الجماعات المتطرفة

 

10 ديسمبر, 2017

القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق .. هل يعني نهاية الإرهاب؟

     عانت معظم دول أوروبا والشرق الأوسط من ظاهرة بدأت أزلًا، وازداد لهيبها في مطلع القرن الحادي والعشرين مع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 م، والتي خلفت نحو ثلاثة آلاف قتيل من شتى دول العالم.

 عندئذ ارتبطت الأحداث الإرهابية بالميول الدينية المتشددة، وظهر مصطلح "الإرهاب الإسلامي" مشيرًا إلى العمليات الإرهابية التي تنفذها الجماعات والتنظيمات الإرهابية ذات الخلفيات الدينية، كالقاعدة وداعش "الدولة الإسلامية في العراق والشام". ولا نزال حتى اليوم في صراع مع تلك الظاهرة بين استغلال البعض لها في تحقيق مصالح خاصة من ناحية، وبين محاولة نشر المتطرفين الجهاديين لكل أعمال العنف على أوسع نطاق وتبنيها لسَنِّ سلاح التخويف – الذين يعتمدون عليه بصورة أساسية – وإلقاء الرعب في نفوس الآخرين ممن أعلنوا عليهم الحرب ليس فقط من "أعدائهم الصليبيين" في دار الكفر – كما ادعوا – بل أيضًا من إخوانهم "الكفرة المرتدين" في دار الإسلام – كما أطلقوا عليهم – ، ظهر ذلك جليًّا عندما رأينا بعض الحوادث غير الإرهابية تتبناها الجماعات المتطرفة وتمجّدها، وتشْجبها المجتمعات وتستنكرها، ثم يتضح أنه مجرد حادث لا صلة له بالإرهاب – مثل حادث الطعن بميونخ في أكتوبر 2017 – وبتوالي الخسائر التي لحقت بتنظيم داعش الآونة الأخيرة مُنّي الكثير بالأمل في القضاء على الإرهاب، فهل للإرهاب نهاية؟ ومتى ستكون؟

لعل "نعم" هي أكثر الإجابات تفاؤلًا على هذا السؤال المحير، فرغم كل الجهود التي تبذل في إطار محاربة الإرهاب للقضاء عليه لا يزال يسود الرأي الذي يقول بأنه لا نهاية للإرهاب في عالم مثل عالمنا اليوم، مستندًا إلى أن أكثر الوسائل الفعّالة التي حققت "انتصارًا" في الفترة الأخيرة على إحدى التنظيمات أثبتت أنه لا يمكن القضاء على الإرهاب بالوسائل القمعية فقط دون البحث والتنقيب عن جذور المشكلة. وإذا ما أخذنا خطوة إلى الوراء سنرى أن تنظيم "القاعدة" الذي أجج العالم بعملياته الإرهابية مطلع هذا القرن لم يهدأ حتى وضع بذور تنظيم "داعش" في تربة اجتمع الكثيرون ممن زعموا أنهم يحاربون الإرهاب على زيادة خصوبتها، بعدم قبولهم للمخالف في الرأي، والتقصير في زيادة الوعي الديني لدى الجمهور خاصة طائفة الشباب، وتقليص مساحة الحوار والتأخر في مكافحة بوادر التطرف بأشكاله وأنواعه كافة قبل فوات الأوان، إلى غير ذلك من أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية أدت إلى ريّ تلك البذرة وتغذيتها على مدى عقد ونصف، حتى نما واشتد نبات داعش واستوى على سوقه.

ومخطئ من يظن أنه بالقضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق أنه تم القضاء على الإرهاب؛ حيث تشير العديد من الدراسات إلى أنه عند مواجهة دولة ما جماعة من المتطرفين بالقوة فإنه يموت بعضهم عند المواجهة وتعتقل الدولة بعضًا آخر منهم ويلوذ آخرون بالفرار، حيث يختبئون في الكهوف وثنايا الجبال لحقبة من الزمن، يعملون فيها على استجماع قواهم وإعادة تشكيل أنفسهم وجذب أتباع وأنصار جدد، ثم يعودون إلى نشاطهم مرة أخرى عن طريق بث أفكارهم بشتى الطرق، وممارسة أعمالهم الإرهابية التي تصبح أكثر عنفًا عن المرة الأولى، وتتجلى في أشكال أخرى للعنف والإرهاب، وتبدأ الدولة في مواجهتهم مرة أخرى من جديد، وهكذا يسير الأمر في حلقة لا تنتهي!

