البعض من المدارس التابعة لأهل السنة ترى أن المذهب الصحيح هو أن يكون الإيمان مزيجًا من الاعتقاد والعمل، وأنَّ التصديق لا يكفي في تحقيق الإيمان، وهذه وجهة نظر يجب إذا طُرحت أن تكون رأيا فقط، وليس كمذهب من المذاهب، وأنه هو الحق، لكن الأدلة تؤكد أن وجهة نظر الإسلام- من أن الإيمان تصديق قلبي، والعمل شرط له- هو ما تؤكد عليه الأدلة الشرعية، بل تؤكد هذه الأدلة أنه لا يحق لأحد أن يخرج الناس من الإيمان وإن نقصت أعمالهم وإلَّا لصار الأمر فوضى، ولفسدت الأرض، ومعلوم أن هناك مقولة رائعة تعد قاعدة ذهبية لكل من أراد أن يواجه من يحملون ثقافة تكفير وتشدد-تقول:" لا يخرجك من الإيمان إلا جحد ما أدخلك فيه"، وهذه المقولة تؤكد عليها الأدلة والبراهين، لعل من يحملون فكر التكفير والتشدد يتدبَّرونها ويخرجون أنفسهم من ضيق الفكر إلى سعة العلم والإيمان، وهذه بعض الأدلة على ذلك:
1- يقول الله تعالى في كتابه: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ( الحجرات:9 )، وهنا نلحظ انفكاك حقيقة الإيمان عن حقيقة العمل؛ إذ القتل من أكبر الكبائر، ومع ذلك سمى المولى هؤلاء القاتلين "مؤمنين" و لم ينزع عنهم هذه الصفة العظيمة، وهناك دليل آخر؛ قال تعالى: "إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات"....في مواضع كثيرة، فقد عطف المولى سبحانه وتعالى العمل على الإيمان ومعلوم عتد أهل اللغة أن العطف يقتضي المغايرة، وأما الدليل الثالث فقول الحق جل ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم:" كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ، (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ" (الأنفال:5،6)، والدليل الرابع قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" (الصف:2)، والدليل الخامس قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ" (التوبة :38)، فسماهم مؤمنين مع أنهم تثاقلوا إلى الأرض، وهذه معصية من غير شك وكبيرة؛ لأنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك شواهد وفيرة في كتاب الله تعالى تؤكد أن مرتكب المعصية أو الكبيرة لا يُرفع عنه الوصف بالإيمان، فهل هناك من عنده علم أكثر من ذلك؟...(بتصرف) 

د. عبد المنعم فؤاد