ذكرت جريدة "حريت" التركية في عددها الصادر بتاريخ 20 نوفمبر الماضي أن عددًا من الأتراك انضم إلى تنظيم داعش الإرهابي مع بداية الحرب في سوريا وأخذوا معهم أطفالهم، مشيرة إلى أن هناك رجلًا طلقوا نسائهم وأخذوا أطفالهم وهربوا خفية إلى سوريا، وهناك نساء طُلقن من أزواجهن وهربن خلسة وانضممن إلى التنظيم الإرهابي ومعهن أطفالهن.
إذن فنحن أمام آباء وأمهات لا يعرفوا شيئًا عن أطفالهم سوى أنهم سافروا إلى سوريا وانضموا إلى "داعش". وقد لجأ هؤلاء الآباء والأمهات إلى أجهزة الشرطة والأمن من أجل التصرف وإيجاد حل لهذه المشكلات، وطلبوا استعادة أطفالهم الصغار، وما زاد قلق أولياء الأمور هؤلاء - هو أن بعضًا منهم رأى صورًا لأطفاله وهم مصابون في المستشفيات جراء القصف المستمر الذي كانت تقوم به قوات التحالف ضد تنظيم "داعش" الإرهابي سواء في سوريا أو العراق.
ونوهت صحيفة حريت التركية إلى اهتمام وسائل الإعلام التركية بهذه المشكلة التي يعاني منها بعض أولياء الأمور، وأجرت معهم حوارات بهدف إيصال صوتهم إلى المسئولين؛ كي يساعدوهم في استرداد أطفالهم من جديد.
من جانبها تابعت وحدة رصد اللغة التركية ما نشرته صحيفة حريت عن هؤلاء الآباء والأمهات، والتي توضح ما وصل إليه حال هؤلاء المنضمين إلى التنظيم، وكيف كان حالهم قبل الانضمام وحالهم بعده من ناحية ، ومن ناحية أخرى أوضحت الصحيفة مدى خبث أساليب هذا التنظيم الإرهابي في استقطاب أفراد جدد ينضمون إليه، ومدى تعمق الميكافيلية ومبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" داخل أعضائه.
وأوردت الصحيفة في تقرير لها قصة "شاهين أقطان" وهو مواطن تركي يسكن في مدينة إستانبول، تزوج عام 2008 من امرأة من أصول "قيرغيزية" تُدعى "سوفتلانا تشهاسانوفا". وعاشا مَعًا حياة زوجية هادئة ومستقرة، وبعد زواجهما بثلاث سنوات أنجبا طفلًا واختارا له اسم "داستان". وفي عام 2014 بدأ يظهر علي "سوفتلانا" تغيرات في سلوكها. ففي البداية ارتدت حجابًا. وبدأت تتابع بكثرة الأحداث المتعلقة بالحرب في سوريا، وتظهر ردة فعل ضد نظام النظام السوري. ولفت هذا التغير الطارئ نظر "شاهين"، لكنه اعتقد أن زوجته كانت تفعل ذلك بدافع إنساني تجاه ضحايا الحرب الأبرياء في سوريا، ولم يخطر بباله أن زوجته على تواصل مباشر مع عناصر تنظيم "داعش" من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. يقول "شاهين": "لقد كانت تدخل في محادثات مع رجال ملتحين وغرباء. وتغيرت تغيرًا كبيرًا بسبب هذه الحوارات، ووصل الحال بيننا إلى الفرقة في المضاجع. وبدأت تعامل طفلنا الصغير بطريقة عنيفة. وفي يوم قالت لي: سيأتون إلى هنا ويأخذونني. وبعدها عرفت أنها تتحدث مع شخص يدعى "حمزه" اتضح بعد ذلك أنه من قادة "داعش"، الذي دعاها إلى الذهاب لسوريا".
