الجماعات المتطرفة

 

01 مارس, 2017

أرقام ومعلومات عن المعتقلين من داعش في إسبانيا

  1. مقدمة

 

في عالمٍ يُصبح ويمسي على قتلى هنا وتفجيرات هناك، وأصبحت قضية الإرهاب تحتل فيه مساحة كبيرة، لم تعد هناك دولة بعيدة عن هذا الخطر؛ وقد وصلت الهجمات الإرهابية إلى قلب أوروبا وأمريكا وتحدّت الأجهزة الأمنية في العديد من عواصم العالم. وقد أدرك الجميع أن مواجهة التطرف والإرهاب لا تقتصر على الجهود الأمنية فحسب، بل لا بُد من الوصول إلى سُبل أخرى للمكافحة على المستويات الثقافية والاجتماعية وغير ذلك. لذا، لا بُد من دراسة مدى انتشار هذه الظاهرة البغيضة وتأثيراتها. رُبما دعت هذه الأسباب وغيرها القائمين على معهد "إلكانو" في إسبانيا لأن يصدروا تقريراً شاملاً عن المعتقلين في إسبانيا، تُستخلص منه النتائج التي قد تفيد السلطات كما تفيد الباحثين في العلوم الاجتماعية وكذلك المواطنين، في فهم أسباب الوقوع في براثن التنظيمات المتطرفة وتجنب محاولات الاستقطاب المستمرة من قِبَل الجماعات الإرهابية.

وانطلاقاً من ذلك، تُصدر وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر هذه الدراسة استناداً على تقرير معهد "إلكانو" الإسباني، وهو مركز بحثي ملكي يُعنى بدراسة وتحليل السياسة الخارجية لإسبانيا والسياسة الدولية والإرهاب الدولي، وكذلك الموضوعات المتعلقة بالطاقة والبيئة والاقتصاد الأوروبي والدولي، وقد أُنشئ سنة 2001 بمدريد. يعتمد هذا المعهد على معلومات وبيانات موثّقة من وزارة الداخلية ومن جهات قضائية وخبراء شرطيين إلى جانب مصادر صحفية. تناول هذا التقرير تنظيم داعش وكذلك معلومات وبيانات عن المعتقلين في إسبانيا في الفترة من يونيو 2013 وحتى مايو 2016.

 

  1. قراءة في تقرير معهد "إلكانو"

 

أشار التقرير في مطلعه إلى أن إسبانيا ليست إحدى الدول الأوروبية الأكثر تأثراً بتنظيم داعش الإرهابي، وأن الشعب الإسباني لا يدخل تحت قائمة الشعوب الأكثر تخوفاً من الإرهاب؛ لكن إسبانيا، في الوقت ذاته، ليست بمنأى عن التحركات المتطرفة. ومن الملاحظ من خلال عمل المرصد أن إسبانيا تعد من أقل الدول عدداً من حيث المنضمين ومن حيث المعتقلين بتهمة الانضمام لتنظيم داعش الإرهابي؛ حيث بلغت أعداد المنضمين إلى داعش 160 شخصاً وذلك حتى إبريل 2016، وهذا العدد كافٍ من المنظور الأمني للتحذير من مخاطر الإرهاب. لذلك تقوم  السلطات بالعديد من الحملات الأمنية المتوالية للتقليل من مخاطر الإرهاب، بل إنها تعد إحدى الدول الأوروبية الرائدة في مجال مواجهة الإرهاب ومكافحة التطرف. وقد عكف تقرير معهد "إلكانو" على دراسة طبيعة وسمات المعتقلين وأحوالهم وظروفهم المعيشية، ولوحظ من خلاله أن تجنيد الشباب في إسبانيا يتم بعدة طرق، منها الإليكتروني ومنها الميداني، كما أن التطرف يظهر بصورةٍ أكبر في أبناء الجيل الثاني من المهاجرين.

