الجماعات المتطرفة

 

09 ديسمبر, 2017

أزْمَةُ أُسَرِ فَرَنْسيِّي داعِش العالِقينَ في بُؤَرِ الصِّراعِ

     لا شك أن فرنسا تعيش نوعًا ما، لحظات من الزعزعة الأمنية وعدم الاستقرار، لا سيما أنها من أكثر الدول التي تحاول دحرَ الإرهاب ووأده، ووضعَ حدٍّ له داخليًّا وخارجيًّا. وقد لاحَتْ بها مؤخرًا أزمةٌ جديدةٌ بشأنِ الأُسَرِ الفرنسيةِ (من نساء وأطفال)، من الذين تُوفي عائِلُهُم في صفوف تنظيم داعش، والتي ما زالت عالقة في بؤر الصراع في العراق وسوريا، حيثُ ناشدت هذه الأُسرُ الرئيسَ الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لإعادتِهِم إلى فرنسا مع أطفالِهِم، ومحاكمتِهِم على الأراضي الفرنسية. يأتي هذا في سياق ما أعلنه وزيرُ الداخلية الفرنسي، جيرار كولومب، عن عودةِ أكثر من 240 فرنسيًّا كانوا يقاتلون في منطقة الصراع في سوريا والعراق، منذ عام 2012 م، ونحو 50 قاصرًا، معظمهم دون 12 عامًا إلى الأراضي الفرنسية، حيث يقبع غالبيتهم في السجون الفرنسية حاليًا.

جديرٌ بالذِّكْرِ أنَّ السلطات الفرنسية، منذ عام 2015م، تضع النساء والرجال البالغين و"بعض المقاتلين القاصرين"، العائدين من ساحات القتال في العراق وسوريا، بشكلٍ منهجيٍّ في الحبس الاحتياطي لدى الشرطة الفرنسية، فيما يقبع ما يزيد عن 130 شخصًا في السجن، أما الباقون فهم موضع ملاحقة قضائية أو إدارية من قبل جهاز الاستخبارات الفرنسية. ولكن يجب أن نُشير إلى أنه وفي يونيه الماضي، أعلنت السلطات الفرنسية عن وفاة نحو 300 فرنسيٍّ من بين ألف فرنسيٍّ ممن سافروا إلى ساحات القتال في العراق وسوريا، ولا يزال هناك نحو 700 شخص (بينهم  300 امرأة)، بالإضافة إلى 400 طفلٍ.

وبغض النظر عن الدور الذي كان يلعبه هؤلاء النساء والأطفال في مناطق الصراع في الشرق الأوسط، إلا أنَّ هذا العدد الكبير (300 إمراة و400 طفلٍ) بات يمثلُ أزمةً حقيقيةً مُلِحَّةً في فرنسا، لاسيما وأنَّ هؤلاء النساء يعترفن بذنبهن، ويبدين استعدادهن لتحمل مسئؤلية انضمامهن لداعش، ومستعدات للمحاكمة في العراق أو سوريا، ولكنهن يناشدن السلطات الفرنسية - إعادة أطفالهن إلى الأراضي الفرنسية، لاسيما وأنَّ من بين هؤلاء الأطفال مَنْ هم من حديثي الولادة، فكيف لمثل هؤلاء الأطفال أن يدفعوا ثمن غلطة آبائِهم، بل الأدهى من ذلك إذا تخلت عنهم دولتُهُم، ومنعتهم من حقهم الدستوري في التمتع بحماية الدولة لهم. في هذا الصدد، تقول "مارجو" التي غُرر بها، وغادرت الى سوريا عام 2012، والتي أكَّدَت ندَمَهاعلى ذلك، قائلة : "لم نُرِدْ كل هذا، ظننا أننا سننضم إلى كيان ما. ولم يُقدم لنا سوى الأكاذيب. لقد خُدعنا...وأنا مستعدة لتحمل مسئولية ذلك".