ومن بين أسباب الإرهاب وعوامل ظهوره يشكل الفراغ وكذلك الفقر الديني، الذي يعاني منه العامة – لا سيما طائفة الشباب – نتيجة افتقارهم إلى المثل العليا أو فقدانهم الثقة في المرجعيات الدينية القائمة، وتعرضهم المستمر للأفكار المتطرفة التي تروج لها تلك الجماعات ليل نهار في كل منصات الإعلام الحديثة مثل شبكات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك الفهم الخاطئ لروح الدين ومبادئه وأحكامه وقلة الحوار المفتوح مع الشباب لمناقشة تلك الأفكار المتطرفة، وتصحيح تلك المفاهيم المغلوطة من أخطر الأسباب. كل ذلك يفضي إلى التشدد والغلو في الدين واعتناق أفكار بعيدة عن غاياته ومقاصده. وهذا أشد فتكًا على المجتمع؛ لأن مرتكب أعمال العنف والانتحاري والمقاتل في صفوف داعش يفعل ما يفعله بفخر واعتزاز، ويحض غيره عليه كأنه أقام الدين ونصره وأدي حق الشهادة والجهاد وأقبل على الجنان وملاقاة الحور العين، التي أُعدت مكافئة للشهداء، كما افتخر الإرهابي أحمد أ.، الذي طعن الأبرياء والمدنيين بإحدى أسواق هامبورج وأرداهم قتلى وجرحى بعمله، ولم يندم إلا على عدم قتل المزيد منهم كما نُشر بصحيفة بيلد في 12 نوفمبر 2017، ما جعل تنظيم داعش يفاخر به في أحد أعداد مجلاته المتطرفة ويصفونه بأنه "من جنود الخلافة البواسل"  كما جاء في جريدة فرانكفورتر ألجيماينى في 3 نوفمبر 2017.

فمن أراد أن يرى للإرهاب نهاية فليبدأ من حيث هم بدأوا، وليبحث عن جذور نباتهم وليمعن النظر في انتشارهم واتقاد جذوتهم، ولا يغتر بانهزامهم في بعض أماكن تواجدهم وإلحاق بعض الخسائر المادية بهم، فمنابع الإرهاب كثيرة وأخطرها منبع الفكر والثقافة. وبالتعليم الراقي والتربية القويمة وتصحيح الأفكار المغلوطة التي يروَّج لها، ونشر صحيح الدين في أرجاء المجتمع كافة والالتفاف حول المؤسسات الدينية الوسطية، التي تنشر تعاليم الإسلام الصحيحة وشريعته السمحة يمكن أن نكافح التطرف ونحارب الإرهاب. وكذلك علينا أن نتعامل مع أشكال النصوص الدينية كافة، التي يساء استخدامها وتستغل من قبل المتطرفين؛ لإكساب أفعالهم الحجة الشرعية فهم يتعمدون ليّ عنق النص وتطويعه لخدمة أغراضهم وإنزاله على غير محمله لتحقيق مآربهم، لا بد أن يعالج كل هذا من خلال تفسير تلك النصوص في أُطُرها وسياقاتها الصحيحة وبناء على القواعد المنضبطة في اللغة والشرع، وفي هذا يكون تجديد الخطاب الديني. ومن الضروري أيضًا أن نلتفت إلى النشء الصاعد، أطفالًا وشبابًا، وننشر في أوساطهم ثقافة تقبل الآخر والتعامل معه حتى لو كان مخالفًا في الرأي والمعتقد، ونرسم في عقولهم معالم طريق الوسطية والاعتدال في الفكر والدين ونربيهم على المناقشة والحوار؛ حتى نقيهم شر التطرف وخطر الوقوع في براثن الاستقطاب.

ولا شك أن الدور الذي يقوم به الأزهر الشريف في هذا المجال دور ريادي من خلال جميع قطاعاته ولا سيما مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الذي يسير على طريق نشر صحيح الدين ودرء الشبهات التي تعتري بعض النصوص الدينية جراء ما يقوم به أصحاب الهوى ومن في قلوبهم زيغ من تأويلها على غير مرادها ابتغاء الفتنة، كما يعمل دفع تلك الشبهات بالحجة الواضحة والدليل القاطع، وينشر منهج الإسلام المعتدل السليم في كل قناة يسعى المتطرفون من خلالها إلى كسب مصداقية شرعية مزيفة لتأكيد مواقفهم وإثبات آرائهم، سواء عن طريق المجلات المطبوعة أو التقارير والمقالات الإكترونية التي تبث في جميع وسائل التواصل الاجتماعي والمنتديات والصفحات والمجموعات أو الحملات والفعاليات التي تجوب المدارس والجامعات.    

وحدة رصد اللغة الألمانية