الأطفال هم شباب الغد وتنعقد عليهم آمال المستقبل، ودائمًا ما يحرص الآباء على أن يكون مستقبل الأبناء ومكانتهم الاجتماعية أفضل، حيث يجاهد الآباء في تلبية كل احتياجات الأبناء حتى لو كان الثمن صحة الآباء؛ فالأبوة –باختصار- تضحية، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الولدُ مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ".
في المقابل: تتبنّى التنظيمات الإرهابية (على اختلاف مسمياتها وأيدولوجياتها) في اغتيال براءة الأطفال (ضمن صراعها على السلطة والنفوذ) إستراتيجيةً من ثلاثة محاور؛ تبدأ بتدمير المنظومة التعليمية ونشر الجهل، ثم تجنيد الأطفال، وأخيرًا استخدامهم كأدوات حربية ودروع بشرية، بحيث أضحى الأطفال موردًا أساسيًّا للتنظيمات الإرهابية، يضمن لها البقاء والاستمرارية، ويُستغل في ذلك الفراغُ الأمني والفقر والإرهاب والاستغلال الجنسي.
المحور الأول.. المنظومة التعليمية:
تدرك التنظيمات الإرهابية جيدًا دور العملية التعليمية في بلورة الوعي الجماعي، وبالتالي وضعت الخُطط والبرامج المتقنة للقضاء على المنظومة التعليمية داخل المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ولم يقتصر الأمر على إغلاق المدارس الحكومية وإرهاب الطلبة والمدرسين على السواء، وإنما تخطّاه إلى إنشاء مدارسَ قائمةٍ على تدريس مناهجَ إرهابيةٍ، تستهدف بالأساس تزييف الوعي المجتمعي والديني، وتستبدل الانتماء للجماعة بالوطن.
وتخلق جيلًا من أشرسِ الإرهابيين تقتضي مهمتهم نشر الفوضى والإرهاب باسم تطهير المجتمعات، وللأسف الشديد، فقد تمكنت الجماعات الإرهابية في ضوء الضعف الحكومي والفراغ الأمني، من تدمير المنظومة التعليمية ودشّنت لما يمكن أن نُطلِق عليه: عملية الإرهاب التعليمي.
وكان "مرصد الأزهر" قد أَعَدَّ في وقتٍ سابق دراسةً وافية عن مناهج "داعش" التعليمية في العراق، وأكد استعانة التنظيم بمجموعةٍ كبيرة من الخبراء والمتخصصين في وضع هذه المناهج الدراسية، التي تستهدف إنشاءَ جيلٍ مقاتل؛ من خلال الاستشهاد بعددٍ من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المقطوعة من سياقاتها، وتؤسّس لمبدأ "الفِرْقة الناجية" بشكلٍ غيرِ صحيح.
في السياق ذاته، كشفت وزارة التعليم الأفغانية أن عدد المدارس المغلقة، بلغ نحو 17800 مدرسة مغلقة بشكل دائم أو مؤقت جرّاءَ التهديدات الإرهابية؛ ما أدّى إلى حرمان نحو 9 مليون طفل من التعليم بسبب التهديدات الأمنية.
المحور الثاني.. تجنيد الأطفال:
يعتمد تنظيم داعش الإرهابي أساليبَ تحريضيةً في جذب الأطفال، حيث يوفّر التنظيم عددًا من الأنشطة الترفيهية والأجواء الخاصّة، التي غالبًا ما يفتقد إليها الأطفال بسبب النزاعات، ويتبنّى التنظيم (بحسب تقاريرَ صحافيّةٍ) إستراتيجية من ستة محاور في تجنيد الأطفال، تبدأ بالإغواء من خلال لقاءات غير مباشرة مع أعضاء التنظيم في المناسبات العامة.
يليها: مرحلة التعليم، وفيها تزداد كثافة التلقين، فضلًا عن اللقاء المباشر مع قيادات التنظيم، وصولًا إلى مرحلة تدريب الطفل على اكتشاف قدراته، ثم تبدأ عملية الإخضاع وبرمجة عقلية الطفل من خلال مجموعة من التدريبات الجسدية والنفسية التي تضمن العزل عن الأسرة، وتوحيد الزي، وتعميق شعوره بقيَم التنظيم، وبعد ذلك، يسعى التنظيم إلى تعزيز خبرات الطفل قبل تكليفه بالمهام وَفْقًا لقدراته.