 

 

أما عن أهم السمات الشخصية للمعتقلين بسبب الانضمام لداعش، فمعظمهم من الشباب ذوي معرفة سطحية بالإسلام وذوي تعليمٍ متوسطٍ، وليس معنى هذا أنه لا يوجد بينهم ذوي مؤهلات جامعية. وهذا يدل على أن تبني الفكر المتطرف لا علاقة له بمستوى تعليم مُعين وإنما له علاقة بالوعي والمعرفة بالإسلام الصحيح البعيد كل البعد عن التطرف ومعاداة الآخر. من ناحية أخرى يعكس التقرير أن عدداً كبيراً من هؤلاء المعتقلين مدانون بأحكام في جرائم أخرى، وهذا يلفت النظر إلى مخاطر استقطاب الشباب داخل السجون وأهمية التأهيل النفسي لهم بدلاً من السقوط في براثن التطرف، ولا سيّما أن استعداد هؤلاء لارتكاب الجرائم كبير، كما أن العديد منهم قد يرون في الانضمام للجماعات المتطرفة تكفيراً عن جرائمهم السابقة مثل السرقة وغيرها. وفيما يخص السمات العامة للمنضمين إلى داعش من إسبانيا، فإن 44.6% منهم كانوا مدانين في جرائم أخرى مثل السرقة وغيرها، ومعظمهم لديه معرفة سطحية عن الإسلام، وأن 60% منهم يحملون الجنسية الإسبانية، و40% فقط يقيمون في إسبانيا، وأن نسبة عالية منهم يحملون الجنسية الإسبانية من الجيل الثاني من المهاجرين ومن سكان مدينة "سبتة"، وذلك طبقاً للتقرير.

 

 

يخطئ من يظن أن تنظيم داعش يستقطب الشباب والرجال فقط للقتال بين صفوفه، بل إن هناك عدداً من النساء أيضا تغريهن أحلامهن بالانضمام لهذا التنظيم المتطرف تحت دوافع وهمية مختلفة، منها على سبيل المثال الزواج بنموذج المحارب البطل. ويمكننا النظر بدقة في بعض نتائج التقرير التالية:

  • 83.1% من المعتقلين من الرجال، متوسط أعمارهم 31 سنة ونصف، فأصغرهم يبلغ 16 عاماً وأكبرهم 58.
  • هناك حملات منظمة لاستقطاب النساء.
  • 16.9% من المعتقلين من النساء، ومتوسط أعمارهن 22 عاماً ونصف، حيث أن أصغرهن تبلغ 14 سنة، وأكبرهن 42.
  • انضمام النساء من الأهمية بمكان لدى المتطرفين لدعم المقاتلين كزوجات وأمهات فيما يطلقون عليه "الجهاد بلا قتال".
  • 66.7% ممن انضموا متزوجون، وأحياناً تنضم الزوجات باختيارهن أو رغماً عنهن بناءً على رغبة الزوج وحده.

ربما يكون السبب في قلة عدد النساء عن الرجال في صفوف التنظيم أن هناك بعض الأصوات تدعو إلى حظر مشاركة النساء في الأعمال القتالية؛ لأن القتال أمر خاص بالرجال، إلا أن دور النساء مهم بالنسبة للمقاتلين حيث يستغل التنظيم المرأة في الأعمال المنزلية وفي التسرية عن المقاتلين وفي الزواج من المحاربين لإنجاب جيلٍ جديدٍ يحمل هذا الفكر المتطرف. ومن الغريب أنه حتى من لديهن أطفالاً، فلا يمثل ذلك عائقاً أمام انضمامهن للتنظيم أو السفر إلى سوريا والعراق، فالأمهات اللاتي يرغبن في السفر للانضمام إلى داعش يتأرجحن بين القسوة والتهور؛ فإما أن تصل بهن القسوة إلى حد ترك أطفالهن والسفر دونهم، أو أن يصل بهن التهور إلى اصطحاب أطفالهن في السفر والمجازفة للقتال في صفوف التنظيم الإرهابي. وقد ذكر التقرير بعض الأمثلة الواقعية على ذلك، منها رجل مغربي وزوجته الإسبانية يقيمان في مدينة "مليلية"، اعتُقلا في تركيا وقد تركا بلدهما وطفليهما الذي لم يكمل من العمر عاماً ونصف! وامرأة أخرى من برشلونة قُبض عليها قرب حدود سوريا مصطحبة طفلها ذي الثلاث سنوات!

