بعد هزيمة داعش في المنطقة التي اتخذتها ــ زعمًا ــ مقرًا لخلافتها، يحسن بنا أن نتجاوز السؤال التقليدي: هل انتهت داعش؟ ذلك أنه لا يمكن الزعم مطلقًا أن أعضاء التنظيم قد قُتلوا كافة، وأن أحدًا منهم ليس على قيد الحياة، وبالتالي، فالشيء المؤكد هو أن داعش سقطت تنظيميًا، لكن فلولها لا تزال في الأنحاء تلملم أوراقها لترى ماذا ستفعل في المستقبل؟! وقد تناول مرصد الأزهر بالتحليل السيناريوهات المتوقعة لبقايا داعش، ويمكن الرجوع إليها لمن أحب.
نعود إلى النقطة الأولى في حديثنا وهي تجاوز سؤال انتهاء داعش إلى أسئلة أكثر جدوى وحيوية في هذا الصدد، وأحد هذه الأسئلة هو كيفية معالجة التأثير الذي أحدثه تنظيم داعش واستطاع به أن يجتذب عددًا كبيرًا من الشباب في الشرق وحتى الغرب، سواء منهم من انضم للتنظيم للقتال أو من لا يزال بعيدًا لكنه يحمل في نفسه تصديقًا لمقولات داعش وأطروحاتها. هذه المعالجة تقوم بالأساس على تفنيد هذه المقولات وبيان موطن الخلل فيها أو فلنقل موطن التلبيس الذي تنتهجه داعش ومن سار على دربها إما عمدًا ــ بقصد التضليل ــ أو جهلًا.
وهذه الجزئية تغطي جزءًا مهمًا من عمل مركز الأزهر العالمي لمكافحة التطرف عبر موقعه الإلكتروني، الذي يحاول تفنيد أطروحات داعش والكشف عن إستراتيجياتها.
بيد أن ثمة دعامة أخرى في هذه المعاجلة تنبني على إظهار مساوئ داعش، وربما يقول قائل وهل في داعش إلا مساوئ؟ لكن ما نقصده هنا هو تناقضات داعش مع دعاواها العامة مثل نصر الإسلام والمسلمين، والالتزام بأحكام القرآن، وغير ذلك من المصطلحات التي تُصدِّر هذا التنظيم على أنه ممثلا عن الإسلام ومتحدثًا باسم أتباعه، أو ارتكابها لجرائم تنافي العقل والمنطق بحيث لا يمكن أن يتقبلها حتى هؤلاء الذين يجدون في أنفسهم ميلًا أو قناعة بداعش وأفعالها لكنهم لم ينضموا للتنظيم ويصبحوا أعضاءً فاعلين، لأن هذا الصنف ــ المقاتل ــ لا سبيل لمحاورته ولا يجدي معه إلا القتال لكن ما يعنينا أكثر هو هؤلاء ممن يمكن إنقاذهم من براثن التطرف؛ لهذا سنحاول في هذا المقال أن نركز الضوء على بعض هذه الأفعال، وربما نواصل هذا المسار لإبراز كافة صور هذه التناقضات.
الصورة الأولى: موقف أخلاقي غير مقبول
داعش تغتصب النساء الأفغانيات
أورد موقع "Reuters" خبرًا بعنوان "أفغانيات يتحدثن عن تعرضهن للاغتصاب من قبل تنظيم داعش" حيث أشار الخبر إلى أن امرأةً أفغانية تعيش في منطقة معزولة شمال غرب أفغانستان تحدثت عن اليوم الذي هاجم منزلَها أفرادٌ تابعون لتنظيم داعش، وطالبوها بالمال الذي وعدهم زوجها بإرساله إليهم، لكنها قالت بأنها لا تملك أي مال، فقام أعضاء التنظيم بتهديدها بقتل أولادها وقتلها، وأمروها أن تذهب معهم وتترك بيتها.
