الجماعات المتطرفة

 

21 أبريل, 2016

إستراتيجية داعش في ليبيا في ظل المعطيات الدولية والإقليمية

 مرصد الأزهر الشريف – وحدة اللغة الفرنسية​

​تقرير يحدث بصفة دورية من بداية عام 2016

محتوى التقرير :

•مقدمة
•نظرة على تطور الأحداث في سطور.
•لماذا اختار داعش ليبيا؟
•هل ليبيا هي "الورقة الرابحة" لتنظيم داعش؟
•تنظيم داعش المتجذر في منطقة سرت؟!
•هل يجب التدخل في ليبيا 
•الإستراتيجية الفرنسية لمواجهة تنظيم داعش في ليبيا.
•الوضع الحالي بعد اتفاق المصالحة
•خاتمة

 

في هذا التقرير :
•سلاح داعش في ليبيا: التسريع في انهيار الدولة وتقويض مشاعر القومية المشتركة لدى الليبيين.
•مخطئ من يعتقد أن الأسوأ نشهده حاليًا في سوريا والعراق، لأن القادم في ليبيا سيكون أمرَّ أو ربما لم نره من قبل.
•الخشية ألا يلتفت المجتمع الدولي (بشكل فعال) للوضع في ليبيا إلا بعد فوات الأوان. فلا الاجتماعات في الفنادق الفخمة، ولا تصريحات التضامن تحت أضواء الكاميرات، ستنقذ ليبيا من غدها المظلم. وحده التقدير الدقيق لخطورة الأمر والتحرك العاجل للمجتمع الدولي بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، كفيل بإعادة توجيه المسار الليبي بعيدًا عن الهاوية.
 
 
 

مقدمة :

تعد ليبيا ذات موقع جيوستراتيجي هام بالنسبة لمصر من ناحية، وبالنسبة لأوربا من ناحية أخرى، وأي أحداث تقع في ليبيا نجد صداها بشكل فاعل وسريع في هذا المحيط، وهذا ما دفعنا لمحاولة استقراء الأحداث، ومحاولة تصور مدى ما يمثله وجود داعش في ليبيا من إشكالية حقيقية، لا سيما وأن ليبيا تمثل عمقًا إستراتيجيا للدولة المصرية مما يستوجب المتابعة الدقيقة، لأن أي حدث يقع على هذه الساحة يكون له انعكاسات مباشرة على أمننا القومي، وفي هذا الإطار قامت وحدة اللغة الفرنسية بمرصد الأزهر الشريف بمتابعة التقارير والمقالات التي حررت باللغة الفرنسية والتي تتناول هذا الموضوع.

يأتي ذلك في الوقت الذي يتنبأ فيه كثير من المراقبين مثل: الكاتب الفرنسي ميري دوتي، في صحيفة "Le point" الفرنسية، بوقوع حرب قادمة في ليبيا لابد أن تستعد لها الدول الأوربية الكبرى، في حين كشف تقرير أمريكي عن تضاعف عدد من انضموا لصفوف تنظيم داعش في ليبيا، حيث بلغ عدد مقاتلي تنظيم داعش في ليبيا 5000 مقاتل، من بينهم 50% من الأجانب، وفي الوقت نفسه انخفض عدد مقاتلي التنظيم في العراق وسوريا ليصل إلى ما بين 19000 - 25000 مقاتل، في الوقت الذي كان يُقدَّر منذ 6 أشهر، بنحو 30000 مقاتل، وذلك بسبب تأثير الضربات التي يشنها التحالف الدولي ضد مقاتلي تنظيم داعش، والتي تسببت في مقتل العديد منهم، الأمر الذي دفع معظم مقاتلي داعش إلى الفرار إلى الدول المجاورة، وبالأخص إلى ما أسموه أرض الجهاد الجديدة بليبيا، وذلك طبقًا للإستراتيجية التي يتبناها "خليفة" داعش، أبو بكر البغدادي.

