليه وآله ومسلم عقد على أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها بموافقة وليها الشرعي, إلا أنه لم يدخل بها إلا بعد أن أصبحت تطيق الحياة الزوجية من معاشرة وغيرها حسب طبائع وعادات الناس في ذلك الزمان ولم يكن زواجه منها صغيرة واقعة عين حتى نستغربها وإنما كانت ثقافة وعادات العصر في ذلك الوقت تجيزه والحوادث والتاريخ شاهد على ذلك, وهو ما يدل على أن الأحكام التي تحيط بزواج الصغيرة عقدًا ودخولا إنما هي بنت بيئتها, وظروفها الاجتماعية مع مراعاة أعراف الناس في كل عصر ومصر.

كما وتجدر الإشارة إلى أن الزواج في تلكم السن لم يكن في عصر النبوة مستغربا ولا مرفوضا من المجتمع ولم يكن مسبة يشنع بها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ لو كان زواجه صلى الله عليه وآله وسلم منها صغيرة مرفوضا لما سكت المشركون عن ذلك ولنالوا وانتقدوا فعله ورفضوه ولكن هذا لم يحدث.

أضف لذلك أن الزواج من الصغيرة لم يكن سمة المسلمين وحدهم بل إن تراث غير المسلمين جد مليء بمثل هذه القضايا التي كانت مقبولة في عصرها ومصرها.

فعلى المثير لقضية زواج الصغيرات وعلى الرابط بينها وبين الإسلام أن يدرك أن الزواج شعيرة مباحة في الشرع تصبح مقننة حسب عادات وثقافات الناس بما لا يكون فيه ضرر لأي من أطراف هذه المنظومة، وعليه أن يدرك أن العقل والمنطق والموضوعية في البحث والدراسة لا تجوز أن نحاكم التاريخ بطبيعة وعقلية وقوانين الحاضر، فبمعنى أوضح إذا أردنا أن نقيس فعلا ما أو أن نحاكم تصرفا ما فلابد أن نقيسه بمقاييس عصره وبيئته لا بمقاييسنا في عصرنا هذا.

وبالإضافة إلى ما سبق ذكره: فإن المسلمين كان لهم فضل السبق الحضاري في تحديد سن الزواج قبل الغرب بـأكثر من مائة وخمسين عامًا تقريباً, منذ أن أقر الفقهاء في منتصف القرن التاسع عشر تحديد سن الزواج بخمسة عشر عام في المادة:(986) من مدونة الأحكام العدلية التي وضعها الفقهاء إبان الدولة العثمانية, في حين تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في ديسمبر 1979 وأصبحت نافذة المفعول في سبتمبر 1981 م ,وقد قررت اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في الفقرة: 2 من المادة: (16) أن لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني.

وهذا الرأي هو المعمول به في قانون الأحوال الشخصية المصري للمسلمين، فقد نصت المادة: (31) من القانون رقم (143) لسنة 1994  بشأن الأحوال المدنية والمضافة عام  2008 على الآتي: }لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة .... ويعاقب تأديبيًا كل من وثق زواجًا بالمخالفة لأحكام هذه المادة {.

هذا والله أعلم.

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.