يبدو أن منطقة غرب إفريقيا مقبلة على مرحلة جديدة من الصراع مع التنظيمات المتطرفة، والتي يمكن أن تمتد تداعياتها إلى مناطق أخرى من القارة الإفريقية، بعد تصاعد نشاط جماعة "بوكو حرام" النيجيرية في الفترة الأخيرة وخاصة بعد مبايعتها لتنظيم داعش؛ حيث اتخذت هذه الجماعة من داعش وحشيتها وأضافت إليها ففاقتها من حيث عدد ضحاياها، ففي الوقت الذي أعدمت فيه "داعش" المئات من الأقلية الأيزيدية في الموصل واختطفت آخرين، لم تتورع بوكو حرام عن إحراق قرى مسيحية بأكملها في نيجيريا, حتى المساجد لم تكن بمنأى عن هذه الهجمات البربرية بالإضافة إلى قتل العديد من المواطنين الأبرياء, مما جعلها تتفوق على داعش وحازت على لقب "الجماعة الأكثر دموية في العالم" وهو ما أفاد به تقرير صدر مؤخراً عن مرصد الأزهر الشريف حيث أورد التقرير أن هناك خمس منظمات إرهابية هي الأكثر دموية في العالم، وكان ترتيبها كالتالي بوكو حرام، وداعش، وطالبان، والمقاتلون الفولان، والشباب، كما أوضح التقرير أن جماعة بوكو حرام التي تنشط في الكاميرون وتشاد ونيجيريا هي الجماعة الأكثر دموية في 2014 والمسئولة عن قتل 6.644 شخصاً في عام 2014، والذي يُعتبر زيادة قدرها 317 في المائة عن العام الذي سبقه. وعن أهم جرائم بوكو حارم يقول التقرير إنه في 2014 كان أول هجوم خارج نيجيريا على المناطق الحدودية لتشاد والكاميرون، كما قتلوا 520 شخصا ضمن 46 هجوما بالكاميرون وستة أشخاص في تشاد ثم تضاعفت العمليات ضد البلدان المجاورة في 2015 حيث قتلت 53 على الأقل في سلسلة من الهجمات حتى منتصف العام الجاري. وضاعفت بوكو من هجماتها ثلاثة أضعاف من 35إلى 107 وارتفع عدد القتلى لأربعة عشر ضعفا من 107 أشخاص إلى 1.490 شخصا مقارنة بعام 2013، مشيرا إلى أن المدنيين يمثلون نحو 77% من الضحايا وهم الهدف الرئيس من الهجمات التي ترتكبها الجماعة.
وهنا نطرح سؤالاً: لماذا كانت بوكو حرام الأكثر دموية في العالم؟
تتلخص الإجابة على هذا السؤال في النقاط التالية:
* أن معظم هجمات بوكو حرام تستهدف أماكن مكتظة بالسكان كالأسواق وغيرها, إضافة إلى ذلك أنهم يستهدفون المساجد وخاصة في صلاة الجمعة والفجر مما يتسبب في وقوع العديد من الضحايا.
* أن أسلوب بوكو حرام في أغلب عملياتها يميل إلى استخدام القنابل والعبوات الناسفة والأحزمة الناسفة مما يزيد من أعداد القتلى والجرحى, فضلاً عن تراجع الإمكانيات الطبية في الدول التي تنفذ فيها بوكو حرام عملياتها الأمر الذي قد يكون أحد أسباب تزايد أعداد ضحايا هذه العمليات, حيث تفتقر هذه الدول إلى الإمكانيات الطبية التي تمكنها من إسعاف ما تخلفه هذه الهجمات من ضحايا.
* توسع الجماعة في شن هجماتها لتشمل الكاميرون وتشاد والنيجر إلى جانب نيجيريا وذلك لعدة أسباب منها:
- أن هذه الدول قامت بتشكيل تحالف لمواجهة بوكو حرام, فقامت الحركة بتوسيع هجماتها للرد على هذا التحالف, فقامت الحركة بتقسيم مقاتليها إلى مجموعات صغيرة بهدف تشتيت قوات التحالف وإنهاكها كما استخدموا أسلوب حرب الشوارع, كما أن الطبيعة الجغرافية للدول الإفريقية ساعدت الجماعة على تنفيذ القتال بهذه الطريقة.
- أن الجماعة تعتبر أن هذه الدول دول كافرة ومن ثَم يجب فتحها ونشر الإسلام فيها وتوسيع رقعة دولة الخلافة.
- الحصول على مزيد من الغنائم.
عوامل تصاعد نشاط بوكو حرام:
أثارت جماعة بوكو حرام جدلاً واسعاً داخل نيجيريا وخارجها، ليس فقط بسب أفكارها المتشددة، بل أيضاً بسب عملياتها الضخمة والواسعة، وقدرتها على فرض سيطرتها على العديد من القرى والمناطق رغم
المحاولات المضنية من الجيش النيجيري لتحجيم هذه الجماعة، والقضاء عليها، حتى أصبحت الجماعة تمثل صداعاً مزمناً في رأس الحكومة النيجيرية.
