الإسلام وحــوار الأديان

  • | الأحد, 25 فبراير, 2018
الإسلام وحــوار الأديان

     الإسلام بمفهومه العام، الذي هو إسلام العبد نفسه لله طوعًا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هو دعوة كل الرسل، ودين جميع الأنبياء، فعلاقة الإسلام بالأديان الأخرى هي علاقة الشيء بنفسه، ولذا فإن إيمان المسلم لا يكتمل إلا بالإيمان بجميع الرسل وبجميع الكتب السماوية السابقة قال تعالي: " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"(البقرة: 285). كما أن رسالة الإسلام ودعوته رسالة عالمية، قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107). وقوله تعالي: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" (سبأ: 28).
كما يجب الإشارة إلي حقيقة إسلامية مهمة، وهي أن العدل هو القاعدة الأساسية في تنظيم علاقة المسلم بغيره، ويشمل ذلك العلاقات الدولية، سواءً في حالة السلم أو في حالة الحرب، قال تعالي: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة: 8).
ولقد انطلقت المبادرة الأولي إلي الحوار بين الأديان من القرآن الكريم في قوله تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران: 64). فالآية الكريمة تدعو إلى الحوار الديني بين المسلمين وأهل الكتاب وتشير إلى عناصر الاتفاق بين الإسلام والمسيحية واليهودية التي تكون أساسًا للحوار بينهم، وتستبعد ضمنًا عناصر الاختلاف. بل إن الإسلام يتجاوز تاريخ الاختلاف بين الديانات الثلاث ويطالب بالعودة إلى شكل بسيط وفطري للتوحيد يمثله دين إبراهيم عليه السلام الذي هو دين الفطرة. كما يعلمنا إسلامنا أن نلتزم بأدب الحوار وأن يكون الحوار بالحسنى في قوله تعالى: "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"(العنكبوت: 46). وقوله تعالى: " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ  وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل: 125)
فمن مقومات الإسلام الأساسية حسن التعامل مع غير المسلمين بل ورعاية حقوقهم والعطف عليهم بالبر والإحسان قال تعالى:
"لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (الممتحنة: 8)
إن الحوار واجب ديني وضرورة إنسانية حتى مع الذين ظلموا فقد كان رسول الله يحاور مشركي قريش، ومن أظلم منهم؟ ويتبنى الحوار بين الأديان الاعتراف الضمني بتعدد الأديان والمذاهب ولذلك فهو يعترف ضمنًا بحرية الاعتقاد، فالحوار يعني الاعتراف المتبادل بين الأديان. كما أن  المناخ الديني المتسامح مناخ يعترف بالتعددية الدينية ويقبلها على أساس من قاعدة الاختلاف الطبيعي بين البشر، وقد اعترف الإسلام باختلاف البشر وأنه يمثل ظاهرة طبيعية قال تعالى: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ" (هود: 118). بل إن الاختلاف بين البشر سبب مهم من أسباب اجتماعهم وتعارفهم وتعاونهم وتبادلهم للمعارف قال تعالي: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا......" (الحجرات: 13). كما ربطت هذه الآية الكريمة المسلمين مع سائر البشر علي اختلاف أجناسهم وانتماءاتهم الحضارية برباط الأخوة الإنسانية النابعة من وحدة الأصل الإنساني.
 ومن مقومات الإسلام ما كشفه لأنصار ملته من أن اختلاف الناس شئ طبيعي فلا ينبغي إجبارهم علي مذهب واحد قال تعالي: " لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" (البقرة: 272). ويقول أيضاً: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (يونس: 99). كما يقول: "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة: 256).
ولقد أكد القرأن الكريم على العلاقة الوثيقة التي تربط بين المسلمين والمسيحيين في قوله تعالي " وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ" (المائدة: 82).
 ومن الثابت بالدليل حزن المسلمين الشديد عندما انهزم الروم المسيحيون أمام الفرس الوثنيين، فقد واستهم آيات من الوحي القرآني في سورة من سور القرآن الكريم تحمل اسمهم وهي سورة الروم. وكان تسامح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع وفد نصارى نجران، الذي وفد عليه في مسجده، في أهم وأول حوار عقدي بين رسول الله وأحبار نصارى الجزيرة العربية، قدوة لكل المسلمين وأهل الكتاب إلى يوم القيامة.
إن الإسلام لا يستنكف أبدًا عن مد يده لمصافحة أتباع كل ملة ونحلة في سبيل التعاون علي إقامة العدل ونشر الأمن وصيانة الدماء أن تسفك، وحماية الحرمات أن تنتهك. ومثلنا الرائع في هذا هو ما ضربه لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال في الحديبية: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا" (أخرجه البخاري في صحيحه).

 

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.