فحركة "بوكو حرام" تتبع معاييرَ مزدوجةً في التعامل مع الأطفال طبقًا للنوع؛ إذ تُجبِر الفتياتِ على الزواج بأعضاء الجماعة، ومن ثَمَّ تكليفهن بتنفيذ عمليات إرهابية؛ تقول إحداهن: "جاءوا إلى قريتنا بالبنادق وقالوا لنا: إنهم يريدون الزواج منا، قلنا: لا، نحن صغيراتٌ جدًّا؛ لذا تزوجونا عَنْوَةً"، وأردفتْ: "يأتينا القادة ويسألون: من تريد تنفيذ عملية انتحارية؟ من ثَمّ تصرخ الفتيات: أنا أنا أنا، حتى إنهن كن يتقاتلن للقيام بالمهمة.. في البداية كنتُ أتخيّل أنهن مغسولاتُ الدماغ، لكن تبيّن أنهن يُرِدْنَ فقط الهروبَ من بوكو حرام".
بينما تستغل الحركة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والإرهاب والتهديد، في تجنيد الذكور واستخدامهم كأدواتٍ في العمليات الإرهابية، أو من أجل جمع معلومات وتنفيذ المَهامّ التي لا تحتاج إلى مجهود بدني، وتحت وطأة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يُقبِل الشباب الصومالي -بحسب الكاتبة "ميا بلوم"، المتخصصة في شئون الإرهاب- على الالتحاق بـ "حركة الشباب" الإرهابية؛ لأنها توفّر لهم المالَ والأمن والحماية والسلطة، وهذا قد يبدو خيارًا جذّابًا في مقابل الفقر والجوع؛ حيث يحصل الطفل على راتبٍ شهريّ يترواح بين 30 _ 50 دولارًا، مقابل الخِدمات المسلحة، وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية؛ تَعَرّض العديد من الأطفال داخل "حركة الشباب" للجَلْد، وشهدوا انتهاكاتٍ مروِّعةً، بما في ذلك الرجم بالحجارة، وحالات بتر للأطراف، وأعمال قتل.
كذلك كانوا شهودًا على مقتل أو تعذيب أقاربهم وأصدقائهم؛ يقول الطفل جعفر، البالغ من العمر 13 عامًا، والذي قُبض عليه أثناء تنفيذ إحدى عمليات الحركة:" أريد فقط أن أعيش حياة طبيعية، كنت أرغب في دخول المدرسة، قالوا لي: إنهم سيوفّرون لي التعليم المجاني، لم أكن أتصور أنني سأكون في مثل هذا الموقف".
وفي أفغانستان؛ تلجأ التنظيمات الإرهابية إلى إرهاب الأطفال، والتنكيل بهم بالشكل الذي يدفعهم إلى الانضمام لتلكم التنظيمات بحثًا عن الأمان، حيث ازداد عدد الأطفال ضحايا العمليات الإرهابية، وهذا بخلاف عمليات قطع الرءوس.
حيث نشرت مصادرُ صحفيةٌ حديثًا، خبر تنفيذ تنظيم داعش الإرهابي حكم الاعدام في طفل وقطْع رأسه؛ بتهمة مساعدة قوات الشرطة المحلية، وقد انتقدت منظمة الأمم المتحدة ارتفاع وتيرة الانفجارات المتتالية التي تستهدف الأطفال على وجه الخصوص.
المحور الثالث.. استخدام الأطفال
تتنوّع استخدامات الأطفال داخل التنظيمات الإرهابية؛ ما بين المشاركة في المعارك، أو القتل، أو تنفيذ عمليات تفجيرية؛ فقد سلط تقريرٌ للأمم المتحدة الضوءَ على الاستخدام المُمَنْهَج من قِبَل تنظيم داعش الإرهابي للأطفال دون الـ18 كجَلّادين، متحدّثًا عن المقاتل الذي يبلغ عمره 16 عامًا، والذي نفّذ عملية قطع رأس جنديين، كان التنظيم قد اختطفهما من قاعدة "طبقة" الجوية بمدينة "الرَّقَّة".