 

 

  • لماذا تختار "داعش" ليبيا، وتحاول التمركز فيها؟ هل هربًا من أتون المعارك في الأراضي التي تسيطر عليها في العراق وسوريا؟ أم لتوسيع ما يسمونه "دولة الخلافة"؟ أم خلق بؤرة صراع جديدة لتنفيذ أجندات معينة؟

تلك أسئلة تحاول المقلات والتقارير الإجابة عليها، وبقراءة في التحليلات لاسيما تلك التي قدمها الكاتب الفرنسي (ميري دوتي) نجد أن اختيار ليبيا لداعش يرجع إلى ثلاثة أسباب:

  • ا: غياب الدولة الذي يسمح لأي تنظيم بالاستقرار دون مواجهة حقيقية، وبالتالي يتمكن تنظيم داعش من إقامة تحالفات في منطقة تتسم بالانقسام، ويسيطر على الوضع هناك حكومتان، وبرلمانان، وثلاث مناطق متضاربة، والعديد من الميليشيات، والقبائل الكبيرة، وأحزاب متعددة. وقد أكد كل من (كيفن كايسي) الباحث المتخصّص في السياسة والأمن والثقافة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و(ستايسي بولارد) الباحثة الميدانية والمتخصصة في العلوم السياسية المقارنة، والمتخصّصة في شئون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على أن  تنظيم داعش يركّز إستراتيجيته على تسريع انهيار الدولة الليبية بدلاً من الاستيلاء على أراضيها؛ مما يدل على أن مسار التنظيم داخل ليبيا يعكس إستراتيجيته العراقية التي سعت إلى زيادة مزاياه التنافسية إلى أقصى حد على المستوى المحلي، وهو ما دعا التنظيم إلى نقل مقره من درنة إلى سرت وهو قرار إستراتيجي؛ لأنه يرى أن سرت تؤمّن فرصاً أكبر للتنظيم مقارنة بدرنة.

لكن وعلى النقيض من العراق وسوريا، لا تتوافر في ليبيا بعض الظروف الأساسية التي تسمح لتنظيم داعش بتحقيق مكاسب سريعة في المشرق خلال الصيف المنصرم؛ فالتنظيم يفتقر إلى الروابط الراسخة مع القبائل والمجموعات الاجتماعية الليبية النافذة، كما أنه لا يوجد في ليبيا انقسام مذهبي قوي، أو عدو مشترك يمكن حشد الدعم ضده،  لذلك تبدو إستراتيجية تنظيم داعش في ليبيا موجّهة، بدلاً من ذلك، نحو التسريع في اتجاه انهيار الدولة وتقويض مشاعر القومية المشتركة لدى الليبيين. وفي غضون ذلك، يعمل التنظيم أيضاً على تعزيز الظروف التي من شأنها أن تتيح له ترسيخ نفوذه وبناء هوية وطنية دينية تنسجم مع آرائه في قضية الخلافة.

  • : تعتبر منطقة ليبيا غنية بالنفط الذي يطمع فيه "خليفة" داعش، والذي يتوجب عليه إعادة بناء احتياطيات التنظيم المالية، والتي انخفضت بسبب انخفاض أسعار النفط الخام، وبسبب تفجيرات أبار النفط في العراق وسوريا، وكذلك بسبب تفجير الشاحنات التي تنقل الذهب الأسود، وحتى تفجير بنك تنظيم داعش في الموصل، وكما تشير الوثيقة المنشورة من قبل "خزانة داعش" فإن التنظيم قد خفض راتب مقاتليه إلى النصف (من 400 دولار إلى 200 دولار شهريًا).
  • : موقع ليبيا الجيوسياسى حيث تقع على حافة منطقة الساحل، مما يسمح لتنظيم داعش بالتوسع نحو غرب إفريقيا، ومحاولة التحالف مع بوكوحرام التى تنشر الرعب في نيجيريا، وفي منطقة بحيرة تشاد، جنوب النيجر وشمال الكاميرون.
  • ماهى الإستراتيجية التى تتبعها داعش إذن؟

من خلال استقراء الأحداث، نرى أن تنظيم "داعش" يحاول عرقلة وصول أي سلطة حاكمة في ليبيا إلى النفط، مما يمكن أن يحقق - وفي وقت سريع - انهيار ليبيا عبر التسبب في تفاقم مشكلات الدولة المالية وتقويض قدرة الحكومة على تأمين السلع والخدمات، وتحاول جريدة (لوموند) الفرنسية أن تفسر ذلك من خلال الأحداث التي تسعى لتجميل الوضع في الوقت الذي تسعى فيه الأمم المتحدة لترسيخ عملية السلام في ليبيا، ولهذا يقوم فرع داعش الليبي من آن لآخر - كما حدث في5،4 من يناير - باستهداف محطات النفط الرئيسية في البلاد.

كما استطاع التنظيم إشعال النيران في خمسة خزانات للنفط في السابع من شهر يناير في مدينة سدرة وخزانين آخرين في رأس لانوف، وهذان الميناءان مغلقان منذ ديسمبر 2014م، وكانت قدرتهما التصديرية 35 – 40% من النفط الخام المصدر من ليبيا، وفي الوقت الذي يغطي فيه الدخان، الناتج من حرق خزانات الوقود، سماء سدرة ورأس لانوف، وقع هجوم انتحاري قام به أربعة أشخاص بسيارة مفخخة، دمروا خلاله مركز خفر سواحل مدينة زليتن، على بعد 50كم غرب مصراتة، مما أسفر عن مقتل 47 شخصًا على الأقل.