 

 

أما عن جنسيات المعتقلين في إسبانيا ومحل ميلادهم وما إذا كانوا إسبانيي الأصل أم لا، وبالنظر كذلك إلى عملية التجنيد إن كانت تتم داخل إسبانيا، فمن الملاحظ أن برشلونة هي المقاطعة الأبرز كمحل للنشاط المتطرف. ويمكن توضيح توزيع المعتقلين على خريطة المدن الإسبانية في النقاط التالية:

  • 45.3% إسبان، 41.1% مغاربة، والباقي جنسيات أخرى.
  • 73.8 تم تجنيده داخل الأراضي الإسبانية، والباقي خارجها، غالباً في المغرب وفرنسا.
  • 60% من الإسبان وُلدوا في مدينة "سبتة" -والتي عدّها التقرير إحدى البؤر المتطرفة-، 27.3% في مدينة "مليلية"، 9.1% من إقليم قطلونية.
  • 80% من المعتقلين من أبناء الجيل الثاني للمهاجرين المقيمين في إسبانيا وُلدوا فيها، و82% منهم حاصلون على الجنسية الإسبانية.

 

 

لدراسة الطبيعة النفسية لهؤلاء المنضمين إلى داعش وتتبع عملية الاستقطاب التي وقعوا فيها، لا بُد من معرفة مستوى التعليم الذي حصلوا عليه ونتائج ذلك. وقد ألمح التقرير إلى النقطة بالفعل حيث ورد فيه أن:

Image

وهذا يدل على أن التطرف والانضمام لجماعات إرهابية لا يتوقف على مستوى التعليم، فمعظمهم حاصلون على التعليم الثانوي، وهناك نسبة منهم في المرحلة الجامعية أو أنهوها، ومنهم معلمين وإداريين، وإنما يلعب الميل إلى التطرف بجانب بعض الأسباب النفسية والأفكار الدينية المغلوطة الدور الأكبر في تبني هؤلاء للأفكار المتطرفة والانضمام للتنظيمات الإرهابية. وهذا ما سيتضح لنا من خلال تحليل الدوافع الوهمية للانضمام إلى الجماعات المتطرفة والذي سنذكره لاحقا.

 

  • قنوات التجنيد

 

يسعى تنظيم داعش إلى استقطاب المزيد من التابعين والمقاتلين إلى صفوفه مستخدماً في ذلك طرقا شتى وأساليب متعددة. ولا شك أن استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي يعتبر قناة أساسية لنشر أفكار التنظيم المتطرفة وللوصول إلى العدد الأكبر من المتابعين ولزيادة أعداد مناصريه؛ إلا أن ذلك ليس الطريق الوحيد، فيحاول التنظيم مد أذرعه واستقطاب الشباب ميدانياً في المساجد والسجون وغيرها. الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من المعتقلين منذ 2013 لم يكونوا فرادى (19.7%)؛ وإنما كانوا ضمن رُفقة أو ممن لديهم علاقات داخل التنظيم (80.3%). ومن هنا نستطيع القول بأن عملية التجنيد تنقسم إلى قسمين، أحدهما إليكتروني (Online) والآخر ميداني (Offline):

Image

  • تجنيد  Onlineو  offline(52.7%)

من الملاحظ في إسبانيا أن التجنيد عبر الإنترنت أهم من التجنيد الميداني؛ حيث يتم التجنيد بصورة ذاتية لا تحتاج إلى أشخاص ينفذون مهاماً خاصة، بما يبرز مخاطر الذئاب المنفردة، وهناك العديد من حالات التجنيد تمت عبر الوسائل الإليكترونية وغير الإليكترونية في نفس الوقت.

نسبة عمليات التجنيد التي تمت عبر الإنترنت أو التجنيد الإليكتروني فهو بنسبة 18.4% فقط، تحتل مواقع التواصل الاجتماعي منها 61.1%؛ من بينها الأكثر تأثيراً "فيس بوك" بنسبة 90%، يليه "يوتيوب" 34.4%، ثم "تويتر" بنسبة 28.1%، بينما تحتل تطبيقات الرسائل القصيرة 18.5%.

-تجنيد offline (28.9%)

أما التجنيد الذي يتم عبر وسائل غير إليكترونية أو ما يطلق عليه "التجنيد الميداني" فهناك سببان رئيسيان يساهمان في تقبل شخص ما لأيديولوجية داعش أو رفضها. الأول هو عن طريق التواصل المباشر مع عميل لداعش، فالتعامل المباشر مع أحد الموالين لداعش مؤثر جداً، أما الثاني فيتمثل في الصلات والروابط الاجتماعية، من خلال جار أو صديق أو قريب يقوم على تسهيل عملية التجنيد. ويحتل التجنيد الميداني 28.9% وتتوزع هذه النسبة على عدة قنوات منها السكن والمساجد والسجون وغيرها، بحيث يحتل التجنيد عبر:

  • السكن الخاص النسبة الأكبر: 73.3%.
  • ثم المساجد بنسبة 53.3%.
  • ثم الأماكن العامة بنسبة 26.7%.
  • تليها السجون بنسبة 6.7%.
  • وأخيرا أماكن التعليم بنسبة 3.3%.