كما أظهر شريط فيديو آخَر طفلًا لا يتعدّى عمره 8 سنوات، وهو ينفّذ حكم الإعدام في رجلين اتهمهما التنظيم بأنهما جاسوسان للدولة الروسية.
أما بالنسبة للعمليات التفجيرية، فقد أعلن مسئولٌ أمنيّ بدولة نيجيريا؛ تورُّط طفلتين بتفجير نفسيهما داخل أحد أسواق مدينة "مايدوجوري"، بإقليم "بورنو"، شمالَ شرقِ نيجيريا؛ ما أسفر عن مقتل شخص ووقوع العديد من الإصابات.
وأضاف: "أن الطفلتين اللَّتَيْنِ فجّرتَا نفسيهما هما في السابعة والثامنة من العمر، وذكَر أنه رأى الطفلتين قد نزلتَا من إحدى العربات، ثم اتجهتا إلى أحد المباني التي تحتوي على العديد من المحلات، ثم قامَا بتفجير نفسيهما". وقالت منظمة "اليونيسيف" في وقتٍ سابق من هذا العام:" إنّ واحدًا من كل خَمْسِ هجماتٍ انتحارية تتبنّاها الجماعة المسلحة في نيجيريا والكاميرون وتشاد، يُنفّذها الآنَ أطفال".
في السياق ذاته، تستخدم حركة "طالبان" الإرهابية الأطفال في نقل المواد المتفجرة في مدرسةٍ شرقَ أفغانستان، وكانت قوات الأمن الأفغانية قد نجحت في تفكيك كمية من المتفجرات، زرعها طالبٌ يبلغ من العمر 8 سنوات؛ امتثالًا لأمر القيادات.
كما اعتقلت قوّاتُ الأمن الطفلَ "بشير أحمد"، ويبلغ من العمر 16 عامًا، بعد انفجار قنبلةٍ كان هذا الطفل قد زرعها بأمرٍ من "طالبان"، على جانب الطريق في قرية "بشتونكوت"، في "فارياب"، واعترف الطفل؛ بأن القياديّ في حركة "طالبان"، مولوي "بركت الله"، قد أمره بزَرْع هذه القنبلة؛ لاغتيال ضابط شرطة.
وأضاف "بشير أحمد": أنه بعد مرور شهر من زَرْع القنبلة وعدم تفجيرها هدّدته الحركة بالقتل وهدّدت أسرته بالحرق، وبعد هذه التهديدات اضْطُرّ إلى تفجير القنبلة، وتابَعَ قائلًا : "لقد فجّرتُ القنبلة في الوقت الذي غادرت فيه قوات الأمن، ولم يُصَبْ أحدٌ بضرر، وقد تعمّدتُ فِعْلَ ذلك كي لا يصابَ أيُّ شخص".
وكانت وسائلُ إعلامٍ محسوبةٌ على تنظيم "داعش" قد نشرتْ فيديو لحفلِ تخريجِ عددٍ من الأولاد داخل صفوف التنظيم، ونقل تقرير (Business Insider) عن ناشطٍ محليٍّ قولَه: "لقي أكثرُ من 30 طفلًا كانوا يقاتلون في صفوف داعش مصرعهم في المعارك، ضد القوات الكردية في مدينة كوباني".
كما نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، نقلًا عن مصادرَ مواليةٍ للتنظيم، صورَ أصغرِ مقاتلٍ أجنبي يُقتل في معركة، ولم يكن يتعدّى العاشرة من العمر.
وأخيرًا؛ نرى أن التنظيماتِ الإرهابيّةَ تشترك -على اختلاف مسمياتها وأيدولوجياتها- في استغلال الظروف الأمنية والاقتصادية والبيئية في تجنيد الأطفال، واستخدامهم كقنابلَ موقوتةٍ تُهَدِّد البشرية، وتضمن في الوقت نفسِه لهذه التنظيمات البقاءَ والاستمرارية.
وتأهيل هؤلاء الأطفال سوف يحتاج إلى سنواتٍ طويلة من العمل على تنقية أذهان هؤلاء الأطفال من الأفكار الإرهابية؛ من خلال إعادة دمجهم بالمجتمع وتوفير بيئةٍ آمِنةٍ خاليةٍ من سوء الاستغلال.
وحدة الرصد باللغة الفارسية