وتشير الهجمات المتعددة على المنشآت البترولية حول مصراتة، إلى أن تنظيم داعش يطمح في السيطرة على شرق وغرب معقله في مدينة سرت. كما حذر موفد الأمم المتحدة إلى ليبيا (مارتن كوبلر) حينها أن كل يوم يمر دون الوصول إلى حل سياسي يصب في مصلحة تنظيم داعش، الذي يسعى للاستيلاء على الموارد النفطية في ليبيا. كما قال رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا في بيان له: "كل يوم يمر دون المصادقة على الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات يمثل مكسبًاً لتنظيم داعش، وربما سيفسر لها ذلك فيما بعد لماذا اختارت "داعش" ليبيا وما إستراتيجيتها في ذلك".

 

من ناحية أخرى، يسعى التنظيم إلى تعبئة السكان المتعاطفين معه في سرت. كما في العراق وسوريا، ويعطي تنظيم داعش في ليبيا الأولوية لبناء الشبكات وجهود التجنيد التي تستهدف الأشخاص والمجتمعات المهمَّشة، ففي سرت، مسقط رأس معمر القذافي، حيث لقي مصرعه، مدّ التنظيم يده إلى القبائل التي كانت موالية للنظام السابق ولديها تاريخ طويل من النزاع مع مصراتة، في الواقع عمد تنظيم داعش مرارًا وتكرارًا إلى مهاجمة قوات مِصراتية في سرت والمناطق المحيطة بها، واستفزازها، وبهذه الطريقة يعمل على  شحن القبائل التي كانت موالية للنظام السابق، مثل قبائل القذاذفة والفرجان وورفلة، والتي تشعر بغيظ شديد من التأثير المتزايد الذي تمارسه مصراتة في حوض سرت منذ اندلاع الثورة.

ونظرًا لموقع سرت، القريب من الجبهة الأمامية للمعارك بين قوات فجر ليبيا وقوات الكرامة، التحالفَين المتناحرَين في البلاد، يستغل تنظيم داعش النزاع عبر تأليب كل واحد من التحالفَين على الآخر، كما فعل في سوريا، إذًا ما يفعله تنظيم داعش هو التسلل بين التحالفَين، بحيث لا يصبح من مصلحة أيٍّ منهما الدخول في مواجهة معه، لأن ذلك يجعله عرضةً للهجوم من التحالف الآخر. يبدو أن هذا السلوك يصب من جديد في مصلحة تنظيم داعش؛ فقد اضطُرَّت قوات مصراتة إلى وقف القتال ضد تنظيم داعش في سرت، من أجل مواجهة قوات الكرامة التي جدّدت هجماتها على طرابلس في أواخر مارس الماضي، وهو بذلك يحاول بث الفرقة والانقسام بل وتأصيلهما بين القبائل الليبية حتى لا تتوحد في مواجهته متبعًا سياسة "فرق تسد".

على الرغم من أن تنظيم داعش قد فشل حتى الآن في الحصول على الدعم الكامل من أيٍّ من القبائل الكبيرة في حوض سرت، لا يزال التنظيم يرفض حكومتَي طرابلس وطبرق، اللتين أُنشئتا بعد الثورة ويعتبرهما غير شرعيتين، وذلك قبل وصول الحكومة الناتجة عن اتفاق الصخيرات، وقد يلقى هذا الموقف أصداء لدى الشباب في سرت والقبائل التي كانت موالية للنظام السابق، والذين يشعرون بأنهم منبوذون من المنظومة السياسية الحالية. وعلى نطاق أوسع، تهدف هذه الرسالة على الأرجح إلى كسب الدعم من الشرائح السكانية الكبيرة والمتزايدة التي لا تؤيّد المؤتمر الوطني العام ولا مجلس النواب.

وعلى الرغم من ذلك، فمن المستبعد أن يسعى تنظيم داعش إلى خوض مواجهة في حوض سرت إلا إذا اعتبر أن الظروف في مصلحته، كما تقيم سرت، منذ وقت طويل، علاقات قبلية واقتصادية مع فزان، وتقع على طول طرقات السفر الأساسية إلى المنطقة، في الواقع، وأكثر محاولاته وضوحًا وعلانية التي يهدف من خلالها إلى تجنيد أعضاء جدد في ليبيا هو بثه شريط فيديو بلغة الطوارق يظهر فيه رجلان من الطوارق يقاتلان إلى جانب التنظيم. وهو بذلك يوجّه رسالة إلى الطوارق في ليبيا والصحراء والساحل كي ينضموا إلى تنظيم "داعش".

