الجماعات المتطرفة

 

31 ديسمبر, 2017

داعش والدعوة لعمليات إرهابية في عيد الميلاد

     تتباين علاقات بني البشر يبن الاتفاق والاختلاف، وأشد ما يمكن أن تصل إليه علاقات الشعوب من العداء هو الحرب، فليس بعد هذا العداء عداء، إنه عداء يمكن أن يبيح أي فعل في سبيل تحقيق النصر في المعركة. لكن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم عندما جاء لم يكن هذا سبيله، بل كانت وصاياه للجيوش كما هو محفوظ من سيرته صلى الله عليه وسلم عدم التعرض لمن لا يقاتلون وخص بالذكر المتعبدين في صوامعهم.
عندما نتأمل هذه السيرة العطرة والوصايا الإنسانية منه صلى الله عليه وسلم ونتأمل ما تفعله داعش وما تثيره من أفكار ندرك حجم الفارق الذي يصل لحد التناقض في التصرفات. فمع سقوط داعش وإدراكها أن أحلامها ذهبت مع الريح، لم يتبق لها سوى أن تبث الرعب في قلوب الناس مسلمين وغير مسلمين، بدعوى أن الجميع كافرون –في نظرهم،  وكأن الكفر في حد ذاته مبيح للقتل، وهذه نقطة رد عليها مرصد الأزهر الشريف في تقاريره، فليراجعها من شاء، لكن المهم هنا هو ما تفعله داعش هذه الأيام.
فعلى مدار الأيام القليلة الماضية أطلقت داعش صيحاتها تدعو كل مؤمن بفكرها أن يستغل احتفالات رأس العام للقيام بعمليات تفجير وقتل باسم محاربة أعداء الله، وحثت أتباعها -حسبما نشرت قنواتها الإعلامية وتناقلته المواقع العالمية - على اقتحام النوادي الليلية والكنائس وأسواق الكريسماس حتى في حالة  تواجد أطفال بالمكان ، معتبرين أن هذا إنما يمثل  موسم صيد، فكان نداؤهم "اعدوا عدتكم لتتصيدوا الصليبيين  وهم سكارى."
كما ركز التنظيم في دعايته الأخيرة على الولايات المتحدة بسبب قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث تم توزيع اثنين من الملصقات على قناة مؤيدة لتنظيم داعش. وكان مكتوبا على  أحد الملصقات: "انتظرونا، نلتقي في عيد الميلاد في نيويورك ... قريبا" حسبما ذكرت صحيفة News Week.
في مقابل هذه التهديدات سيكون من الطبيعي أن تهتم دول العالم وخاصة الدول الإسلامية بتأمين الكنائس في هذه الاحتفالات  وهو ما سلط عليه الضوء موقع الإندبندنت البريطانية الذي ذكر أن هناك حالة من التأهب والاستعداد والتأمين للكنائس التي تقام فيها احتفالات وصلوات أعياد الميلاد نهاية هذا الأسبوع، حيث تقوم القوات الأمنية في العديد من الدول الإسلامية بحراسة هذه الأماكن بالإضافة إلى كاميرات المراقبة التي وضعت بغرض التأمين، وذلك بعد تعرض كنيسة في باكستان لهجوم من قبل داعش في قداس يوم الأحد.
وربما تكون هذه التأمينات أمرًا طبيعيًا، لكن ما ليس طبيعيًا هو وجود تلك التهديدات الفعلية باسم الإسلام الذي حرم الاعتداء على هذه الدور حتى في الدول التي بينها وبين المسلمين حرب، فكيف بها في الدول الإسلامية نفسها؟
المشكلة أن داعش مع سقوطها قد زرعت فكرة الذئاب المنفردة، فأصبحت تطلق صيحاتها لمجهولين حول العالم، أملًا أن يستجيب لها أحدهم هنا أو هناك، وهو ما حدث بالفعل، حيث أفاد موقع  Breitbart أن مكتب التحقيقات الفيدرالى يوم الجمعة قد ألقى القبض على سائق شاحنة في ولاية كاليفورنيا، يدعى إيفريت هارون جيمسون، للتخطيط لهجوم إرهابى أثناء الأحتفالات بأعياد الميلاد على مركز "بير 39"، فى مدينة سان فرانسيسكو. وفى تصريحات للمخبرين السريين، أكد جيمسون أنه كان يخطط للقيام بهذا الهجوم عن طريق دهس المدنيين بشاحنته، ونشر متفجرات بدائية الصنع، واستخدام مهاراته كمقاتل في البحرية لزيادة عدد القتلى. ومن الملاحظ أن السلطات وجدت وثائق تؤكد ولائه لتنظيم داعش الإرهابي، وأكد أن الدافع وراء هذه العملية هو  اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
إن كل يوم يمر يؤكد مدى انفصال هذه الجماعات عن حقيقة الدين وغاياته الكبرى، ورغم هزيمة تنظيم داعش عسكريا وجغرافيًا، إلى أن تهديده ما زال مستمرًا، فلا يزال بعض المخدوعين يؤمنون بهم، يساعدهم في هذا سياسات جائرة، وخطابات سياسية محرضة أو خطابات دينية متطرفة، مما يؤكد على ضروروة المواجهة الشاملة والمتكاملة  لهذا الفكر، ولا شك أن من بين سبل المواجهة الفكرية هو كشف عوار هذه الجماعاعت الفكرية، وتسليط الضوء على تناقضاتها مع مبادئ الشريعة، فهذا كفيل بكشف زيف داعش أمام من يتعاطفون معها، وهذا ما يفعله مرصد الأزهر الذي يرصد خلل هذه الجماعات ويرد عليها، لكن لا شك أن هذا مجرد بند في لائحة طويلة لمكافحة الفكر المتطرف، ولا بد أن تعمل هذه الجهود في إطار تعاوني دولى متكامل حتى تؤتي هذه الجهود ثمارها، ونتخلص من هذا الوباء الفكري.

وحدة رصدة اللغة الإنجليزية