الجماعات المتطرفة

 

23 أبريل, 2019

هؤلاء .. ليست الشريعةُ غايتهم!

     إذا ما وقع أحدهم في قيود الأسر والاعتقال، ثم سُئل عن السبب أو الدافع وراء عمليات القتل والتخريب والدمار وترويع الآمنين التي يقومون بها ويعيثون بها في الأرض فسادًا، كان ردُّه ببساطةٍ - وإنْ شئنا سميناها سذاجةً - أنَّهم يفعلون ذلك لإقامة شرع الله في الأرض!
وهنا يبرز على الساحة العديد من التساؤلات حول مدى صدق هذه المقولة؟ فهل حقًّا يأمرُ شرع الله بقتل النفس وترويع الآمنين؟ هل حقًّا طلب الشرع من هؤلاء وأمثالهم أن يعيثوا في الأرض فسادًا؟ أو أنَّ هذا الشرع نفسه الذي يدّعون أنَّهم يتحدثون عنه هو الذي أمر بإعمار الأرض وبناء الحضارة عليها، بل وشجّع البشر جميعًا على العيش في سلامٍ ووئامٍ ومحبةٍ؟!
لا شك أنَّ الثانية هي الإجابة الصحيحة التي لنْ يتردّد في قبولها من له أدنى مسحةٍ من عقلٍ أو بصيرة. لن نستدلَ في معرض حديثنا هنا بآياتٍ قرآنيةٍ كريمةٍ أو أحاديثَ نبويةٍ مطهرةٍ، فكلُّها جليةٌ واضحةٌ قاطعةٌ في تحريم سفك الدماء بغير حقٍ أو ترويع الآمنين، ولكن يكفينا في هذا الصدد أنْ نستشهدَ بما يحدث على أرض الواقع وأنْ نتأمّله حقًّا؛ حتى يتبيَّن لنا الخبيثَ من الطيب والغثّ من السمين.
في الفلبين، وبالتحديد جزيرة مينداناو، ثاني أكبر جزر الأرخبيل الفلبيني، ‏وافق الناخبون بنسبةٍ تربو على 85% على مشروع قرارٍ يمنح المناطق ذات الأغلبية المسلمة من الجزيرة التمتُّع بحق الحكم الذاتي وذلك في يناير الماضي، لا سيَّما وأنَّ غالبية ساكني الجزيرة من المسلمين الذين يبلغ تعدادهم هناك نحو 700.000 في حين يبلغ تعدادُ المسيحيين آلافَ عدة.
ووفق هذا القرار، فإنّ للمسلمين في هذه المنطقة في الفلبين الحقَّ في ممارسة شعائرهم وعقائدهم بكل أريَحيّةٍ وأمانٍ. وبعد حصول الإقليم على الحكم الذاتي، إذ بجماعة أبي سياف الإرهابية تشن هجومًا على كنيسةٍ في البلاد نتج عنه مقتلُ ما يزيد على عشرين شخصًا، وجُرِح حوالي سبعون آخرون من المصلين، وروّاد هذه الكنيسة من الآمنين، والسؤال الذي يفرضُ نفسَه بقوةٍ في هذا الصدد: ما الدافع وراء هذا الهجوم؟!
لاريبَ أنَّ الإجابةَ تتمثل في واحدةٍ من اثنتيْن: إما أنَّ الجماعة الإرهابية قد كانت تريد الحصول على الحكم الذاتي للمسلمين، وها هم قد حصلوا عليه بالفعل، وعليه يكون السؤال: لِمَ الهجوم إذن؟ أو أنَّ الجماعة الإرهابية بهذا الهجوم لا تريد لهذه المنطقة من العالم أنْ تستقرَّ، وعليه قامت بهذا الهجوم غير المُسوغ الذي من الممكن أنْ يؤديَ إلى تقويض مصالح المسلمين في هذا الجزء من العالم.
يبقى التساؤلُ إذنْ قائمًا حول السبب الرئيس وراء هذا الهجوم الإرهابي غيرِ المُسوغ على هذه الكنيسة؟! والحقُّ أنَّ الإجابة على هذا التساؤل لا تعدو كونها تقريرًا للحقيقة التي يعرفها القاصي والداني من أنَّ هؤلاء الإرهابيين لا يهدفون بحالٍ لإقامة شرع الله في الأرض، وإنَّما هي مصالحُهم الشخصية التي يلهثون وراءها من جمع مالٍ أو عَرَضٍ زائل من الدنيا أو زعامةٍ فاسدةٍ، بالقنا والقنابل على رؤوس غيرهم وأجسادهم تارة، وبترويع الآمنين تارة أخرى، وهكذا دواليك؛ إذْ لو فَقِه هؤلاء الإرهابيون الدِّينَ، لما ارتكبوا مثل هذه الجرائم النكراء، فقد فاتهم أن الدين الحنيف قد أوصانا بحسن معاملة الآخر، وتقبُّله على اختلاف دينه أو عِرْقه أو جنسه أو لونه أو لغته.
وفي هذا الصدد، يُحذّر مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرف الشبابَ من الوقوع في براثن هذه الجماعات الإرهابية المتطرفة التي لا تعرف شيئًا عن صحيح الدين، مؤكدًا أنَّ تعاليم الإسلام وكل الشرائع السماوية والأعراف الدولية تُقرّرُ حرمة الإنسان، وتُجرِّمُ الاعتداء عليه، وعلى دور العبادة بأي شكلٍ من الأشكال.


وحدة الرصد باللغة الإنجليزية