لغيرنا حقوق علينا - الجزء الأول

  • | الخميس, 28 ديسمبر, 2017
لغيرنا حقوق علينا - الجزء الأول

     من الأفكار المغلوطة أن يظن البعض من المسلمين أن غير المسلمين ليست لهم حقوق في الإسلام، أو أن الإسلام يكنّ العداء لمن خالفه. ولا شك أن هذا المضمون -الذي يخالف الواقع والتاريخ والحقيقة- يساهم بشكلٍ كبيرٍ في انتشار الفكر المتطرف، ويُسهل من عملية استقطاب الجماعات المنحرفة التي تُروج لفكرٍ زائفٍ يصور للشباب أن غير المسلم مُستباح الدم والعرض والمال، وأن قتاله واجب. وفي حقيقة الأمر نجد أن الدين الإسلامي الحنيف قد ساوى بين حرمة دم المسلم وغيره،  فقال تعالى في محكم التنزيل: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة:32). كما وردت في هذا الشأن كثيرٌ من الأحاديث النبوية التي تؤكد حرمة دماء غير المسلم وعرضه وماله، بغض النظر عن دينه أو معتقده، حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه: "أيّما رجل أمَّنَ رجلا على دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافرًا" فاستوت هنا حرمة دم المقتول سواءً كان مسلماً أم غير مسلم. 
وفي هذا السياق نجد أصحاب الدعوات التكفيرية يعادون غير المسلمين ويستبيحون دماءهم وأعراضهم وأموالهم، لأن هذه الجماعات لا تؤمن في الأساس بمفهوم التعايش والمواطنة التي أقرها الإسلام، بل تدعو الشباب إلى ممارسة العنف ضد المجتمعات التي يعيشون فيها، ويحثونهم على نبذ من خالفهم، وذلك بحجة أنه مجتمع كافر، فيقتلون الأبرياء من غير المسلمين على اعتبار أنهم "كفارا" وأن من يسالمهم فهو مثلهم. لا شك أن هذه الأفكار المسمومة حينما تتسلل إلى عقول الشباب ولا سيّما من كان منهم منهمكاً عبر مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، يزداد قناعة بأن هذا هو صحيح الدين ويعتقد خطأ ان هذه هي تعاليمه، لكنهم أغفلوا أن الله سبحانه وتعالى جعل من الاختلاف والتعدد سنة كونية، وأغفلوا آيات الذكر الحكيم والتي منها يقول المولي عز وجل: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين" (هود:118)، فبالتنوع والاختلاف تستقيم الحياة، لأن كل فئة في المجتمع تكمل الأخرى وتُعضدُها. 
هذه الأفكار الشاذة تصدرها الفرق الضالة للشباب فتشوه أفكارهم حول علاقة الإسلام بأبناء المعتقدات الأخرى. وعلى أبناء الوطن الواحد ألّا يعتبروا الاختلاف في الدين مع أشقائهم في الإنسانية والمجتمع عائقًا عن التعاون والترابط والعمل لما فيه خير البشرية. ينبغي ألا نعمق الاختلافات، بل هي ثقافة جعلها الله ميزة بين بني البشر، بل بين كل ما خلقه الله. الأولى من ذلك البحث عن القواسم المشتركة التي تحقق التآلف والانسجام.
 لم يكتف بالإسلام بتحريم دماء غير المسلمين وأموالهم وأعراضهم، بل جعل لهم حقوقاً على المسلمين، فلا تتجلى تعاليم الدين الإسلامي القويمة في كف الأذى عن غير المسلمين، بل تتعدى إلى فرض مجموعة من الحقوق -لعلنا نتناولها لاحقاً بشيئ من التفصيل- على المسلم تجاه غير المسلم. من هذه الحقوق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر دون أية مضايقات وحماية دور العبادة. قال الله "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة:256) وقال أيضاً "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس:99). كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أصّل لهذا المبدأ حينما كتب لأهل نجران أماناً شمل سلامة كنائسهم وعدم التدخل في شؤونهم وعباداتهم وأعطاهم على ذلك ذمة الله ورسوله. وفي ذلك يقول ابن سعد: "وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسقف بني الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير، من بِيَعِهم وصَلواتهم ورهبانهِم وجوار الله ورسوله، لا يغير أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته".
لقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالتبليغ فقط، ولم يأمره بإجبار الناس على اعتناق الإسلام. ولا بُد من التركيز على هذا الأمر فلا يولّيَنّ أحد نفسه مسؤولية هداية جميع البشر وإلا لكان النبي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- أولى الناس بذلك، الذي خاطبه الله بقوله "لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ" (البقرة:272) وقال أيضاً "فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ" (الرعد:40) وقال "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ  لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ" (الغاشية: 21-22) وغيرها من المواضع التي تؤكد على أن النبي والمسلمين هم دعاة ومبلغين عن ربهم ونبيهم وليسوا مطالبين بإكراه غيرهم على اعتناق دينهم. 
  

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.