وقد فسرت اتجاهات عديدة نجاح الحركة في استيعاب الضربات المتتالية التي وجهتها الحكومة النيجيرية لقواعدها، ورغم ذلك عادت إلى ممارسة نشاطها بصورة ربما أقوى من السابق، في ضوء عدة اعتبارات،من أهمها:
أولاً: الموجة الجهادية التي انطلقت عقب الثورات العربية.
حيث لعبت دوراً مهما في عودة نشاط "بوكو حرام" إلى الساحة بقوة، لأنها منحت جماعة "بوكو حرام" قبلة الحياة، حيث إن الجماعة كانت في حالة تراجع مستمر أمام ضربات الجيش النيجيري. ولكن مع حالة النشاط الجهادي التي بدأت في شمال إفريقيا، والتي أخذت تداعياتها وارتداداتها تمتد إلى منطقة غرب إفريقيا شجعت هذه الحالة مقاتلي "بوكو حرام" على إعادة ترتيب صفوفهم من جديد، والعودة إلى مزاولة نشاطهم من جديد.
وقد ساعدهم في ذلك تحقيق التنظيمات الجهادية في شمال إفريقيا تقدما كبيراً على الأرض بسيطرتهم على شمال مالي، وإقامة إمارة إسلامية هناك في ذلك التوقيت، وهذا ما أعطى الجماعة دفعة قوية لتكرار التجربة نفسها في نيجيريا.
ثانياً شبكة العلاقات الجهادية:
حيث نجحت جماعة "بوكو حرام" في إقامة شبكة علاقات قوية مع التنظيمات القاعدية في شمال إفريقيا، خاصة مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي من خلال إرسال الجماعة لعدد من مقاتليها للمشاركة في القتال في شمال مالي إلى جانب التنظيم، وهذا ما أسهم في نسج شبكة علاقات بين "التنظيمات القاعدية" وشقيقتها "بوكو حرام"، ساعدت الجماعة في الحصول على التمويل الجيد والسلاح. وتشير بعض المؤشرات في هذا الخصوص إلى أن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" مد الجماعة بكميات من الأسلحة نقلت إليه من ليبيا، عبر دول الجوار، خاصة النيجر وتشاد. إضافة إلى ذلك فقد
بايعت جماعة بوكو حرام مؤخراً تنظيم داعش الإرهابي مما أدى إلى زيادة قدراتها القتالية أكثر من ذي قبل.
وقد أخذت الجماعة على عاتقها شأنها شأن "داعش" مهمة محاربة مؤسسات الدولة الكافرة –من وجهة نظرهم-, وسياساتها الفاسدة، والعمل من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية –المزعومة- على الأرض، أو الموت دون ذلك.
علاوة على ماسبق فإن الفكرة الرئيسية التي تؤمن بها بوكو حرام وأيضا داعش، هي أن دولة الخلافة الإسلامية لابد أن تسود الكرة الأرضية، ويلزم تحقيق هذا الغرض قتل غير المسلمين إذا ما باء إجبارهم على اعتناق الإسلام, وحتى المسلمين الذين يعارضون أسلوبهم الوحشي وهجماتهم البربرية يكون مصيرهم المحتوم هو القتل.
ثالثاً السياسات الحكومية الخاطئة:
لعبت السياسة الخاطئة في منطقة الغرب الإفريقي دوراً مهما في عودة نشاط جماعة بوكو حرام، حيث أدى استخدام الحكومة النيجيرية للعنف المفرط تجاه جماعة بوكو حرام، إلى أن اكتسبت الجماعة تعاطف العديد من الأنصار بسبب عمليات القتل البشعة والخارجة على القانون، والتي ارتكبتها الشرطة النيجيرية بحق بعض أعضاء جماعة بوكو حرام، الأمر الذي رأت فيه بوكو حرام فرصة ذهبية لبسط نفوذها واكتساب شعبية.
رابعاً البعد العرقي:
لعب البعد العرقي دورا كبيرا في تنامي جماعة بوكو حرام، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين، هما الهاوسا في شمال البلاد، وأغلبهم مسلمون، وقبيلة الإيبو، وغالبية أفرادها من المسيحيين، وكثيرا ما تحدث اشتباكات بين القبيلتين.
وفى هذه الأثناء، تطرح جماعة بوكو حرام نفسها كمدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المسيحيين، مما يعطى نوعاً من التعاطف من بسطاء المسلمين تجاه الجماعة. أضف إلى ذلك كله تردى الأوضاع الاقتصادية، وانتشار البطالة والفساد الموجود في النخبة السياسية، وانضمام بعض الشباب إلى جماعة
بوكو حرام. ومما زاد الأمر سوءا استخدام بعض السياسيين الانقسامات العرقية والطائفية سبيلاً للوصول إلى السلطة، وذلك عن طريق إثارة الاضطرابات العرقية والدينية، مما يعطي الفرصة للتيارات الدينية المتطرفة كي تنشط بقوة على أساس أنها تدافع عن دينها وعقيدتها.
المصادر:
* معهد العربية للدراسات * http://studies.alarabiya.net/hot-issues/%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A8%D9%88%D9%83%D9%88-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%A7%D8%B7%D8%B1
* مجلة السياسة الدولية* http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/105/4894/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7/%20%D8%A8%D9%88%D9%83%D9%88-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%85%20-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-.aspx* http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/100/1962/%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B4%D8%A6%D9%88%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9/--%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9%20-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9.aspx