الفضاء الإلكتروني أحد مصادر تمويل اليمين المتطرف "أستراليا أنموذجًا"
/ الأبواب: اليمين المتطرف

الفضاء الإلكتروني أحد مصادر تمويل اليمين المتطرف "أستراليا أنموذجًا"


     نجحت التنظيمات الإرهابية بمختلف مرجعياتها وأيديولوجياتها على مدار العقد الأخير في استغلال الشبكة العنكبوتية أيما استغلال، فوصل الأمر إلى أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزّأ من الأدوات المُستخدَمة في نشر الأفكار والأيديولوجيات المتطرفة، ويعود اعتماد تلك التنظيمات على الشبكات العنكبوتية، لا سيما مواقع التواصل وبالتحديد التطبيقات المشفرة، لضمان سريَّتها بلا شك، فضلًا عن قِلَّة تكلفتها وسهولة التواصل بين المتطرفين من خلالها، الأمر الذي يجعلنا نسلط الضوء في ثنايا هذا المقال على تلك الظاهرة لاحتوائها على كثير من المخاطر نظرا لانتشار الفضاء الإلكتروني داخل المجتمعات الإنسانية.

ولم يقتصر الدور الذي اضطلعت به هذه المنصات الإلكترونية على التواصل بين المتطرفين فحسب، بل إنها أصبحت مصدرًا أساسيًّا من مصادر تمويل التنظيمات المتطرفة، ما يُدلِّل على أن هذه التنظيمات تستغل التطوُّر التكنولوجي من أجل تحقيق أهدافها وأغراضها التي تتمثَّل في الترويج لأفكار مغلوطة ومحاولة تجنيد مزيد من المؤيدين لها بين صفوفها من أجل ضمان استمرار أيديولوجيتها، بل وربما من أجل تنفيذ هجمات إرهابية إذا اقتضت الحاجة، لبثِّ الرعب في قلوب معارضي أفكارها المتطرفة. ولم تكن الحركات اليمينية المتطرفة في أستراليا بمنأى عن ذلك الاتجاه؛ إذ استغلت تلك الحركات الفضاء الإلكتروني من أجل جني الأموال وخلْق مصدر تمويل جديد مُتمثِّل في العُمُلات المُشفَّرة.

          وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى قد اتخذت مزيدًا من السياسات التي تهدف إلى مضاعفة الرقابة المفروضة على المحتوى الذي تنشره الحركات والجماعات اليمينية المتطرفة في أستراليا، فإن تلك الحركات قد لجأت إلى منصات بديلة لنشر المحتوى الخاص بها، ما أدى إلى زيادة المخاوف المتعلقة بتنوُّع الآليات التي تستخدمها هذه الحركات في جمع الأموال.

وتأتي تلك المخاوف في ظل تصريح مسؤولي جهاز الأمن والاستخبارات الأسترالي في وقتٍ سابقٍ من أن الحالات المتعلقة باليمين المتطرف تُمثِّل ما يصل إلى 40% من حالات مكافحة التطرف التي يتصدى لها الجهاز.

وكان مركز السياسة السيبرانية الدولية التابع للجهاز قد خلص إلى أن تسع قنوات أسترالية تشارك محتوى يميني متطرف عبر تطبيق تليجرام استخدمت ما لا يقل عن (٢٢) منصة تمويلية، بما فيها أدوات تداول النقود والعملات المُشفَّرة، من أجل طلب الحصول على التمويل خلال المدة التي تمتد من مطلع يناير 2021م إلى 15 يوليو 2021م. واعتمد تقرير "شراء التطرف وبيعه: فرص تمويل جديدة في المجتمع اليميني المتطرف عبر الإنترنت" الصادر عن جهاز الأمن والاستخبارات الأسترالي في أغسطس 2021م على هذه البيانات في تحليله للجهود التي يبذلها اليمين المتطرف في أستراليا من أجل جمع الأموال عبر الإنترنت. وكشف التقرير أن المنصات التي استُخدِمَت لهذا الغرض تضمَّنت عِدَّة مواقع تُقدِّم خدمات البث المباشر عبر الإنترنت مثل موقعي " DLive- Entropy" اللذين يُمثِّلان أهمية شديدة في الجهود الرامية إلى خلق جمهور مُستقبِل للمحتوى اليميني المتطرف، بالإضافة إلى بعض المنصات التي توفر وسيلة لجمع التبرعات أو عمليات الدفع الصغيرة نقدًا أو من خلال العملات المُشفَّرة. كما روَّجت بعض المواقع، مثل Patreon وBuy Me a Coffe، لعمليات جمع الأموال.