 

 

تتنوع دوافع الانضمام لداعش إلى عدة أنواع نذكرها فيما يلي، وتمثل الدوافع الأيديولوجية-النفعية منها الجانب الأكثر؛ حيث يقتنع هؤلاء بفكرة "الجهاد"؛ إذ يرون في ذلك مصلحة لهم ولدينهم ولمجتمعهم. ويندرج تحت هذه الأيديولوجية النوع الأول من أسباب الانضمام لداعش وهي الدوافع الدينية.

  1. دوافع دينية

 يسيطر على من تُحركهم أسبابٌ دينية نحو الانضمام لداعش قناعتهم بمفاهيم دينية فسروها بصورة مغلوطة ولم يسمحوا لعقولهم أن تفكر في تصحيحها أو الرجوع لصحيح الإسلام. وأهم هذه المفاهيم: الخلافة، التكفير، السلفية الجهادية، ولاء للدولة الإسلامية، الشهادة ونيل الجنة- المغفرة وتكفير الذنوب بمجرد المشاركة في القتال ولو لم ينالوا الشهادة. جدير بالذكر أن مرصد الأزهر باللغات الأجنبية يولي أهمية قصوى لنشر المفاهيم الصحيحة لهذه المصطلحات ويجتهد في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي تروج لها تلك الجماعات المتطرفة، وقد أطلق عدة حملات تعالج هذا الصدد. كذلك يتبين أن معظم المنضمين إلى داعش ليسوا على دراية بالإسلام الصحيح كما أن معرفتهم بالإسلام تعتبر بدائية، حيث ورد في التقرير أن 68.1% من المعتقلين مسلمين من أصول مسلمة، و13.9% منهم حديثو العهد بالإسلام. فهؤلاء يحملون فكرة الجهاد ضد غير المسلمين كما أنهم يحملون الكراهية للمسلمين الذين يرضون بحكمٍ غير حكم الشريعة الإسلامية، أو لا يتبعون منهج السلفية الجهادية، بل ويعتبرونهم كفارا كما يكفِّرون الصوفيين والشيعة أيضاً. وعلى سبيل المثال كان من بين المعتقلين رجلٌ مغربيٌ يعيش في مدريد، يقول متحدثاً عن مجموعة من الصوفيين اعتادوا الاجتماع في أحد الأماكن بمدريد للتأمل: "أود لو رميتهم بالحجارة، أو أدخل عليهم بالعصا بل بالسيف لأُسيل هناك الدماء". ويقول آخر: "بدأتْ علامات يوم القيامة في الظهور. وهذا جيد بالنسبة لنا لأنه يعني العودة قريباً لأمجاد الإسلام السابقة. وهناك نموذج آخر ذكره التقرير يوضح طريقة تفكيرهم، حيث أورد أن امرأة مغربية تعيش في إسبانيا برفقة زوجها المهاجر المغربي تحت ظروفٍ ماديةٍ صعبة، انجذبت عاطفياً إلى أحد مقاتلي داعش عبر الإنترنت، ثم حاولت السفر إلى سوريا، مصطحبة ابنها.

  1. دوافع مادية

الدوافع المادية تعني رغبة هؤلاء في الحصول على مرتبات عالية ومكافئات وتحقيق حلم الزواج والسكن والحياة الرغدة. يذكر أن ثلثي المنضمين الذين أجريت عليهم الدراسة لم يكن لهم دخل اقتصادي ثابت أو كانوا يعانون من البطالة، والثلث الآخر طلاب؛ بينما كان حوالي 9% فقط ممن لهم وظائف ثابتة.

