إخوة الأنبياء وعالمية الإسلام(2)

مقتضيات الإخوة بين الأنبياء

  • | الإثنين, 25 سبتمبر, 2017
إخوة الأنبياء وعالمية الإسلام(2)

لما كانت رابطة الأخوة أقوى الروابط الانسانية بين البشر فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم علاقة المودة والمحبة والتوقير والاحترام بين الأنبياء جميعا بـ" الأخوة " ، فعن أبي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه أن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ» قَالُوا: كَيْفَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ» صحيح مسلم (4/ 1837)

فدل هذا الحديث على عمق العلاقة بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبين جميع الأنبياء بصفة عامة ، وبين عيسى ابن مريم بصفة خاصة .

وفي هذا البيان النبوي إيحاء للمؤمنين بضرورة توثيق العلاقات والتعاون بين أهل الديانتين في شتى مجالات التعاون التى يمكنهم التعاون فيها ، ومن ذلك ما يلي :

التعايش السلمي :

التعايش السلمي  مع الغير قيمة إسلامية ؛ لأن الخطاب القرآني جاء ليعلن للناس، وحدة الدين لدى الأنبياء جميعا، فمن ثمَّ فهو يدعوا إلى وحدة الناس – وإن اختلفت شرائعهم- باعتبار أنهم ينسبون إلى أصل واحد. وبذلك فدعوة الإسلام قائمة على الوحدة والتضامن الإنساني لخير البشرية جميعا، لقوله تعالى: { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].

وتفعيلا لهذا التواصل بين بني آدم على مرّ الزمان جاءت شريعة الإسلام ذات مضمون عالمي يتوافق وفطرة الناس جميعا أياً كان موطنهم أو زمانهم، فإن مضمون رسالة الإسلام الرحمة التي تسع الجميع، والسلام الذي يضم الكافة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].

وقال الله عز وجل : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208].

فهذه الآية الكريمة خطاب للمؤمنين أن يتمسكوا بالتعايش السلمي  والحوار مع الأخرين وانطلاقا من هذا  أقر الرسول صلى الله عليه وسلم مبدأ الحوار الديني بصرف النظر عن نتائجه، وطبق ذلك في كتبه إلى الملوك والرؤساء للتعريف بالإسلام، ومن صور هذا الحوار والتلاقي : كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم، إحدى القوتين العظيمتين في ذلك الوقت –العام السابع الهجري- فأرسل إليه مبعوثا يحمل كتابا يعلن فيه عن الدين الذي يبشر به، وليفتتح به الحوار، فجاء فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم؛ يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64].

وبفحص هذه الرسالة الدعوية التي افتتح بها الرسول صلى الله عليه وسلم الحوار مع الحضارات الأخرى، وخاصة أهل الكتاب، نجد أنها تحمل مقومات الحوار في المنهج الإسلامي، أُبرزها فيما يلي من خلال نصوص الكتاب:

أ-"بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله"، فهذا قمة التواضع، فمع أنه صلى الله عليه وسلم يحمل وحي الله إلى العالمين، إلا أنه ذكر اسمه مجردا إلا من صفة التعريف بالنبوة – رسول الله-، ليبعث الأمان في نفس المرسل إليه، مبتدءا بعنوان رسالة الإسلام، أن وحيها من الله الرحمن الرحيم.

"هرقل عظيم الروم.."، بهذه الجملة ينزل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس منازلهم، وهذا من أدب النبوة، ومن أدب الحوار، فرغم أن النبي-  صلى الله عليه وسلم – أعلى لمكانة النبوة، إلا أنه خاطب هرقل بمنزلته لدى قومه "عظيم الروم"، وهو ما ينسجم مع خلق اللين في القول والتلطف في الخطاب الذي طبع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو درس بليغ لمن يحمل على كاهله دعاية الإسلام إلى الآخر، أن ينزل الناس منازلهم، ويلين لهم في القول.

جـ- "سلام على من اتبع الهدى" عبارة تناسب مقام الحوار للدعوة إلى الإسلام، فالسلام في الخطاب الإسلامي هو عنوان الحوار مع الآخر، وهو سنة متبعة عند النبيين، حيث بدأ بها موسى وهارون عليهما السلام الحوار مع فرعون لدعوته إلى التوحيد والإسلام لله رب العالمين، وقد سجل القرآن الكريم هذا الحوار الموسويّ في قوله تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. وفي قوله سبحانه: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه:47].

إذن فقيمة السلام مقترنة بالحوار مع الآخر في لغة القرآن الكريم، مما يدل على أنه منهج نبوة، وأن المسلمين مخاطبون به شرعا.

د- "أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم" هذه الفقرة تؤكد المنهج السلمي في الدعوة إلى الإسلام لكل من دخل فيه، والأمن والسلامة لمن تولى عنه، مادام لم يعلن الحرب عليه، إعمالا لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8].

و- "فإن توليت، فإن عليك إثم الأريسيين" أما هذه العبارة فيه تقرر مبدأ الوضوح والشفافية في الحوار لعرض الإسلام، فإن اقتنع الآخر، فله أجره وأجر من تبعه في الإسلام في قومه. وإن لم يقتنع، فهو وما اختار، إعمالا لقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64].

هذا هو الحد الذي سنه الرسول صلى الله عليه وسلم في عرضه للإسلام، أن يترك من أعرض وحسابه على الله تعالى، وقد طبق ذلك على أهل مكة يوم الفتح حين قال: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"( سيرة ابن هشام (2/407))، ولم يفرض عليهم الإسلام، رغم أنه أساس المشكلة بينه وبينهم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يستغل ضعفهم ليكرههم على الإسلام، وإنما أخلى سبيلهم، فكان أن فتح الله له مكة، فدخل الناس في دين الله أفواجا.

ز- " قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ" هذا ما ختم به الرسول-  صلى الله عليه وسلم – كتابه إلى عظيم الروم، ذلك لمقتضيات السياق، لأن عظيم الروم وقومه من أهل الكتاب، وهذا النص يعطي البعد المشترك بين المسلمين وبين أهل الكتاب في إعلاء قيم الدين، ويعلن التلاقي لتدعيم عناصر الدين بين أهل الرسالات وهو أمر يقره الإسلام في قوله تعالى: { أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ}، وقد روى ابن كثير: أن هرقل لم تسلم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من دحية الكلبي، قال له: "والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل، وإنا نجده في كتابنا، ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لاتبعته"( البداية والنهاية 2/716-717). (تخريجها).

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.