حكم موالاة غير المسلمين

  • | الخميس, 31 مارس, 2016
حكم موالاة غير المسلمين

المبادئ العامة :

  1. المعنى المشترك للفظ "الولاية، والتولِّي" هو: الاجتماع على شيئ، فقد يكون الولاء بسبب الدين والاعتقاد، ومنه قوله تعالى {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } [1]، كما يكون بسبب القرابة والنسب، ومنه قوله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [2] ، وقد يكون بمعنى التحالف والنصرة ، ومنه  قَول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، وَجُهَيْنَةُ، وَمُزَيْنَةُ، وَأَسْلَمُ، وَأَشْجَعُ، وَغِفَارُ مَوَالِيَّ ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» . [3]أي : هُمْ نَاصِرُوهُ وَالْمُخْتَصُّونَ بِهِ [4].
  2. الأصل في الفعل الثلاثي " وَلِيَ " هو الولاء : أي النصرة ، سواء كان بالفتح أم بالكسر ـ في المصدر ـ يُقال " الوِلاية " بكسر الواو ، كما يقال " الوَلاية " بفتح الواو ، وهي بمعنى النصرة ، كما قال ابن منظور في لسان العرب [5]، ومنه قوله تعالى{مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ } [6] ، قرأ حمزة " «وِلايتهم» بكسر الواو ، وقرأ الباقون «وَلايتهم» بفتح الواو [7] ، والمعنى : النصرة .
  3. عقيدة الولاء والبراء في الإسلام إنما هي مرتبطة بحال السِّلم والحرب ، والمودة والعداوة ، وذلك بين المسلمين وغير المسلمين قال تعالى في مقتضيات الولاء {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ] [8]، كما قال تعالى في مقتضيات البراء [ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [9] .

 

 

التفصيل :

أولا : يؤخذ من هذه المعاني للفظ الولاء أنه لا حرج في عقد الموالاة لقوم ــ أي التحالف معهم ــ إما لدين واعتقاد ، وإما لصداقة وجوار ، وإما للنصرة في مواطنها ، فمن سالم المسلمين وتآلف معهم، ولم يعادهم ولم يخرجهم من ديارهم ولم يفتنهم عن دينهم، فله البر والقسط والولاء، حتى ولو كان غير مسلم ؛ امتثالا لقوله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ]

ويتضح تطبيق ذلك جلياً في أول لقاء بين الإسلام – نظاما للدولة- وبين غير المسلمين – مواطنين في الدولة الإسلامية- حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابة الصحيفة التي يعرفها التاريخ الإسلامي السياسي باسم: صحيفة المدينة، أو دستور المدينة، وكان مما جاء فيها: ( إن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصر للمظلوم) [10].

فالنصح والنصر أصل بين المسلمين وغيرهم، مادامت العلاقة قائمة على السلم والمسالمة، واحترام العهود والمواثيق ، ولقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [11]

 

ثانيا : إذا انقلب الحال إلى عداوة من غير المسلمين ونُقضت العهود ، كما فعل يهود المدينة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو اتخذ غير المسلمين الإسلام هُزُوا ، وعابوا القرآن والرسول ، ودنَّسوا مقدسات المسلمين هنا ينقلب الولاء إلى براء ، وتتخذ الخطوات التالية :

  1. نقض الولاء لافتقاده مقتضياته ، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [12]، وقال تعالى { لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28].
  2. إعلان البراء ؛ ردا على نقض العهود وازدراء الإسلام ومقدَّساته . قال تعالى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [13] .
  3. المعاملة بالمثل ؛ طبقا لما هو مقرر في الشريعة الإسلامية ومتوافق مع القانون الدولي ، إلا أنَّ المعاملة بالمثل في شريعة الإسلام لا تبيح للمسلم ازدراء دين الآخر ، أو انتهاك مقدَّساته ، أو العيب في عقيدته ، لأن الإسلام يَفرض على المسلمين الإيمان بجميع الأنبياء والكتب السماوية ، قال تعالى {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [14] .

ولأن المسلم تَضبط سلوكه وتصرفاته أخلاقيات تمنعه من اقتراف ما يقع فيه الآخرون من ازدراء أو انتهاك ، ولهذا قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» [15] .

وهذا يُؤكدُّ على أنَّ المسلم يجب عليه أن يتحلى بمكارم الأخلاق في كل الأحوال حتى مع من لا يستحقون هذا ؛ لأن حسن الخلق فريضة تجب لحق الله تعالى .

