الجماعات المتطرفة

 

09 ديسمبر, 2017

عودةُ فَرَنْسيِّ "داعش" تُحْدِثُ انقسامًا في الأوساطِ الفرنسية

     مما لاشك فيه أن عودة المنضمين لصفوف "داعش" إلى بلدانهم الأصلية تثير قلق تلك البلاد، لما ستواجهه أجهزتُها الأمنية من تحديات كبيرة في المحافظة على استقرارها من خطر هؤلاء الذين تَرَبَّوْا على أيديولوجيات سفك الدماء والسُّخط على المجتمع، الذي ربما كان سببًا وراء انضمامهم لصفوف التنظيمات الإرهابية.

 ولكن مع فقدان تنظيم "داعش" للأراضي التي كان يسيطر عليها، بات يرغب هؤلاء المقاتلون الذين تعهَّدوا بالولاء لتنظيم "داعش" في العودة إلى ديارهم.

 فماذا ينبغي أن تفعله بلدانهم الأصلية إزاء هذه العودة المقلقة؟! لذا باتت قضية مصير الأشخاص الفرنسيين الذين انضموا إلى الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق تُحدِث انقسامًا في الأوساط الفرنسية.

هل ستُفضِّل فرنسا أن يُقتل مواطنوها بداعش في سوريا أو العراق؟

جديرٌ بالذكر؛ أنَّ وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، أكَّدَت أنَّ القضاء على أكبر عدد من مقاتلي "داعش" في "الرَّقَّة" أفضل بكثير لأوروبا.

 كما لخّص بريت ماكغورك، المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي المناهض لداعش، الرأي الأمريكي، حين قال: "إنَّ مهمتنا هي التأكُّد من أن أي مقاتل أجنبي هنا قد انضم إلى "داعش" من بلد أجنبي، سيموت هنا في سوريا".

ويبدو أنَّ الغربَ، وإن كان يأمُل في عودة هؤلاء المقاتلين إليهِ، تنتابُهُ رغبةٌ أخرى في عدمِ عودتِهم إلى ديارهِم وموتِهِم في ميدان المعارك، عن الاضطرار إلى التعامل معهم حال عودتهم للديار الأوروبية. وهكذا سيظلُّ الغربُ بين أملٍ وخوف، وهنا لا بد أن ننوِّهَ على أن سياساتِ السَّجن التي تنتهجها الحكومات الغربية بشكلٍ عامٍّ تُجاهَ المقاتلين العائدين إلى ديارهم، ستؤدّي إلى إرجاء المشكلة بل تفاقمها وتزايُد مخاطرها، إذ تُعتبر السجون غير المؤهلة بيئة خصبة لتنامي العناصر المتطرفة وتجنيدها، وكذلك سياسة إعادة تأهيل المقاتلين العائدين من مناطق الصراع في الشرق الأوسط ودمجهم، والتي أثبتت بمرور الوقت أنه من الصعوبة بمكانٍ تنفيذُها، كما أنه لا مَناصَ مِن أن يبقى البعض منهم متمسكين بشكلٍ من أشكال العنف الذي يشيعه تنظيم داعش وتنظيم القاعدة، ومن المؤكد أن من بين العائدين أيضًا مَن يريد مواصلة القتال، وسيبحث عن سبيل لتنفيذ مخططاته.

هذا، وقد كان لوزير الخارجية الفرنسية "لودريان"، عدّة تصريحات فيما يخص عودة الفرنسيين المنخرطين في صفوف "داعش"؛ إذ صرّح خلال لقاء له، على إذاعة أوروبا الأولى، قائلًا: "إن داعش يعاني من أزمةٍ كبيرة هذه الأيام، ولكن هذا لا يعني هزيمته"، واستكمل حديثه قائلًا: "إنَّ أولئك الذين قاتلوا في صفوف داعش أو الذين يوجدون حاليًّا في مناطق النزاع لم يذهبوا إليها عبثًا، ولم يكونوا هناك في نزهةٍ أو سياحة، فهم يعلمون جيدًا السبب الذي من أجله شدّوا الرّحال إلى هناك، والسبب هو القتال مع "داعش"، نحن نراهم أعداءً لنا، فقد واجهو فرنسا بالسلاح وقاتلوها".