ويحاول التنظيم في هذا الشريط، أن يتلاعب بمشاعر التهميش والإقصاء كي ينتشر ويتوسع، كما يشير الرجلان في شريط الفيديو إلى الخلافة بأنها "دولة حقيقية"، ونظرًا لفشل الطوارق في تحقيق حلمهم بإنشاء دولتهم الخاصة في الساحل، بدأ المقاتلون الشباب الطوارق يتسلّلون من جديد إلى ليبيا فيما تراوحت التطلعات الوطنية للشعب الأزوادي مكانها في شمال مالي. وعلى نطاق أوسع، تشير روابط تنظيم داعش مع شبكات تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي في جنوب ليبيا، وانضمام جماعة (بوكو حرام) في نيجيريا إلى الخلافة مؤخرًا - تشير إذًا إلى أنه بإمكان تنظيم داعش أن يتحيّن فرصًا أكبر في ليبيا والمنطقة بدلاً من التحصّن في بلدة النوفلية المغبرّة جنوب شرق سرت.

إنه إذًا يحاول التسلل بين الفرقاء المتناحرين في البلاد، ويعمل على استقطاب المجموعات المهمّشة والمظلومة، ويسعى لتقويض قدرات الدولة للتسريع في انهيارها، وترويج رؤيتها الوطنية الخاصة، في المدى القصير، سيحل هدف السيطرة على الأراضي في المرتبة الثانية فيما تُعطى الأولوية لهذه الأهداف الأساسية السابق ذكرها.

ولهذا طرحت وكالة الأنباء الفرنسية التساؤل التالي:

  • هل ليبيا هي "الورقة الرابحة" لتنظيم داعش؟

أجابت بالإثبات ليس فقط بسبب مستقبل ليبيا المجهول في ظل عدم الوصول إلى حل سياسي ينهي حالة التنازع السياسي وأحيانًا العسكري بين المتناحرين، ولكن أيضًا جراء الأعلام السوداء لتنظيم داعش التي أضحت ترفع في مواقع عدة، ونرى رقعته تتمدد يومًا بعد آخر على خارطة البلاد. ومخطئ من يعتقد أن الأسوأ هو ما نشهده الآن في سوريا والعراق، بل ربما يكون القادم في ليبيا أسوأ وأمرَّ وربما لم نره من قبل.

فحظ سوريا والعراق إستراتيجيا أفضل بكثير من ليبيا، لأن الأقدار شاءت أن يكونا محاطين بقوى كبرى وفاعلة لن تسمح للتنظيم بالتوسع في محيطها الإقليمي حفاظًًا على مصالحها، والحديث هنا طبعًا عن تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، ثم إسرائيل القوة الكبرى في المنطقة المحيطة استخباراتيًا وعسكريًا، وأخيرًا وليس آخرًا إيران وحليفها "حزب الله" ذي الخبرة القتالية في "حرب العصابات"، هذا فضلًا عن تقاطع مصالح قوى عالمية كبرى كروسيا والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

أما ليبيا فلسوء حظها محرومة من هذه المناعة الإستراتيجية الإقليمية؛ فجيرانها دول ضعيفة وفقيرة تغرق في مشاكلها اليومية المتعددة، مثل السودان، تشاد، النيجر، الجزائر وتونس، بالإضافة إلى مصر، وهي بلدان تتقاسم حدودًا مع ليبيا، وليس لأي من هذه الدول عضوية في أي تحالف عسكري دولي نافذ، ولا قوة إقليمية وازنة تربك حسابات الآخرين. بل على العكس من ذلك، فإن الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمعظم جيرانها قد تجعلهم هم أيضًا هدفًا لتنظيم داعش.

أما داخليًا فما كان يعد بالأمس امتيازات أضحى اليوم نقصًا؛ فعدد سكان ليبيا محدود مقارنة بمساحتها الشاسعة التي تعادل أكثر من ثلاثة أضعاف مساحة فرنسا مثلًا، أكثر من مليون وسبعمائة ألف كم مربع لا يقطنها سوى ستة ملايين ونصف مليون نسمة، الأمر الذي قد يجعل الخيارات الشعبية لمواجهة التنظيمات الإرهابية محدودة الفعالية في ظل ما نشهده من تنقل كثيف للمقاتلين عبر الحدود تلبية لدعوات ما يسمونه بالجهاد في هذا البلد أو ذاك.

