بعد نجاحٍ شبه كامل للقضاء على شبح تنظيم الدولة الإرهابي في أماكن تمركزه بسوريا والعراق؛ بات شبح العائدين من الدواعش الأجانب إلى دولهم كابوسًا يؤرق الساحة الدولية الغربية، ومما يزيد الطين بلة أن هؤلاء العائدين المهزومين عسكريًّا ونفسيًّا قد يطلقون موجات غضب للثأر من إبادة دولتهم التى كانوا يحلمون بها. وهؤلاء الإرهابيون قد ثبت بالدليل أنهم تدربوا على أسلحة كيمياوية وبيولوجية واستخدموها في أثناء الحرب في سوريا والعراق، هذا وقد سبق وأن حقق تنظيم داعش الإرهابي تقدمًا في استخدام الشبكة العنكبوتية ليس بغرض تجنيد الشباب فقط، بل من أجل تعليمهم كيفية تصنيع العبوات الناسفة والمتفجرات وتلك المواد الكمياوية والبيولوجية المُجَرَّمة.
ففي مطلع مارس الجاري أورد موقع "كلاريون بروجكت" تقريرًا يفيد بأنه رغم خسارة تنظيم داعش 98% من أراضيه في سوريا والعراق إلا أنه ما زال يمتلك القدرة على إعادة هيكلة نفسه من جديد؛ لذا حذرت المخابرات الحربية البريطانية من أن الجهاديين العائدين من تنظيم داعش يحاولون تصنيع مادة الرايسين والجمرة الخبيثة داخل معامل سرية بالمملكة المتحدة. يأتي هذا علمًا بأن العديد من العائدين قد تلقوا تدريبات على الحرب البيولوجية والكيميائية في سوريا والعراق؛ حيث كشفت الوثيقة التي حصلت عليها وكالة أنباء روسية من مقر الشرطة العراقية أن الأخيرة اكتشفت 32.5 طنًا من "نترات الأمونيوم" في الموصل أثناء عملية تحرير المدينة من تنظيم داعش. ومن ثم يخشى مسئولو المخابرات في المملكة المتحدة من شن هجوم يسفر عن وقوع إصابات جسيمة حال دس هؤلاء الجهاديون لتلك السموم في المياة أو المواد الغذائية. وقد حذر أيضًا قائد السلاح الجوي الملكي البريطاني "ستيفن هيليير" من إمكانية عودة تنظيم داعش مجددًا حال وقف حملات القصف المضادة للتنظيم الإرهابي الدموي. وأضاف أن التنظيم في الوقت الراهن يبدو كمنظمة إرهابية مُتمردة تحاول الهيمنة على المنطقة وتقويض قوات التحالف بشكل أو بأخر كما وقع آنفًا في أفغانستان والعراق.
وتلفت تلك التقارير بالغة الخطورة الأنظار أكثر وأكثر إلى خطورة هؤلاء العائدين الدواعش إلى بلادهم، ومدى إمكانية حدوث هجمات إرهابية بيولوجية وكميائية إذا لم تهتم السلطات بالكشف عن هويات هؤلاء الإرهابيين، فقد ثبت من خلال متابعة المرصد خلال العام الماضي تورط أعضاء ذلك التنظيم في عمليات إرهابية كميائية في سوريا والعراق، وهو ما يدعونا للقلق من إمكانية تصنيع تلك المواد في بلاد العائدين الدواعش لزعزعة الأمن والاستقرار للثأر من هزائمهم المتتالية.
وفي هذا السياق رصدت وحدة اللغة الإنجليزية العديد من الأخبار والتقارير في العام الماضي تدل على تورط أعضاء التنظيم في استخدام مواد كميائية وبيولوجية في عدة معارك؛ منها ما ورد في الأول من يناير 2017؛ حيث نقلت جريدة الإندبندنت مخاوف "بين والاس" وزير الدولة البريطاني لشؤون الأمن القومي من محاولات تنظيم داعش لحصد أكبر قدر ممكن من الضحايا في بريطانيا، وهو ما وصفه حينها بـ"الخوف الكبير" الذي يؤرق الجميع، ويبدو أن السبب في ذلك يرجع إلى أن تنظيم داعش الإرهابي بدء في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا والعراق في تلك الآونة، وفي سياق متصل ألقت السلطات المغربية القبض على خلية إرهابية كانت تقوم بتصنيع المتفجرات، ويُعتقد أنها كانت بصدد تصنيع قنبلة أو مواد سامة محظورة. هذا وقد صرح وزير الأمن القومي في الوقت ذاته أن داعش ليس لديها أي مانع أخلاقي من استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين لا سيما في "لندن"، ويرى أن عدد الضحايا قد يكون مفجعًا، بالإضافة إلى أن التقارير الصادرة من التنظيم نفسه تؤكد على استخدامهم للأسلحة الكيماوية في سوريا والعراق ويطمحون في تنفيذ نفس الأمر في بريطانيا.