وعلى الرغم من أن سمعة تنظيم داعش بشأن القتل والترويع وقطع الرؤوس داخل أفغانستان وغيرها من الأمور المعروفة، ويتم إبلاغ السلطات والمنظمات المعنية بها، إلَّا أنَّ الجرائم المتعلقة بالاغتصاب والتحرش الجنسي نادرًا ما يحكي عنها الأهالي والنساء رغم انتشار هذه الممارسات ضدهم من قبل أعضاء تنظيم داعش، إذ ترى العديد من سيدات أفغانستان أنَّه من العار لهن ولعائلتهن أن يتحدثن عن الجرائم الجنسية المرتكبة من قبل تنظيم داعش مثل الخطف والزواج بالإكراه والاغتصاب والتحرش لأن هذا سيظل وصمة عار لها ولأهلها، ولذا يلتزم الجميع الصمت وعدم الإبلاغ عن هذه الحالات.
وقالت سيدة أخرى تدعى "سميرة" رفضت ذكر اسمها بالكامل خوفًا من العار والتي هربت هي الأخرى مع أختها بعد خطف تنظيم داعش لهما بأنَّ أفرادًا من التنظيم خطفوا أختها الصغرى وقاموا باغتصابها، وتعاون معهم في ذلك كبير المدينة الذي كان حليفًا وداعمًا للتنظيم، وأكَّدت على أنَّها لن تعودَ مرةً أخرى إلى بلدتها بعد هربها منذ حوالي تسعة أشهر؛ لخوفها من مواجهة مجتمعها وذلك بعد العار الذي لحق بها - وفقا لتعبيرها.
وقد ذكرت "رويترز" أن الجرائم الجنسية الممارسة من قبل تنظيم داعش لم تكن فقط في شمال وجنوب أفغانستان وحسب، بل تحدث العديد من سكان مدن ومناطق أخرى عن أنَّ أهالي القرى والمدن يتفهمون جيدًا ما الباعث الأساسي الذي يجعل قوات داعش تقوم بالهجوم على القرى والمدن، وأنَّ دائمًا ما يكون مطلبهم الحصول على الفتيات: تارة لإجبارهن على الزواج وتارة لاغتصابهن من قبل ميليشياتهم الإرهابية.
الصورة الثانية: هل الخيانة من الدين؟
طالبة بنغالية تحاول قتل مالك العقار الذي تقيم فيه في منزله بأستراليا باستخدام سكين
تناقلت العديد من الصحف الأجنبية خبر قيام طالبة بنغالية بطعن مالك العقار الذي تقيم فيه في منزله أثناء نومه بجانب ابنته الصغيرة، وقد اعترفت الطالبة بمحاولة القتل وقالت للشرطة إنها سافرت إلى أستراليا بقصد وحيد هو قتل شخص نيابة عن التنظيم.
وخلال جلسة العرض، قالت الفتاة البالغة من العمر 25 عاما إنها تريد "إثارة الغرب"، ولذا هاجمت روجر سينجارافيلو، 54 عامًا، بينما كان نائمًا لأنه كان "هدفا سهلا"، فيما أقرت أنه لم يكن لديها ضغينة شخصية ضد السيد سينجارافيلو، وأضافت: "كان من الممكن أن يكون ضحيتها أي شخص، ليس بالضرورة روجر".
كما ورد في سجلات التحقيقات مع المتهمة أنها قامت بتنزيل فيديو من المنصة الإعلامية لداعش "الحياة"، بعنوان "لهيب الحرب"، وقالت إن مشاهدة مقاطع الفيديو جعلتها تشعر بالخسارة، لأنها تعتقد أنها لن تكون قادرة على ارتكاب الجهاد العنيف المصور في تلك الأفلام، وقد أخبرت الشرطة أنها أُمرت بالقتل على يد تنظيم داعش الذي شعر تجاهها بالالتزام الذي كان بمثابة مسؤولية لها، وذلك على حد وصفها.
