حول مصطلح " الضالين"

  • | الأحد, 17 سبتمبر, 2017
حول مصطلح " الضالين"

التأصيل العلمي لبعض المصطلحات الشرعية تصحيح المفاهيم حول مصطلح " الضالين" في قوله تعالى{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7]

لما كان مصطلح الضالين الذي أعلنت عنه فاتحة الكتاب قد أثير حوله لغط من غير المتخصصين مما أخرجه عن أصله اللغوي وقصره على معنى واحد كان لزاما أن نعرض لهذه القضية بكل أبعادها من خلال تعدد المعنى اللغوي وكذلك المعنى الاصطلاحي وفقا لسياق وضع اللفظ في آيات القرآن الكريم ويحتاج عرض القضية أن تحكمها المبادئ التالية :

  1. موارد استعمال هذا المصطلح في القرآن الكريم .
  2. الآثار المترتبة على التعبير بهذا المصطلح .

أولًا : موارد استعمال هذا المصطلح في القرآن الكريم .

قد ورد استعمال مصطلح ( الضلال ) وما يشتق منه في كتير من المواضع ، ومنها :

  1. قوله تعالى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ } [البقرة: 198]

والمعنى في هذه الآية : وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِ الهدى والإسلام لمن الجاهلين لا تعرفون كيف تذكرون الله وتعبدونه .

  1. قال تعالى {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: 77]
  2. قال تعالى  {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ } [الشعراء: 20]والمعنى : قتلت تلك النفس التي قتلت إذن وأنا من الضالين. أي الجاهلين قبل أن يأتيني من الله وحي بتحريم قتله علي. والعرب تضع من الضلال موضع الجهل، والجهل موضع الضلال، فتقول: قد جهل فلان الطريق وضل الطريق، بمعنى واحد.
  3. ومن هذا المعنى جاء قوله تعالى {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1، 2]

ومعنى الآية : أن الله تعالى قد حفظ نبيه من مخالفة الحق سواء كانت المخالفة بقصد أو بغير قصد ؛ إذا الضلال هو المخالفة بقصد ، والغي المخالفة بغير قصد ، وقد حفظ الله تعالى نبيه من الأمرين ومن هذا أيضا جاء قوله تبارك وتعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]

والمعنى : أن الله تعالى أرشد المسلمين إلى طلب الهداية التي وُفق إليها الصالحون ، وحرم من الوصول إليها ( المغضوب عليهم ) وهم الذين رفضوا الحق بعد الوصول إليه جحودا وإنكارا ، و  ( الضالون ) وهم الذين لم يتوصلوا إلى الحق بغير قصد منهم .

وعليه فإن كل من أخطأ في الوصول إلى الحق فإنه ضال حتى وإن كان مسلما ، قال تعالى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]

وإذن فالأقوال والأفعال الساترة للحق كالكذب ، والخيانة ، والظلم والإشراك بالله تعالى من الضلال والكاشف لذلك هو السياق القرآني لمصطلح الضلال .

ثانيًا: الآثار المترتبة على الوصف بالضلال :

إن شريعة الإسلام قد راعت التوازن في العلاقات بين المسلمين بعضهم البعض ، وبين المسلمين وغيرهم ، ومن المقرر شرعا أن صلاح الإنسان أمر يعود عليه بالنفع ، كما أن ضلاله يعود عليه بالإثم ويحمل وحده نتيجته يوم القيامة فهناك حق لله وحق للمجتمع ، وحق الله يحاسب عليه الله تعالى ، وحقوق المجتمع يحاسب عليها المجتمع بصرف النظر عن معتقدات الانسان ، وقد أكد هذا المعنى القرآن الكريم قال تعالى  {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 108]

وبناء عليه : فإن وصف الضلال يطلق على من لا يهتدي إلى الحق سواء كان مسلما أم غير مسلم ، فلا يختص بطائفة معينة ، خاصة وأن القرآن الكريم قد تلطف في الخطاب مع أهل الكتاب وأمر ببرهم ومودتهم ، ولا يمكن تصور أن القرآن مع هذا التلطف والرقي في اللغة أن يقصد التشنيع على أهل الكتاب بأوصاف تستفزهم  ، قال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]

ولأن التعايش السلمي بين الأفراد قضية دينية قبل أن تكون وطنية قال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».

والخلاصة : أن المسلم مأمور بأن يجتهد في الوصول إلى الحق وأن يتجنب كل ما يغضب الله تعالى انسجاما مع الدعاء الوارد في أم الكتاب في قوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة: 6، 7]

وهو دعاء يردده ملايين المسلمين في اليوم عشرات المرات ، فهل أثمر هذا الدعاء عدوانا على الغير ، أو انتقاصا من حقوق شركاء الوطن .

كما على المسلم أن يتجنب استفزاز الآخرين لئلا يؤدي ذلك إلى إثارة رد الفعل السيئ ، وقد تحرز القرآن من هذا الاتجاه سدا للذرائع ، وغلقا لباب الفتن فقال {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 108]

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.