وفي 29 يناير2017 نقلت صحيفة الجارديان البريطانية تصريحات قوات الجيش العراقي والتي جاء فيها أن الجيش تمكن من العثور على معمل لتصنيع عبوات سريعة الاشتعال شرقي الموصل، بالقرب من مخبأ للمؤن والذخائر والصواريخ أرض- أرض الروسية. ويُذكر أن كلًّا من قوات الأمن الأمريكية والعراقية كانتا قد حذرتا مرارًا وتكرارًا من محاولات تنظيم داعش تصنيع الأسلحة النووية. جدير بالذكر أنه عندما نجحت القوات العراقية في استرداد جامعة الموصل، عثروا على معامل كيميائية يبدوا أنها كانت تُستخدم كمكان مؤقت لصنع مواد سريعة الاشتعال. وكان العميد )حيدر فاضل( من القوات الخاصة العراقية قد أفصح عن أن خبراء فرنسيين فحصوا تلك المواد الكيماوية ليؤكدوا أنها غاز "الخردل". وأضاف )فاضل( أن الإمدادات التي تلقاها أعضاء التنظيم بخصوص المعمل كانت تأتي لهم من منطقة آثار مدينة )نينوى( البعيدة عن الموصل، ولم يعرب العميد عن كمية وفاعلية المواد التي تم العثور عليها في ذلك الوقت، إلا أن أعداد المصابين جراء الأسلحة الكميائية التي استخدمها تنظيم داعش قليل مقارنة بأعداد المصابين جراء التفجيرات والعمليات الانتحارية.
وفي 6 مارس 2017، نشرت منظمة حقوق الإنسان على موقعها خبرًا يفيد بأن تنظيم داعش الإرهابي شنّ حربًا كيماوية ضد القوات العراقية خلال معاركها في مدينة الموصل؛ لاستعادة المدينة، وفي نفس التوقيت أعلنت هيئة الصليب الأحمر إصابة 12 شخصًا بينهم نساء وأطفال، وبعد تلقيهم العلاج اللازم في مشفي بمدينة أربيل تأكد أنهم تعرضوا لأسلحة كيماوية. وأكدت المنظمة حينها أن ذلك يعتبر جريمة حرب؛ لأن استخدام المواد الكيماوية يصيب المدنيين والعسكرين كما أنه يمثل تهديدًا لكلٍّ من المدنيين والمقاتلين على السواء، خاصة في مدينة تشهد تكدسًا سكانيًّا مثل الموصل. وفي ضوء تلك الحوادث فإنه على المؤسسات والدول التي تؤمن بحقوق الإنسان أن تتخذ إجراءات من شأنها الحفاظ على المدنيين، وتحثهم على استخدام كمامات وأقنعة لاصقة يمكن توزيعها بسرعة، إضافة إلى ذلك فإنه على المؤسسات المعنية أن تعلم المدنيين الاحتياطات الواجب اتخاذها للحماية من مخاطر الغازات السامة.
ويوضح مرصد الأزهر أن تنظيم داعش الإرهابي ربما ينهج نهج تنظيم القاعدة؛ إذ سبق وأن حاول تنظيم القاعدة تصنيع مادة الرايسين في المملكة المتحدة. ومما لا يخفى على أحد أن حرب تنظيم داعش بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية أمر في غاية الخطورة يستلزم أخذ الأمر على محمل الجد نظرًا لبشاعة تداعياته، ويؤكد المرصد على ضرورة اتخاذ خطوات جادة للتصدي لهذا التنظيم الإرهابي من خلال إعادة تأهيل أصحاب الأفكار المتطرفة ودعم برامج المراجعات الفكرية، مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد استخدام وتصنيع تلك المواد المحرمة دوليًّا؛ لأن هؤلاء الإرهابيين ليس لديهم رادعٌ من أخلاق أو إيمان يمنعهم من استخدامها ما لم يتم مراجعتهم فكريًّا، فهم يعتقدون بأن كل كافر حلال الدم وأن كل مخالفٍ لهم هو كافر؛ وبذلك يكفرون القاصي والداني ولا يرقبون في الإنسانية إلًّا ولا ذمة.
وحدة رصد اللغة الإنجليزية