وانفصل الزوجان في فبراير 2014م. وحكمت المحكمة حينها للأم بحضانة ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات. وانتقلت بعدها " سوفتلانا" إلى منطقة "سلطانبيلي" في مدينة إستانبول. وكان "شاهين أقطان" يذهب إليهم نهاية كل أسبوع من أجل رؤية ابنه "داستان". ولكن في شهر يونيو 2014م ذهبت "سوفتلانا" إلى سوريا من أجل الانضمام إلى تنظيم داعش وأخذت ابنها الصغير معها. ويحكي "شاهين" كيف عرف بهذا الخبر ويقول: "عندما اتصلت بها في الثلاثين من يونيه 2014 وَجَدتُ هاتفها مغلقًا. فذهبت إلى منزلها في "سلطانبيلي". ولم أجد أحدًا في المنزل. وعلمت أن طليقتي قد غيرت اسمها إلى "آسيا" واسم ابني إلى "عبد الله". فذهبت فورًا إلى مركز الشرطة وأبلغت المدعي العام. واكتشفت أنها أخذت طفلنا وذهبت إلي مدينة "غازي عنتاب" ومن هناك إلي سوريا. وهناك تزوجت "سوفتلانا" من "حمزة" الداعشي الذي كان قد دعاها إلى المجيء إلى سوريا. وأنجبت منه طفلة. وفي بداية هذا العام حاولت "سوفتلانا" الاتصال بي بعد أن بدأ التنظيم يفقد الأراضي التي تحت سيطرته في كل من سوريا والعراق.
وقالت إنها تريد الخلاص والنجاة من العراق، وظللنا فترة نتحدث هاتفيًّا. ثم سألتها عن ابني "دستان". وطلبت أن أرى صوره، فأرسلتها إلي. وكان في حالة مذرية. وكانت صورته تحت أحد أعلام داعش، وطلبت مني "سوفتلانا" عشرة آلاف دولار لكي تستطيع العودة مرة أخرى إلى تركيا، فلم أرسلهم إليها خوفًا من أن تهرب بهم إلى مكان آخر. وتحدثنا آخر مرة في الخامس من أكتوبر الماضي. وقالت لي: إنها تُقيم في منطقة تُسمى "القائم"، وإن الشيعة يأتون إلى هناك. وإنها لا تعرف كيف تتصرف معهم. ثم انقطع اتصالنا بعد ذلك". وأضاف "شاهين" أنه يريد أن يعود ابنه إليه مرة أخرى، وأن آخر مرة تحدث فيها مع ابنه "داستان" كانت منذ ثلاثة أشهر، وقال:
"قال لي ابني كلمتين فقط؛ لأنه عندما كان هنا في تركيا كان لا يزال صغيرًا يتعلم الكلام. ولأن والدته تجيد الروسية تعلم أيضًا اللغة الروسية. وتعلم العربية في سوريا والعراق. وهو لا يعرف التركية. وتحدث معي بالروسية وقال لي "كيف حالك يا أبي؟" لكني لا أعرف أين هو الآن وكيف هو وضعه. ولقد طلبت من حكومتي التحرك من أجل عودة ابني إلي. ويجب على الحكومة الآن أن ترحمني. فابني في السادسة من عمره. ولا بد للحكومة من التحرك من أجل هؤلاء الأطفال قبل فوات الأوان".
ونخلص من هذه القصة إلى أن أفراد هذا التنظيم الإرهابي ليسو متدينين كما يدعون، وإنهم يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فيتحدثون مع النساء الأجنبيات ويحرمون على نسائهم الحديث مع الرجال الأجانب، ولا يكتفون بالحديث فقط بل وصل الأمر عندهم إلى الحديث مع النساء المتزوجات وإغوائهن والتفريق بينهم وبين أزواجهن، ونسوا أن الإسلام يحرم هذه الأمور بل يُحرم أن يخطُب الرجل على خِطبة أخيه، فما بالك وهؤلاء يثيرون المشاكل بين الأزواج والزوجات ويجعلون النساء يطلبن الطلاق ثم يتزوجوهن.