  1. دوافع وجدانية-عاطفية

تُحرك هؤلاء عاطفتهم المليئة بالكراهية تجاه كل مخالف لهم، ويعد الكره سببا رئيسيا للقتال ضمن صفوف تنظيم داعش، حيث تحركهم الكراهية ليس فقط للغرب الكافر ولكن لكل من لا يؤمن بنفس مبادئهم ولكل من لا يتبنى فكرهم، حتى ولو من المسلمين. هذه الكراهية متأصلة، لكنهاً تختلط غالبا مع دوافع أخرى فردية.

  1. أسباب وجودية

هناك أيضاً من يضمون بسبب معاناتهم من مشكلات وجودية كالهوية والتهميش، ويعتبر الانضمام لداعش بالنسبة لهم هو الخيار الوحيد. فهناك أسباب وجودية كالشعور بالضياع أو معايشة أزمة الهوية، سواء بصورة فردية أو جماعية، خاصةً لمن وُلدوا في إسبانيا من أبناء المهاجرين أو من حديثي العهد بالإسلام من الإسبان الذين يجدون أنفسهم يعيشون بين "الكفار والفاسقين"، وذلك على حد أيديولوجيتهم. فتنظيم داعش يقدم لهؤلاء الحل الأمثل؛ حيث يرونه يعمل على إثبات الهوية الإسلامية وتأكيدها بالقوة والعنف، بما يؤكد في أذهانهم أن الإسلام دين القوة والعزة. كما أنهم يعتقدون أنهم بذلك يهاجرون إلى مجتمع يحكم بالشريعة الإسلامية؛ ومنهم من كان يلقى في بلاده معاملة لا ترضيه، أو يعاني من مشكلة ما، فيجد في الانضمام لداعش مخرجاً. كتب أحدهم: "وصلت لمرحلة يا صديقي يستوي عندي فيها الموت والحياة؛ بل أُفضّلُ الموت وأكره الحياة"، كان هذا الشخص قبل تجنيده قد انعزل اجتماعياً بعد انفصاله عن محبوبته وفقدانه عمله. ومن الملاحظ أن الدوافع الأيديولوجية- الدينية لها تأثير أكبر من الدوافع المادية أو العاطفية أو الوجودية.

 

 

إبان إعلان داعش ما يُسمى بدولة الخلافة، سافر عدد كبير من المنضمين لهذا التنظيم الإرهابي إلى سوريا والعراق. ومما تجدر الإشارة إليه أن 30% من المنضمين إلى داعش كانوا يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية داخل إسبانيا. هذا وقد ازدادت سرعة وتيرة انضمام المقاتلين من إسبانيا منذ 2013، وكانت أعدادهم على النحو التالي:

Image

  • 20 متطرفا في نهاية 2013
  • 50 متطرفا في منتصف 2014
  • 116 متطرفا في منتصف 2015
  • 140 متطرفا في نهاية 2015
  • 160 متطرفا في أبريل 2016
 

 

أما عن وضع هؤلاء المنضمين، فإن 129 لا يزالون في سوريا والعراق، بينما لقي 29 منهم حتفه، وعادة 20 إلى بلادهم. وكما أوضح التقرير، فإن الإرهاب هو الخطر الأكبر على إسبانيا حالياً، وهذا الخطر يزداد بسبب الدعاية الجهادية المكثفة، كما أنه لابد من الأخذ في الاعتبار تأثير بعض المهاجرين من المغرب ممن يحملون أفكارا متشددة. وتتفهم السلطات هذا الخطر الأمني. ولذا كان من الآليات التي اتخذتها إسبانيا لمكافحة التطرف: "الاستراتيجية المتكاملة لمحاربة الإرهاب الدولي والتطرف" وكذلك "اتفاقية توحيد الصف للدفاع عن الحريات ومكافحة الإرهاب" والمعروفة باسم "اتفاقية مكافحة التطرف". كذلك قامت السلطات بالعديد من الحملات الأمنية واعتقلت العديد من العناصر المنضمة لداعش، حيث انتقل حوالي 65% منهم إلى أراضي الصراع أو حاولوا السفر، إلا أن معظمهم اعتُقل أثناء محاولته السفر أو الإعداد له، وقد جاء في التقرير تفصيل لتوقيت الاعتقال على هذا النحو: 38.5% منهم قبض عليهم في مرحلة الإعداد للسفر، بينما كان هناك 18.5% اعتقلوا خلال رحلة السفر، أما 9.2% فقد اعتُقلوا في طريق العودة للبلاد.