إذا : فالنهي عن اتخاذ المخالفين في الدين أولياء ليس لكونهم غير مسلمين ، وإنما بوصفهم جماعة معادية للإسلام تتخذ من نقضها للعهود لواء تستجمع به قوى المعاداة للمسلمين ، والمحادّة لله ورسوله ، ولذلك تكررت في النصوص القرآنية عبارة: {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } للدلالة على أن الموالاة المنهي عنها، هي المولاة التي يترتب عليها الانحياز إلى من يُعادي الإسلام كدين، أو يتخذ من آيات القرآن هزوا ولعبا ليفتن المسلمين في دينهم ويُسيئ إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهنا يكون موضع الموالاة هو موالاة المسلمين بعضهم بعضا؛ لإجهاض الاعتداء على مقدساتهم وللسعي لنصرة دينهم بشتى الوسائل المتاحة والمناسبة للحالة إنفاذا للمواثيق الدولية ، ومراعاة لمقتضيات الحال فلا يكون البراء والعداء شاملا غير المعتدين ، وإنما يبقى الولاء للمسالمين من غير المسلمين .

ثالثا : عندما تصبح الحرب مفروضة على المسلمين في أي زمان ومكان فإن ردَّ الاعتداء بالمثل شريعة مقرّرة قال تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [16]، وهذا ما يتفق مع المواثيق الدولية ، على أن يلتزم المسلمون بأخلاقيات الإسلام في الحرب ، وهي حرمة الاعتداء على المدنيين  والنساء والأطفال ، وذلك أن الإسلام قد نهى عن أخذ الإنسان بذنب غيره ، وقرر أنه {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [17]، وأرشدنا إذا صارت الحرب بين المسلمين وبين غيرهم أمر واقع أن نُجنِّب المدنيين وجميع من يبتغي طلب الرزق شرور الحروب وويلاتها ، جاء في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم لقائده على جيشه خالد بن الوليد «قُلْ لِخَالِدٍ لَا يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» . [18]. وعند مصنف ابن أبي شيبة : " نَهَانَا أَنْ نَقْتُلَ الْعُسَفَاءَ وَالْوُصَفَاءَ " [19] ، والعسيف : هُوَ الْأَجِير . [20]والوصفاء : هم الخدم الذين لا يحملون السلاح ولا يقاتلون مع العدوّ [21] ، والنهي عن قتل هؤلاء ؛ لأنهم لم يخرجوا لطلب العدوان ، وإنما لطلب الرزق لأولادهم ومن يعولولون .

كما يحرم الاعتداء على النساء والأطفال  ، ففي صحيح البخاري : أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْتُولَةً، «فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَان . [22]

كما يحرم الاعتداء على أماكن العبادة ، قال أبو بكر الصديق لقائد جيشه «إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ. فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ " [23]  .

وكذلك يحرم الاعتداء على المنافع العامة وتخريب الممتلكات : جاء في وصية أبي بكر رضي الله عنه : لَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخُرِبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تَحْرِقَنَّ نَخْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ " [24]فعلى هذه المُثُل الأخلاقية ، وبهذه المبادئ العادلة قامت دولة الإسلام حضارة وبناء واحترام للإنسانية ، لا بالقتل والتدمير والتخريب والعنف .

 

 

[1] [البقرة: 257]

[2] [الأنفال: 75].

[3] صحيح البخاري (4/ 180)

[4] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3865)

[5] لسان العرب (15/ 407)

[6] [الأنفال: 72]

[7] القراءات وأثرها في علوم العربية (1/ 166)

[8] [الممتحنة: 8]

[9] [الممتحنة: 9]

 

[10] سيرة ابن هشام  (1/ 503)

[11] [التوبة: 4]

[12] [المائدة:57]

[13] [الممتحنة9 ].

[14] [البقرة: 285]

[15] سنن أبي داود (3/ 290)

 

[16] [البقرة: 194]

[17] [الأنعام: 164]

[18] سنن أبي داود (3/ 53)

[19] مصنف ابن أبي شيبة (6/ 482)

[20] فتح الباري لابن حجر (1/ 156)

[21] مختار الصحاح (ص: 340)

[22] صحيح البخاري (4/ 61)

[23] موطأ مالك (2/ 448)

[24] السنن الصغير للبيهقي (3/ 387)

طباعة
كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.