منذ ظهور تنظيم داعش على الساحة العالمية وإعلانها إقامة خلافتها المزعومة عام 2014، ظل هذا التنظيم يجتذب الأنصار من جميع أنحاء العالم، ومع سيطرته على المزيد من الأراضي في سوريا العراق، أخذت أعداد المقاتلين الأجانب المنضمين إليه في التزايد حتى وصلت وفق بعص الإحصائيات إلى 40 ألف مقاتل. وفي منتصف شهر يونيو من العام 2017، سجلت السلطات التركية أسماء 53781 شخصًا من 146 دولة، أعربت دولهم الأصلية عن قلقها من مغادرتهم للانضمام لداعش مستخدمين تركيا ممرًا لهم إلى سوريا، وفق إحصائية نشرها الموقع الإلكتروني لمنظمة مشروع كلاريون المهتمة بمجال حقوق الإنسان ومكافحة التطرف في 26 أكتوبر 2017.
والآن، ومع إعلان العراق على لسان رئيس وزرائها وقواتها المسلحة - انتهاء الحرب على داعش في العراق، وتحرير كامل أراضي العراق من عناصر هذا التنظيم المتطرف والسيطرة عليها، بالتزامن مع إعلان روسيا سحب قواتها من سوريا؛ لانتهاء العمليات ضد التنظيم، يطل سؤال منطقي: أين تذهب عناصر داعش؟
مع تكون التحالف الدولي لقتال داعش في سوريا والعراق، أخذت العمليات ضد هذا التنظيم المتطرف تتعاظم، وتعلن الدول عن تصفيتها لأعداد من مقاتلي داعش، وقد تباينت الأعداد التي أعلنت عنها هذه الدول، حيث أفادت منظمة (إير وورز air wars)، التي ترصد الضربات العسكرية في العراق وسوريا، أن قوات التحالف قضت على ما يزيد على 23 ألف مقاتل تابع لداعش.
وهذه الأعداد الضخمة لا ندري كيف تتمكن قوات التحالف من السيطرة عليها ومتابعها، وعلى أية حال، يتبقى آلاف من المقاتلين لم تعلن أية جهة من القوات التي تحارب داعش القضاء عليها أو أسرها أو تأكيد انتقالها إلى أماكن أخرى، وإذا أردنا أن نحلل هذه الأعداد، يمكن أن نجدها على النحو التالي:
العائدون من داعش
منذ ظهور التنظيم، بدأت ظاهرة العائدين من داعش في البروز إلى السطح، حيث وجد بعض المنضمين إلى داعش ممن خُدعوا بدعايتها إظهارها المثالية أن الأوضاع على أرض الواقع تختلف اختلافًا جذريًّا عن تلك الدعاية، ومن ثم قرروا ترك التنظيم والعودة إلى بلادهم. ومع تزايد العمليات ضد التنظيم تزايدت أعداد العائدين من داعش.
ويبلغ عدد العائدين إلى بلادهم الأصلية على الأقل 5600 مواطن أو مقيم من 33 دولة حول العالم، وفق إحصائية لمنظمة مشروع كلاريون. ويمثل هؤلاء العائدون من داعش تحديًا كبيرًا للدول التي يعودون إليها؛ حيث يتبنى التنظيم فكرة عمليات الذئاب المنفردة، والتي يمكن أن يقوم بها شخص واحد محدثًا آثارًا كبيرة مدمرة.
وفي هذا السياق نقلت صحيفة "نيوزويك" وموقع "إي يو إوبزرفر" خبرًا مفاده أن مفوض الاتحاد الأوربي "جوليان كينج" أعرب عن بالغ قلقه قائلًا: "أتوقع نزوح عدد قليل من مناطق الصراع إلى أوروبا، إلا أن هذا العدد القليل من العناصر المتطرفة سيمثل خطرًا داهمًا يجب التصدي له بكل حزم وحسم."
ظهور خلايا وتنظيمات إرهابية جديدة. من المتوقع بناءً على التقارير والتحذيرات الواردة في سياق الحديث عن القضاء على داعش في العراق وسوريا، أن تتكون خلايا إرهابية أو تنظيمات جديدة على أنقاض "داعش"، وهو ما قد يُعاني منه العالم لسنوات أخرى تستنزف من البشرية طاقات وأموالًا طائلة؛ لذا ينبغي على جميع الدول الحذر وعدم الإفراط في السعادة عقب الأخبار التي تتحدث عن سقوط داعش، ومواصلة العمل المشترك الذي يهدف إلى تبادل الخبرات والمعلومات بشأن العمليات الإرهابية ومنفذيها، من أجل الحيلولة دون تمكن مثل هذه الجماعات من تكوين جيوب جديدة يمارسون منها أنشطتهم المتطرفة.