هل هذا من الدين في شيء؟ أليس هؤلاء بالفعل في هذه القصة استطاعوا أن يظهروا الزوج بصورة مختلفة لزوجته التي تزوجها وقضى معها حياة طيبة هادئة استمرت خمس سنوات وأنجبا خلالهما طفلًا، ولم تتغير حياتهما إلا بعد ظهور "حمزة" القيادي الداعشي الذي خبب الزوجة على زوجها وجعلها تطلب الطلاق منه لتسافر إليه وتتزوجه؟
القصة الثانية قصة "رمضان بوزكورت" القاطن في مدينة "كارمان" التركية. والد الطفل "ييت آلب" البالغ من العمر ثلاث سنوات وهو واحد من الأطفال الذين سقطوا في يد "داعش". في عام 2014 طلبت "هوليا" زوجة رمضان وأم "ييت" الطلاق من زوجها وسافرت إلى سوريا وأخذت معها رضيعها. يحكي "رمضان بوزكورت" قصة انضمام زوجته السابقة إلى داعش ويقول "طلبت زوجتي مني الطلاق. وسألتني هل لو سافرت خارج البلاد ستأتي لزيارتنا؟ وعندما سألتها إلى أين ستذهبين؟ قالت إلى سوريا أو العراق. فلم آخذ كلامها بمأخذ الجد. وانفصلنا.
ثم علمت بعد ذلك أنها بالفعل ذهبت إلى سوريا. فذهبت إلى مديرية الأمن. ولم أستطع أن أعرف عنها أي شيء، ولقد تحدثت في الإعلام كثيرًا من أجل استعادة ابني، وأعطيت الصحف صورًا واضحة لزوجتي. فاتصلت بي وعاتبتني على هذا الأمر، وقلت لها: لا علاقة لي بك، اذهبي أنتِ، وردي إلي ابني. فقالت لي: لن أرده إليك. وبعد عدة أيام اتصل بي شخص داعشي يُدعى "أحمد"، وقال لي: إنه زوج طليقتي وأم ابني "هوليا". وكانت "هوليا" بجواره. وطلب مني ثلاثة آلاف دولار من أجل إعادة ابني إلي. وقال: إنهم في مدينة "الرقة" السورية. ثم أرسلت لي طليقتي قبل ستة أشهر مجموعة من الصور. يظهر ابني في هذه الصور نائمًا في إحدى المستشفيات وبه إصابة في بطنه. وقالت لي إنه أصيب في قصف. وقبل أربعة أشهر أرسلت لي صورة الموقع الذى تقيم هي فيه. وكان بالفعل مدينة الرقة السورية. وقالت لي: إنها تريد العودة إلى تركيا. وكانت تطلب أموالًا باستمرار. وقلت لها: إن إرسالي نقودًا لك في حد ذاته يعتبر ذنبًا كبيرًا. فقطعت الاتصال بعد ذلك ولم تعد تتصل بي. ثم عرفت بعد ذلك أنه قد تم القبض عليها. وأنا الآن أريد معرفة أين ابني؟"
ومن هذه القصة نستنتج مدى الانحدار الأخلاقي الذي وصل إليه أفراد هذا التنظيم، ومدى الاستغلال غير الإنساني الذي يتصفون به، يحرمون الأب من رؤية ابنه الوحيد، ويستغلون عاطفة الأبوة لديه، ورغبته في رؤية ابنه ويطلبون منه نقودًا مقابل استرداد ابنه مرة أخرى. ثم كيف تفكر هذه المرأة في أن تترك ابنها مقابل المال.
إن هذه التنظيمات الإرهابية والإجرامية قد انتُزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم فصاروا أناسًا في المنظر جمادات في الجوهر. حفظ الله شبابنا وبلادنا وشعوبنا من شر هؤلاء.
وحدة رصد اللغة التركية