ورغم أن عمليات جمع التبرعات لصالح الحركات اليمينية المتطرفة على صعيد عالمي لا تُعد ظاهرة جديدة، فإنها أصبحت ظاهرة مُعقَّدة. وعلى الرغم من سنِّ قوانين داخلية في أستراليا، فضلًا عن انخراط هذا البلد في فِرَق العمل المعنية بالتصدي لتمويل الإرهاب، فإنه لا تزال هناك ثغرة كبيرة في المعرفة المتعلقة بالعمليات المالية التي تجريها التنظيمات التي تدعم الإرهاب المُستلهَم من الفكر اليميني المتطرف أو الجماعات التي تدعم إنشاء محتوى قد يحض على العنف.

جدير بالذكر أن الإدارة التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة قد أشارت إلى أن الأموال غالبًا ما تُجمَع من أجل تمويل بيئة يعيش فيها أشخاص يطمحون إلى ممارسة مزيد من العنف من خلال التسويق والتبرعات.

وفي الوقت ذاته، خضعت العلاقة بين المواد التي ينشرها اليمين المتطرف عبر الإنترنت والتمويل والإرهاب لتدقيق شديد بعد شنِّ هجوم كرايستشيرش الإرهابي الذي وقع على مسجدين في ١٥ مارس ٢٠١٩م؛ فعلى الرغم من عدم حصول برنتون تارانت، مُنفِّذ الهجوم، على تمويل يساعده في شنِّ هجومه، فإن التقرير الرسمي الصادر عن "اللجنة الملكية المعنية بالتحقيق في سوء الرعاية" خلـص إلى أنه قدَّم ما لا يقل عن "14 تبرعًا إلى تنظيمات يمينية متطرفة وتنظيمات وأفراد مناهضين للهجرة"، وكشف التقرير أيضًا أن اطِّلاع "تارانت" على المحتوى اليميني المتطرف ربما يكون قد ساهم في تنفيذ هجومه، فضلًا عن أن التبرعات التي قدمها شكَّلت جزءًا من تفاعله مع ذلك المحتوى.

وعلى صعيد آخر، قد تدفع عملية الحصول على التمويل عبر الإنترنت بعض الأشخاص إلى إنشاء محتوى يميني متطرف طمعًا في جمع الأموال وجذب الانتباه فقط بعيدًا عن الالتزام الأيديولوجي بالفكر اليميني المتطرف، وبالتالي ثَّمة صعوبة بالغة في التفرقة بين الأضرار الاجتماعية التي يتسبب فيها أشخاص مُتشرِّبون بالفكر اليميني المتطرف وأولئك الذين يَنْصَبُّ تركيزهم على استغلال إحدى فرص الحصول على تمويل أو جمع التبرعات بكل بساطة، ما يضع مزيدًا من الأعباء على كاهل السلطات المعنية في أستراليا.

وختامًا، ربما نجد أنه من الضروري أن ننوِّه إلى أن الأشخاص الذين يشاركون موادَّ يمينيةً متطرفةً عبر الإنترنت في أستراليا يمكن أن يستغلوا تطوُّر آليات الحصول على التمويل، ومن ثمَّ يجب اتخاذ مزيدٍ من السياسات واتباع البرامج التي تهدف إلى التصدي لدوافع التطرف اليميني من أجل القضاء على المحتوى اليميني المنشور عبر الإنترنت، وإجراء أبحاث ينصبُّ تركيزها على النظر في كيفية انتشال الأشخاص من براثن الحركات اليمينية المتطرفة.

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تنظر سلطات إنفاذ القانون وغيرها من الأجهزة الاستخباراتية وصُنَّاع السياسة والمجتمع المدني في المُحفِّزات المالية التي قد تسهم في نمو هذه الحركات وبسط نفوذها، كما ينبغي التركيز أيضًا على المراجعة الدورية لشفافية سياسات المواقع الإلكترونية المتعلقة بالإشراف على المحتوى المتطرف؛ من خلال الخوارزميات التي ترصد تلك المحتويات بسهولة.

وكان مرصد الأزهر قد أعدَّ دراسة بعنوان "اليمين المتطرف ودوره في إذكاء خطاب الكراهية"، فنَّد فيها المزاعم التي تسوقها التنظيمات اليمينية المتطرفة والاستراتيجيات التي تتبعها من أجل ضخ دماء جديدة من الكوادر الشبابية في صفوفها.

وحدة الرصد باللغة الإنجليزية

الموضوع السابق اليمين المتطرف ودوره في إذكاء خطاب الكراهية ضد المسلمين في إسبانيا
الموضوع التالي مخاطر تكتلات اليمين المتطرف في أوروبا
طباعة
715

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.