وأشار إلى أنه لو كان هناك أَسرى أو مُحتجَزون لنا في العراق، فإن الأمور في منتهى البساطة والوضوح، وهي كالتالي: أنَّ السلطاتِ القضائيةَ العراقية هي المنوطة بأمر محاكمة ومعالجة قضايا المقاتلين والمقاتلات المقبوض عليهم في أراضيهم، وهذا أيضًا سيوفِّر لهم الحماية الفرنسية بكل تأكيد، أما فيما يَخصّ القُصَّر، فإننا نتمنى حالَ عودتِهِم إلى فرنسا، وكل حسب حالته، مع التأكيد البالغ بحمايتهم ورعايتهم، أن يتولّى الأمرَ القضاةُ المختصون بقضايا الأطفال، وهذا بالنسبة للعراق، أما بالنسبة لسوريا فالأمر مختلف تمامًا، حيث لا توجد سلطةٌ واحدة واضحة، وعليه فإنه حسب الحالة من الممكن التواصل مع الصليب الأحمر الدولي للاهتمام بالأمر.

كما أن "ألان مارسو" النائب بالجمعية الوطنية ومؤسس نيابة مكافحة الإرهاب، لا يزال مُصِرًّا على عدم السماح بسماع أيِّ كلمة تَصُبّ في حق عودة الإرهابيين الفرنسيين إلى فرنسا مجددًا، فخلال لقاءٍ له بالتلفزيون عبْرَ قناة 23 قال: إننا نستمع إلى دعواتٍ بالسماح لهم بالعودة من سوريا والعراق، فهل علينا أن نسامحهم؟

والأهم في تصريحاته، هو أنه قال: إننا الآن أمام حقيقة واقعية، وهي أننا بصدد تطهير أنفسنا؛ "الآن نحن نقوم بالتنظيف"، "نحن نعمل بكل جِدٍّ على ألا يعود مواطنونا من القتال مرةً أخرى إلينا؛ وذلك لأنهم يُشكِّلون خطرًا علينا"، ويتساءل ما الذي يعنيه هذا؛ "أي: أنه علينا أن نقوم بتصفيتهم هناك".

وتجدر الإشارةُ هنا إلى أنَّ السيد "مارسو" قد اعتادَ على إصدار مثل تلك التصريحات التي قد تبدو صادمة للمستمعين الفرنسيين، ولكن "مارسو" هو من قام بإرسال رسالةٍ مفتوحة إلى الرئيس "إيمانويل ماكرون" بتاريخ 7 نوفمبر يطالبه فيها بعدم السماح للمواطنين الفرنسيين المنخرطين في صفوف الدواعش بسوريا والعراق بالعودة إلى الأراضي الفرنسية.

فقد كتب يقول: "إنَّ عفو الدولة ومسئوليها لابد وأن يكون له حدود، فلا يجب أن ننسى تلك الجرائم التي تمّ ارتكابها على أراضينا وخاصّةً تلك التي وقعتْ في الثالثَ عشرَ من يناير 2015".

 وجاء في نصّ كلمته إلى الرئيس: "قم بمنعهم بكل ما أوتيتَ من قوةٍ وسلطة، امنع هؤلاء السفاحين من العودة".

 وبعد كتابة تلك الرسالة بيومين ، أي في التاسع من الشهر نفسه، صرّح "ماكرون" بأنَّ قضية عودة النساء والأطفال إلى فرنسا ستتمّ دراستها كل حالةٍ على حِدَة.

وفي شهر أكتوبر، لم تستطع وزيرة الجيوش الفرنسية "فلورانس بارلي"، إخفاء ملامح ما قد تقوم به الإدارة الفرنسية في التعاطي مع قضية عودة مقاتلي التنظيم الإرهابي "داعش".

 فقد صرّحت قائلةً: "جُلّ ما نريد هو أن نصل إلى الحد النهائي لهذه الحرب، ولو هلك هؤلاء المقاتلون فيها، فإن الأمر سيكون أفضل بكثير من أيِّ خياراتٍ أخرى".

وهناك عدة أسئلة تمّ طرحُها على السيدة "ماري دوزييه"، المحامية بالجنايات والمكلفة بالدفاع عن العديد من الأفراد المطلوبين في قضايا لها عَلاقة بالإرهاب، منها: 

هل يتوجّب على المجتمع الفرنسي قَبول عودة فَرَنْسيِّ داعش إلى الأراضي الفرنسية؟

فكان الجواب بالنسبة "لماري دوزييه"؛ أنَّ الفرنسيين الذي ذهبوا للانخراط في صفوف "داعش" لابد وأن تتم محاكمتُهُم في فرنسا، أما بالنسبة للسيد فنيك؛ فإنَّ الدولة ليست مُلْزَمَة بالاستجابة لاستغاثتهم وتقديم يد العون لهم.

هل علينا إعادة الفرنسيين الموجودين حاليًّا في مناطق النزاع في سوريا والعراق؟

بكل تأكيد، تقول "دوزييه" فإن على فرنسا أن تفعل ذلك حيال من وُلدوا وتَرَبَّوْا في هذه المنطقة، فمن هؤلاء من تربوا في مدارسنا ومرُّوا عبر شوارعنا وعاشوا في أحيائنا، فهم المُنتَج الفعلي للجمهورية الفرنسية، هم تعبيرٌ عن فشلنا؛ لذا علينا أن نحاكمهم نحن، وإلا فسيُغفلنا التاريخ.