الغريب في القصة أن المتهمة أعربت عن شعورها بالارتياح بعد الهجوم، وقالت: "أمام الله أستطيع فقط أن أخبره بأنني حاولت ذلك". جدير بالذكر أن المتهمة قد دخلت الإسلام منذ 2012 وكانت تشعر بأنها غريبة وسجينة لأنها كانت الوحيدة في عائلتها على هذا النمط الذي عبرت عنه بالالتزام، وقد كانت تشاهد مقاطع فيديو لشيوخ داعش ــ من بينهم أنور العولقي" ــ التي كانت متاحة عبر الإنترنت.
إذن من خلال كلام الطالبة نفسها ندرك أنه لم يكن ثمة خلاف شخصي مع المالك، بل إنها كانت ستقتل أي شخص فقط لتقتل باسم الدولة؛ فأي دين هذا الذي يأمر بذلك؟ وما الجرم الذي اقترفه مالك العقار ليكون هذا جزاؤه؟ هل أباح الإسلام سفك الدماء؟ هل مجرد كونه غربيًا هو ما أباح لها أن تقتله؟ لا شك أن أي شخص مهما تطرفت أفكاره سيرى في هذا الفعل أنه جريمة وأنه ينافي الدين – أي دين، وأن الإسلام قد حرم تحريما قاطعًا سفك الدماء وإزهاق الأرواح، وأكد على أن من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وأن من قتلها فكأنما قتل الناس جميعا، وأنه مهما اختلفت المسميات، فهو خيانة لهذا الملك الذي وثق فيها. وما هذا إلا لأن الطالبة، حديثة الإسلام، استمعت إلى بعض خطب ومقالات داعش، فكان هذا هو الدين في وجهة نظرها، بل إن حافزها يوم الجريمة كان المقطع المرئي "لهيب الحرب".
الصورة الثالثة: وضع مأساوي
أطفال داعش الأيتام في طي النسيان
تناول موقع "eurasiareview" قضية أطفال مقاتلي داعش الأجانب الذي انضموا للقتال في ليبيا، وكيف أصبح وضع هؤلاء الأطفال بعد طرد التنظيم من ليبيا إنهم أطفال لا ذنب لهم، يواجهون الآلام واليتم بالإضافة إلى أن بعضهم قد جُرح وأُصيب أو بترت أعضاء من جسده خلال المعارك.
وقد ذكر نجيب الرايس، رئيس فرع الهلال الأحمر بمصراتة أن هؤلاء الأطفال باقون في دار أيتام محاط بسور تحرسها ميليشيا محلية حيث ترعاهم منظمة لم يكن في حسبانها أن تمتد فترة رعايتها لهم عدة أشهر، علاوة على أن الهلال الأحمر المحلي أنفق أكثر من نصف مليون دينار (350 ألف دولار) على العلاج والرعاية الأساسية اللازمة للأيتام. وقال الرايس: "إن الحكومة، والمجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية وجميع المنظمات الدولية التي تحدثت عن الإنسانية قد خدعونا جميعاً، فالجميع وعد بالكثير من المساعدة، لكنها كانت مجرد كلمات ولم يلتزم أحد بوعوده، والآن نحن وحدنا".
لكن المحزن في الموضوع أن هؤلاء الأطفال الذي ينشؤون في هذا الجو حيث لا والد ولا والدة، فضلًا عن أنه لا أحد يعلم ما يكون مصير هؤلاء الأطفال إذا طالت المدة ونسيتهم المنظمات الدولية، المحزن هنا هو أن هؤلاء الأطفال لا يدركون أن والديهم كانوا ينتمون لداعش ولا يفهمون كل ما حدث، فما ذنب هؤلاء الأطفال الذين يعيشون بمكان أشبه ما يكون بالسجن، بالإضافة إلى الضرر النفسي والجسدي الذي تعرضوا إليه أثناء المعارك.
والسؤال هنا ما المكسب الذي جناه هؤلاء المقاتلون مقابل التضحية بكل شيء حتى بأبنائهم؟ هل نصروا الإسلام حتى نقول إنه ربح دونه كل خسارة؟ والإجابة لا، لم ينصروا الإسلام، لقد فسد حالهم وأفسدوا العالم من حولهم، وتلك عبرة لمن يعتبر.
وحدة الرصد باللغة الإنجليزية