الجماعات المتطرفة

 

30 يونيو, 2018

دور منظمات المجتمع المدني في إعادة تأهيل وإدماج المتطرفين

    في الوقت الذي تجري فيه الأمم المتحدة، والدول الأعضاء بالمنظمة، المراجعة السادسة لإستراتيجية مكافحة الإرهاب العالمية هذا الأسبوع ، فإن أحد الأسئلة الشائكة المتعلقة، بالتعافي من آثار الإرهاب والتطرف العنيف هو: ما الذي يجب فعله مع المجرمين، عندما يعودون إلى مجتمعاتهم المحلية؟
ففي العراق وسوريا ، على سبيل المثال ، انضم ما يقدر بـ 40000 من المقاتلين الإرهابيين الأجانب، من أكثر من 110 دولة، إلى ما يسمى بتنظيم داعش، في السنوات التي نشط فيها ، والآن حوالي 5600 من 33 دولة عادوا إلى ديارهم ،فضلًا عن استقطاب جماعات مثل بوكو حرام في نيجيريا، وحركة الشباب في الصومال -نصيبها من المقاتلين ، محليًّا وإقليميًّا.
وتواجه الحكومات التحدي المتمثل في، تحديد هؤلاء الأفراد واحتجازهم، ومحاكمتهم، وإصدار الأحكام عليهم، والحقيقة هي أن الكثيرين سيهربون من المقاضاة، بسبب عدم كفاية الأدلة، أو سوف يتهربون من التحقيق، عند عودتهم إلى مجتمعاتهم، وسواء تم احتجازهم ومحاكمتهم أو لا ، فإنه من المرجح أن يحتاج المجرمون المتطرفون المتَّسمون بالعنف، إلى مساعدة بخصوص العوامل التي أدت إلى انخراطهم في التطرف العنيف.

ورغم أن الحكومات تتحمل المسئولية الأساسية، عن التطوير والتنفيذ والتنسيق الدقيق، لمبادرات إعادة التأهيل والإدماج ، فإن اتِّباع نهج مجتمعي متكامل متعدد الأبعاد، يشمل منظمات المجتمع المدني (CSOs) هو أمر ضروري أيضًا. ويسلط قرار مجلس الأمن رقم 2396 الضوء على مثل هذا النهج الشمولي ، الذي يدعو فيه المجلس الدول الأعضاء إلى العمل مع المجتمعات المحلية، وممارسي الصحة العقلية والتعليم، حيث تلعب منظمات المجتمع المدني أدوارًا متعددة في عملية اعادة التأهيل والإدماج.
ففي شمال شرق نيجيريا، على سبيل المثال ، تقدم إحدى منظمات المجتمع المدني، المشورة النفسية المتعلقة بالصدمات النفسية والاجتماعية، لكل من ضحايا بوكو حرام والجناة السابقين، وفي الصومال تعمل منظمة مجتمع مدني أخرى على تعزيز المهارات المهنية والتجارية للمقاتلين السابقين، والشباب المهمش للمساعدة في التمكين الاقتصادي.
كذلك في إندونيسيا ، تقوم منظمات المجتمع المدني بتشغيل المتطرفين السابقين في وظائف الطهاة والنوادل بالمطاعم ، وهو نموذج قد يناسب بصورة جيدة العديد من الطهاة العائدين، من تنظيم داعش.

ومع ذلك ، وبينما تنخرط الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، في الجهود الرامية إلى إعادة تأهيل الجناة، وإعادة إدماجهم، ومعالجة احتياجات الضحايا ، فإنهم يواجهون عددًا من القيود، منها أولاً ، افتقار العديد من الحكومات إلى إطار مفاهيمي أو قانوني، يحدد الإجراءات والحماية والمسئوليات ، ناهيك عن دور منظمات المجتمع المدني في عملية الإدماج.
وثانيًا ، افتقار العديد من منظمات المجتمع المدني، إلى العلاقات مع المسئولين الحكوميين، التي من شأنها تسهيل الشراكات، أو تبادل المعلومات لصالح برامج التأهيل والاندماج، والأسوأ من ذلك أن منظمات المجتمع المدني، ربما يُنظر إليها في بعض الأحيان بشكٍّ وارتياب، وفي بعض الأحيان يكون من الصعب عليهم الوصول إلى السجون، أو مراكز الاحتجاز الضرورية.
وأخيرًا ، فإن العديد من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، تعاني من عجز في الموظفين، الذين لديهم معرفة أو تدريب موضوعي، وكذلك نقص في الوسائل اللازمة لإنجاز عملها، مثل المساعدة القانونية أو المشورة النفسية-الاجتماعية.
وفي الوقت الذي تستعرض فيه الأمم المتحدة والدول الأعضاء إستراتيجية مكافحة الإرهاب العالمية، ينبغي عليها النظر في هذه القيود، وإتاحة الفرص لمشاركة منظمات المجتمع المدني، في برامج التأهيل وإعادة الإدماج ، خاصة مع استمرار مكتب مكافحة الإرهاب، في تعبئة جهود الأمم المتحدة وتنسيقها، ومن ثم يجب أن تشارك منظمات المجتمع المدني منذ البداية، ويجب إعطاؤها المساحة والموارد والوقت الكافي من أجل العمل، لكن لكي تكون منظمات المجتمع المدني فاعلة ، يجب عليها الحفاظ على دورها المحايد والمستقل.
ويؤكد المرصد على ضرورة تضافر الجهود الدولية لمحاربة التطرف، والتعاون مع القطاعات كافة؛ المدنية والحكومية والخاصة، والتنسيق فيما بينهم، مع ضرورة عمل التعديلات الدستورية والتشريعية اللازمة، التي تضمن إزالة المعوقات كافة فى هذا الصدد.
كذلك التركيز على جهود المؤسسات الدينية المعتبرة، التي لها خبرة طويلة فى نشر تعاليم الإسلام الصحيحة والسمحة، مثل الأزهر الشريف، نظرًا لما تتمتع به هذه المؤسسة العريقة، من تاريخ طويل، وذلك لتقديم صحيح المعرفة الدينية داخل مصر وخارجها، وتصحيح الصورة المشوهة التي تلصقها جماعات التطرف بالإسلام، وأيضًا لقدرة هذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات المنتشرة فى دول العالم الإسلامي، على استعادة الخطاب الديني الذي تحاول جماعات التطرف اختطافه، مع إعادة تأهيل عناصر التطرف، من خلال خطاب مقنع وهادف ومنضبط، وتحصين الشباب من الوقوع في براثن هذه الجماعات.


كلمات دالة: مرصد الأزهر