 من جهةٍ أخرى، ومع توفير ضمانات المحاكمة العادلة، بالرغم من ضربهم لقيَم جمهوريتنا وقيمنا، فإننا بتلك الطريقة نُظهِر لهم أننا أقوى في مواجهة الظلامية التي فضّلوها علينا، فعلى ديمقراطيتنا أن تكون أكثرَ نُضجًا في مواجهتها لتلك التحديات.

هل البلاد التي وقعت فيها جرائمهم ليست مؤهلة لمحاكمتهم؟

هذه حجة خادعة فتحتْ دعم اللجوء إلى القانون الدولي، فإنَّ الحكومة في واقع الأمر تقع تحت طائلة منطق الانتقام من هؤلاء؛ وذلك عن طريق تركهم بين يدَي مَن وقعوا في أيديهم بالعراق وسوريا، وهي دول تطبِّق عقوبة الإعدام، لا توجد دولة ديمقراطية تترك رعاياها يُحاكَمون في ظروفٍ مثل تلك، وخلف ذلك الإهمال من قِبَلِ الدولة تكمن كلمة: هم أهلٌ لما هم فيه ولمصيرهم، الأمر غير مقبول ولا يَرقى إلى تاريخ أمتنا، ولكي نواجه المشكلة بحق وبدون تخوُّف، فإن علينا أن نعيَ تمامًا أنَّ قانون مكافحة الإرهاب في فرنسا قوي ولا يرحم، فلا خوف من عودتهم، فعدالتنا بمقدورها أن تكون شديدة القسوة.

هل يبدو أنَّ الحكومة تنوي تصفية المقاتلين الفرنسيين في تلك المناطق؟

الأمر غير معقول أو مقبول، فهذا تعبير صارخ عن الشعبوية، إنَّ قوة الديمقراطية لدى دولةٍ ما تقاس باحترامها لمنطق الدولة والقانون.

هل على الدولة الفرنسية أن تطالِب بعودة المقاتلين المنضمين للقتال في صفوف "داعش"، وذلك بغية محاكمتهم على الأراضي الفرنسية؟

لا أعتقد، فهؤلاء هم مجموعة من الرجال والنساء الذي تنكّروا لبلادنا، وفي بعض الأحيان حَملوا السلاح ضد بلادنا؛ لذا أعتقد أنَّ فرنسا ليست مدينةً لهم بحق نجدتهم علينا، سواء كانت نجدة قانونية قضائية أو أخلاقية، هؤلاء الجهاديون قد قاموا مختارين مع علمهم التام بنتيجة ما هم مُقدِمون على اختياره، وعليهم الآن دفْع نتيجة ما اختاروه ودفع ثمن ما اقترفته أيديهم من جرائم، وأعني هنا: جرائمهم في العراق وفي سوريا، وهنا القوانين المحلية عليها أن تحكم، فهم كانوا على علم بتلك القوانين أثناء ارتكاب الجرائم، وعليهم أن يتحمّلوا نتيجة فعلهم.

حتى لو كان الأمر يتعلق بدولٍ تُطبِّق عقوبة الإعدام؟

إنني أكافح تلك العقوبة بضراوةٍ على الصعيد الدولي، ولكن على الجانب الآخر، فهناك دول عديدة تقوم بتطبيق تلك العقوبة، ومنها: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وباكستان، فلا يجب ذلك أن يكون مدعاةً لتدخُّلنا في الشئون القضائية لدولةٍ ما، فلا يوجد أي سببٍ للمطالبة بإنقاذ أفرادٍ أقدموا على التخلي عن فرنسا.

أين نحن من القُصَّر؟

الأمر هنا مختلف تمامًا بالنسبة للمُكلَّفين، وأعني هنا البالغين من العمر ما بين 13-18، والذين صدرت ضدهم أحكام، فإنني مع إعادتهم لمحاكمتهم في فرنسا، فمعيارية الجنسية هنا لابد من تطبيقها، أما بالنسبة للأطفال، فإنهم وقبل كل شيء ضحايا، فعلينا أن نتلقَّفهم وننقذهم ونتكفل بهم، ونُقدِّم لهم الرعاية القضائية الكاملة.

الأمر يُشكِّل تحدّيًا لمجتمعنا؛ فلهم علينا أن نرعاهم ونوفّر لهم الرعاية الطبية والاجتماعية والدعم النفسي الكامل، وذلك وَفْقَ كل حالة من الممكن أن تعاد إلى أحد الأقارب، وهنا نتحدث فقط عن الأطفال الذي هم عُرْضةٌ للمخاطر.