عاشت "مارجو" القادمة من مدينة نانت الفرنسية، في الرقة المعقل السابق للتنظيم الإرهابي في سوريا، حيث ألقى القبض عليها في الساعات الأخيرة للمعركة التي يشنها التحالف العربي الكردي لقوات سوريا الديموقراطية،  وهي الآن محتجزة لدى القوات الكردية شمال شرق سوريا. تلك الفتاة لديها ثلاثة أطفال: بنتان يبلغ أعمارهن 6، و 3 سنوات، والصغير يبلغ عمره 5 أشهر؛ حيث وُلِدَ الصغيران في الرقة. وتناشد المرأة السلطات الفرنسية إعادة أطفالها إلى فرنسا. حيث تقول"إذا أرادوا أن يحملوني المسئولية فأنا مستعدة لذلك، أما الأطفال فلا يستيطعون. وإذا لم يستطيعوا إعادتي فليعيدوا الأطفال على الأقل". لأن "الأصعب هو أن نرى هؤلاء الأطفال يعانون". يأتي هذا في الوقت الذي أكدت فيه وزيرة الجيوش الفرنسية، السيدة فلورنس بارلي، أن مصير الفرنسيين الملقى القبض عليهم في مناطق القتال يتوقف على البلد؛ فإذا كانوا في العراق فقد يحكم على البالغين فيها، فيما يتم دراسة حالات الأطفال "كل على حدة"، مع أخذ إرادة الآباء في الاعتبار. وقالت الوزيرة: إنَّ الوضع بالنسبة لسوريا أصبح أقل وضوحًا "فإذا سقط فيها مواطنون فرنسيون "في" يد سلطات مختلفة، فسيتم إبلاغ اللجنة الدولية للصليب الأحمر". دون إعطاء المزيد من التفاصيل عن المصير النهائي لهؤلاء الأشخاص، سواءٌ كانوا بالغين أو أطفالًا.

من جانبه صرح رئيس الوزراء السابق، مانويل فالس، خلال لقاء له على قناة " Europe 1"، أنه لا يدعم فكرة عودة الأُسَر الفرنسية المنضمة لتنظيم داعش إلى فرنسا ليتم محاكمتهم فيها، حيث صرح فالس قائلًا: "ليس من شأننا البحث عن هؤلاء الأسر في سوريا، أو التعامل مع هذه المسألة. ويجب فرض المسئولية الشخصية أو الأسرية". مضيفًا: "هناك بلدان قررت إسقاط الجنسية عن الأشخاص الذين ذهبوا لمحاربة قِيَمِنا، ومحاربة فرنسا، نحن في حالة حرب، على الأقل في العراق وسوريا". وأكَّدَ أنَّ وضع الطوارئ ما زال قائمًا في فرنسا، بسبب التهديد الإرهابي، ولأن لدينا الآلاف من الشباب في فرنسا وفي أوروبا وقعوا في براثن التطرف، إنها حرب داخلية وخارجية...

وفيما يتعلق بعودة الأسر الفرنسية المنضمة لتنظيم داعش إلى فرنسا من أجل محاكمتهم، ترى مارين لوبان، رئيس حزب الجبهة الوطنية، أن يُتْرك الحق للسلطات السورية والعراقية في محاكمة رعايا داعش من الفرنسيين، مهما كان السبب.

وشددت لوبان على أنَّ فرنسا لا يجب أن تهتم برعاياها الفرنسيين المنضمين لصفوف داعش في منطقة الصراع في الشرق الأوسط، والذين اعتقلتهم القوات السورية أو العراقية، مضيفة : "كيف يمكننا تفسير مراوغات السلطات العامة إزاء إرهابيِّي داعش؟ أليس نسائهم شركاء لهم؟ ، يجب أن يحكم عليهم من قِبَلِ السلطات السورية والعراقية، وفقًا لقانون البلد الذي اغتصبوه"...

فأيّ مسلكٍ ستتخذه الحكومةُ الفرنسية إزاء تلك الأزمة، لاسيما بعد إقرار البرلمان الفرنسي لقانون مكافحة الإرهاب الذي ينتهج نفس نهج حالة الطوارئ، والذي يثير الجدل في الأوساط الفرنسية، لا سيما لدى جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، التي ترى أنَّ هذا القانون يمثل انتهاكًا للحريات وتهديدًا للديمقراطية؛ لأنه يعمل على تعزيز صلاحيات السلطة الإدارية (كوزارة الداخلية والمسئولين المحليين) في تحديد نطاق حركة أي شخص، والقيام بعمليات تفتيش وغلق دور العبادة ومراقبة الهويات عند الحدود، كل ذلك بدون إذن قضائي. فهل ستلبى الحكومة الفرنسية نداء تلك الأُسر العالقة في بؤر الصراع؟ أم ستتركهم فريسة للأطراف المتصارعة في تلك البؤر؟ أم هل ستنفذ فرنسا الصكوك الدولية التي وقَّعتها بشأن حماية حقوق الطفل وتعزيزيها وحماية حقوق الإنسان؟