 

 

بعد الانضمام لتنظيم داعش، تبدأ توزيع المهام داخلياً، حيث يقوم كلٌ بدورٍ يوكل إليه. المهمة الأولى التي يشاركون فيها جميعا هي التجنيد ونشر الفكر المتطرف، ثم تعمل نسبة كبيرة منهم على إرسال المقاتلين إلى أراضي الصراع. وتتولى نسبة أقل مهمة التمويل، يليها من يقومون على نشر الدعاية الجهادية، والنسبة الأقل تتولى تنفيذ العمليات الإرهابية.

Image

 

بعد دراسة وتحليل تقرير معهد "إلكانو" عن داعش في إسبانيا، يتبين أن معظم المنضمين من الشباب. ولا شك أن الشباب هم عماد أي مجتمع ومكمن طاقته، فالشباب هو الذي يمكنه أن ينشر الإرهاب والتطرف، وهو كذلك من يستطيع أن يتحرك نحو النهضة والرقي. لكننا لا يمكن أن نغفل أن الاقتناع بهذا الفكر المتطرف -مع دوافع أخرى مادية ونفسية- قد حمل الكثرين للانضمام إلى تنظيم داعش، بل لم تمنع عاطفة الأمومة بعض النساء من السفر إلى أراضي الصراع، مصطحبة طفلها أو تاركة إياه وحيداً، سعيا وراء "الشقاء والموت". ومما يمكن استنتاجه من التقرير أن معرفة معظم المنضمين لداعش بالإسلام إما بدائية أو مغلوطة، وهؤلاء بحاجة ماسة إلى من يصحح لهم هذا الفهم المنحرف ويصحح لهم حقيقة هذه المفاهيم المغلوطة. وليس هذا في إسبانيا وحدها، فمن الجدير بالذكر أن جريدة "الإندبندنت" البريطانية استعرضت عدداً من الوثائق المسربة لتنظيم داعش أغسطس الماضي أظهرت أن حوالي 70% من المجندين في داعش لديهم معرفة سطحية ومحدودة عن الإسلام، و24% معرفتهم متوسطة، بينما 5% فقط معرفتهم بالإسلام في درجة متقدمة. ويؤكد هذا أنه كلما كانت معرفة الشخص بالإسلام ضعيفة كان من السهل تجنيده ضمن صفوف التنظيمات المتطرفة. وهذا يعكس مدى أهمية تدريس التربية الدينية الإسلامية في المدارس منذ مرحلة التعليم الابتدائي والذي يطالب به المسلمون في إسبانيا، إذ أن تنشئة الأجيال الجديدة على صحيح الدين جانب أساسي من تحصينهم ضد الفكر المتطرف.

من ناحية أخرى، ينجذب البعض للانضمام لداعش بسبب ما يعانونه من مشكلات الهوية والتهميش أو من وصل بهم اليأس إلى كراهية الحياة فآثروا الموت في صفوف التنظيم، وهؤلاء يحتاجون بجانب الوعي الديني السليم الاندماج في مجتمعهم الذين يعيشون فيه، وكذلك وعي المجتمع ذاته بالتعايش مع الآخر دون أية تفرقة على أساس ديني أو عرقي. لا يفوتنا أن نشير إلى ضرورة إعادة تأهيل المعتقلين والسعي لتنظيم لقاءات دورية بينهم وبين رجال الدين والأئمة ممن يحملون الفكر الإسلامي الصحيح البعيد عن العنف والتطرف والعمل على توفير الآليات التي تضمن تحقيق ذلك الهدف. وختاماً فقد بات واضحاً أن مكافحة الإرهاب لا تقتصر على المواجهة الأمنية، بل لا بُد، كما أشرنا، من بذل الجهود على المستويات الدينية والتعليمية والاجتماعية والتوعوية ونشر ثقافة التعايش بين الجميع. ومما يوصى به، إيفاد معلمين ووعاظ وأئمة إلى إسبانيا من خريجي الأزهر الشريف، ممن يجمعون بين الفكر الإسلامي الوسطي وبين إتقان اللغة الإسبانية، لاستثمار معارفهم في توعية المسلمين هناك في المدارس والمساجد والسجون، خاصة المسلمين الجدد، وبث تعاليم الدين الحنيف الذي يدعو إلى الإحسان ونشر السلام بين البشر وينهى عن كل سبيل للعنف ومعاداة الآخر.

 

وحدة رصد اللغة الإسبانية