قتل غير المسلم

  • | الأحد, 6 أغسطس, 2017
قتل غير المسلم

إذا قتل المواطن المسلم غير المسلم، أو قتل المواطن غير المسلم المسلم؛ خطأ أو شبه عمدٍ؛ عوقب المعتدي بالدية المقررة في القتل شبه العمد أو الخطأ؛ لأنه قتل نفسًا معصومة بالإسلام أو الأمان؛ فوجب عليه الضمان. فإن كان القتل عمدًا؛ فإن كان القاتل مواطنًا غير مسلم اقتص منه، سواء أكان المقتول مواطنًا غير مسلم مثله أم كان المقتول مسلمًا من باب أولى؛ لأن المواطن غير المسلم قد قتل مساويًا له، إن كان المقتول مواطنًا غير مسلم أو أعلى منه، إن كان المقتول مسلمًا، فتحقق شرط المساواة المشروط  في القصاص من الجاني. فإن كان المقتول مواطنًا غير مسلم والقاتل مسامًا فإن الفقهاء يختلفون في القصاص من المسلم على ما يلي: 
يري الشافعية، والحنابلة، والزيدية، والظاهرية، والثوري، وأبو ثور، وابن المنذر: أن المواطن المسلم إذا قتل مواطنًا غير مسلم لا يقتص منه وإنما يغرم الدية. واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (لا يُقتل مسلم بكافر)،ووجه الدلالة: أن المواطن المسلم قد قتل مواطنًا غير مسلم، والمواطن غير المسلم كافرٌ فلا يقتل به؛ لنص الحديث. ونُوقش: بأن المراد بالكافر المذكور في الحديث الذي لا يُقتل به المسلم: هو الكافر الحربي؛ أي: الذي أعلن الحرب، وليس المواطن غير المسلم. واستدلوا من المعقول بأن القصاص يعتمد على المساواة بين الجاني والمجني عليه، ولا مساوة بين المسلم وغير المسلم. ونُوقش: بأن المراد بالمساواة المشروطة لإثبات القصاص المساواة في العصمة، وليس في الدين، والذمي مساو للمسلم في العصمة؛ لأنه معصوم عصمة مؤبدة كالمسلم. ويرى المالكية، والليث بن سعد: أنّ المواطن المسلم يقتل بالمواطن غير مسلم إن قتله غيلة فقط، كأن يأخذه إلى موضع ليقتله، وقتله في هذه الحالة ليس قصاصًا وإنما قتل حد، وهو حد الحرابة أو الإفساد في الأرض.
واستدلوا على ذلك بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مسلم بكافر قتله غيلة، وقال( أنا أحق من وفى بذمته)
ويرى الأحناف: أن المواطن المسلم إذا قتل مواطنًا غير مسلم قُتل به قصاصًا. واستدلوا على ذلك بعموم الأدلة الواردة في القصاص من الكتاب والسنة؛ كقوله تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى  الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ والأنثى بالأنثى  فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ  ذلك تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ  فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (البقرة:178) وقوله  صلى الله عليه وسلم (العمد قود) و(كتاب الله القصاص) و(من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما يؤدى، وإما يُقاد)،وغير ذلك، حيث لم تفرق الأدلة بين قتيل وقتيل، بل أثبتت القصاص في كل فتل عمد. 
والراجح هو ما ذهب إليه جمهور الأحناف من القول بإثبات القصاص من المواطن المسلم إذا قتل المواطن غير المسلم عمدا؛ لقوة ما استدلوا به، ولأن المواطن المسلم بقتله المواطن غير المسلم قد قتل معصوم الدم المحرَّم قتله، وارتكب بذلك ذنبا عظيما، دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:" من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما". وبذلك لا يتخذ ضعاف النفوس من المواطنين المسلمين إسقاط القصاص في قتل المواطنين غير المسلمين ذريعة لقتلهم، فتهدر الدماء المعصومة، وتعم الفوضى في الدولة الإسلامية، وتسوء صورة الإسلام أمام غير المسلمين.... (بتصرف)    

    د. عباس شومان

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.