التحول إلى مناطق عدم استقرار أخرى
يرى محللون أن بعض مقاتلي داعش ينتقلون من الأماكن التي كان التنظيم يسيطر عليها في العراق وسوريا، والتي باتت الآن تحت سيطرة حكومتي الدولتين وقوات التحالف إلى مناطق صراع أخرى حول العالم؛ حيث تمثل هذه البؤر أماكن مثالية يمكن لهذه العناصر أن تستأنف على أرضها عملياتها المتطرفة، وتنشر فيها فكرها المتطرف، ومن بين هذه الأماكن أفغانستان وليبيا؛ حيث تتشابه الأولى مع العراق وسوريا؛ إذ توجد أقلية شيعية مما يمكن هذه الجماعات من اللعب على وتر الطائفية، بينما تمتلك الثانية ثروة نفطية هائلة توفر لهم - حال السيطرة عليها- موارد مالية ضخمة.
ظهور نسخة ثانية من داعش
وفقًا للموقع الإلكتروني لصحيفة فورين بولسي وموقع إس بي إس، من المرجح أن تظهر نسخة جديدة من تنظيم داعش أطلقا عليها موقع إس بي إس " “ISIS, 2.0. حيث يتوقع وفق هذا السيناريو أن يظل المقاتلون الذين كانوا يشكلون الدوائر المقربة من الخليفة المزعوم البغدادي في العراق، يشكلون مقاومة سرية؛ ويقومون بعمليات متفرقة وهجمات انتحارية، كما أنهم قد يغيرون من ولاءاتهم بين المجموعات العاملة على الأرض مثل جبهتي فتح الشام وأحرار الشام.
وأخيرًا، نقول إن هذه التوقعات والسيناريوهات تخضع جميعها للكثير من العوامل التي قد تجعل من بعضها خيارات صعبة التحقق على أرض الواقع، كما أن تعزيز الجهود الدولية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وتعاون الدول استخباراتيًّا وعسكريًّا لا بد وأن يحول دون ظهور مثل هذه التنظيمات في أماكن جديدة، أو على الأقل يحد من هذا الأمر. كما أن تعامل كل دولة مع المقاتلين العائدين إليها سيحدد إلى أي مدى يمكن أن يشكل هؤلاء العائدون خطرًا على الدولة، أو عاملًا إضافيًّا يسهم في تعزيز فهم الدولة المعنية لفكر هذه الجماعات وكيفية محاربته، ومن ثم فمن المؤكد أنه كلما امتكلت الدولة برامج متقدمة لتأهيل هؤلاء العائدين، وتيسير إعادة دمجهم في مجتمعهم، عظمت الاستفادة منهم، وقل ما يمثلونه من خطورة.
من المؤكد أن إعلان القضاء على داعش ليس نهاية المطاف، ولكنه قد يكون أمرًا مبشرًا بأن تكاتف الجهود الدولية يؤدي إلى تحقيق نتائج ملموسة في سياق القضاء على التطرف، بيد أنه مع حصر هذه الجهود المشتركة في مناطق دون أخرى، تظل المشكلة قائمة؛ حيث يتسنى لعناصر هذه الجماعات المتطرفة التحول من منطقة إلى أخرى، وعندئذٍ لا يعدو الأمر سوى أننا نقضي عليهم في جهة لنسمح لهم أن يطلوا برأسهم من جهة أخرى. كما أن الأهم من ذلك الجهد العسكري هو القضاء على أيديولوجيات هذه الجماعات وأفكارها المتشددة؛ حيث نحصن الشباب من الوقوع في براثنها، بل وحملهم على الوقوف صفًّا واحدًا في مواجهتها. وقد قطع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف شوطًا كبيرًا في تفنيد مغالطات هذه الجماعات وشبهاتها وأباطيلها، وهدْم أيدلوجياتها من خلال بيان مناقضتها الواضحة لمقاصد الإسلام ومبادئه العليا، كما أطلق العديد من الحملات التوعوية التي تهدف إلى تحصين الشباب من الوقوع في براثن تلك الجماعات أو التعرض لخطر الاستقطاب، ولا تزال جهود الأزهر الشريف، بصفته أعرق مؤسسة إسلامية سنية، مستمرة في هذا الصدد. ولن تتوقف حتى يتم القضاء نهائيًّا على هذا الفكر الإرهابي الهمجي.
وحدة رصد اللغة الإنجليزية