حول تهنئة المسيحيين بأعيادهم

  • | الخميس, 30 ديسمبر, 2021
حول تهنئة المسيحيين بأعيادهم

                                          

     إنَّ الشريعة الإسلامية قد أجازت معاملة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فأباحت أكل ذبائحهم - ما لم تكن محرمة في شريعتنا كالخنزير مثلاً -  وأجازت نكاح نسائهم، قال تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي }[المائدة: 5]. ووجه الدلالة من هذه الآية أنَّ الإسلام قد أباح مؤاكلة أهل الكتاب وتناول ذبائحهم، كما أباح التزوج من نسائهم مع ما في الزواج من مودة ورحمة وميل بين الزوجين.

وقد أباحت الشريعة كذلك المعاملات المالية معهم، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، بثلاثين صاعًا من شعير" [أخرجه البخاري في صحيحه رقم (2916)، رقم (4467)].

وكذلك أمر الإسلام بالقسط والبر والإحسان إليهم ما داموا غير محاربين قال تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة: 8، 9].

ويستفاد من هذا البيان القرآني أنَّ الشريعة لم ترغب في العدل والقسط مع غير المسلمين الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين، ولم يخرجوهم من ديارهم فحسب بل رغبت في برهم والإحسان إليهم وحسن الخلق معهم ورعايتهم.

وقد حذر الإسلام من إيذاء أهل الكتاب أو انتقاص حقوقهم وقد توعد النبي - صلى الله عليه وسلم- كل من آذى ذميًّا بسوء أن يكون عليه الصلاة والسلام خصمًا له يوم القيامة قال عليه الصلاة والسلام: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [أخرجه أبو داود في سننه، رقم (3052)، والبيهقي في سننه الكبرى، رقم (18731)].

وهذه التشريعات السالفة تشمل جميع أهل الكتاب سواء كانوا ببلادنا أم كنا ببلادهم، إلَّا أن من كان منهم ببلاد الإسلام أي من كانوا من مواطني دولتنا من أهل الكتاب فحقهم أن يعيشوا في ظل الإسلام آمنين مطمئنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

والإسلام لا ينهى أتباعه عن مجاملة غيرهم من أهل الأديان الأخرى أو البر بهم، وتهنئةَ المُسلِم لغيره من المسيحيين نوعًا من المُجاملة والبر بهم بل على العكس فالمسلم مطالب بأن يُظهرَ محاسِنَ الإسلامِ وسماحته.

وهذه التهنئة ليست لها أي علاقة بعقيدتهم فهي لا تعدو أن تكون نوعًا من المجاملة، وقد كان سهل بن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمروا عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما إنها من أهل الأرض أي من أهل الذمة، فقالا: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: "أليست نفساً" [أخرجه البخاري في صحيحه، رقم (1312)].

ومن المعلوم أنَّ قيامه – عليه الصلاة والسلام - كان تعبيرًا عمّا للموت من هيبة وجلال، ولا عَلاقة له بعقيدة اليهودي صاحب الجنازة .

وكذلك التهنئة بميلاد المسيح عليه السلام لا صلة لها بالعقيدةِ، وإنّما هو مجرّد بداية للتاريخ الميلادي، فإذا كان بين المسلمين وبين غيرهم من أهل الكتاب نسب أو جوار، أو زمالة في وظيفة، وقد جرى العُرف بأن يتبادل الطرفان المجاملة في الأعياد والمواسم، أو المناسبات الأخرى فإنَّ الإسلام لا يمنع هذه التهاني.

 

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.