فالخشية ألا يكثف المجتمع الدولي جهوده لخلخلة الوضع في ليبيا إلا بعد فوات الأوان، فلا الاجتماعات في الفنادق الفخمة، ولا تصريحات التضامن تحت أضواء الكاميرات، ولا عبارات القلق المعتادة للمسئولين ستنقذ ليبيا من غدها المظلم، وحده التقدير الدقيق لخطورة الأمر والتحرك العاجل للمجتمع الدولي بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة، كفيل بإعادة توجيه المسار الليبي بعيدًا عن الهاوية.

 

  • هل يجب التدخل العسكري في ليبيا؟

وفيما يتعلق بالتدخل العسكري الغربي في ليبيا، ترى (ميري دوتي)، في المقال الذي سبق الإشارة إليه، أن هذا التدخل من الممكن أن يؤدي إلى نشوب حرب أهلية في ليبيا، ولهذا التدخل مخاطر منها أن ليبيا بلد منقسم جدًا، وسيزيد التدخل من العنف ويؤدي إلى نشوب حرب أهلية، فالأوربيون يتذكرون التدخل العسكري ضد نظام القذافي في عام 2011م، والذي أدى إلى زعزعة استقرار ليبيا، وهشاشة منطقة الساحل.

ومنها كذلك تشتت أعضاء التنظيم، حيث تؤدي الضربات التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، إلى تقوية التنظيم في ليبيا، وانتشارهم فيها، وفي المغرب العربي، وفي الساحل حتي غرب إفريقيا، وهذا هو الفخ الذي نصبه البغدادي، ولن نجد منه مخرجًا إلا الشرور، وقد تناولت صحيفة
"
atlantico"الفرنسية في مقال لها إمكانية التدخل العسكري المباشر في ليبيا، ورأت أن التدخل العسكري الغربي في ليبيا سيغذي نظرية منتشرة في العالم العربي تقول إن الغرب اختلق داعش؛ ليستعملها كذريعة للتدخل في الشرق الأوسط، وهو ما من شأنه تغذية الكراهية والضغينة ضد الغرب.
وفي تصوره للحل، يرى الدبلوماسي الفرنسي السابق (حمزديه) أن الحل في مواجهة تنظيم داعش في ليبيا يكمن في إعادة بناء دولة شرعية، تضم أكبر عدد ممكن من الفاعلين السياسيين والعسكريين المحليين، لا بمزيد من التدخل الأجنبي
"، ويستشهد (حمزديه) بما حدث في مدينة “درنة”، حيث استطاع تنظيم “مجلس شورى مجاهدي درنة”، إخراج “داعش” من المدينة، في صيف 2015، بعد أن كان التنظيم قد سيطر عليها منذ نوفمبر 2014م، وأضاف أنه "ليس من المستحيل أن توجد بدائل محلية قادرة على القضاء على تنظيم داعش، بدلًا من التدخل العسكري الخارجي".

ولذلك فإن السعي إلى إقامة الدولة القوية الموحدة هو الحل الوحيد لمواجهة "داعش".

  • لكن ما هي إستراتيجية فرنسا بالتحديد لمواجهة تنظيم داعش في ليبيا؟

حول هذا الموضوع ذكرت صحيفة " "atlanticoالفرنسية في المقال المشار إليه أن فرنسا تسعى، من خلال قيامها بعمليات سرية في ليبيا، إلى تغيير الوضع في البلاد، والقضاء على عناصر تنظيم داعش الذين فروا من سوريا والعراق.

كما أكد (ريك دونيسيه)، أستاذ العلوم السياسية الفرنسي، في حواره مع الصحيفة أن القوات الفرنسية تتدخل على ما يبدو بصورة فعلية في ليبيا على الرغم من عدم توفر معلومات حتى الآن.

وأضاف دونيسيه: "لكن الشيء الواضح أن ليبيا تشهد منذ أعوام تهديدًا إرهابيًا وانهيارًا للدولة ووجودًا ملموسًا لتنظيم داعش، وهناك أيضًا قوات خاصة من دول غربية متعددة مثل فرنسا وإنجلترا وأمريكا وإسبانيا وإيطاليا وكذلك مصر والجزائر مرابطة على الحدود، وتقوم بعمليات استكشاف، ناهيك عن الغارات الجوية المكثفة التي يقوم بها الأمريكيون".

وبين أستاذ العلوم السياسية الفرنسي أنه "من الصعب للغاية معرفة أنواع العمليات التي تقوم بها القوات الفرنسية؛ بسبب السرية التي تحيطها، لكنها عمليات استخباراتية واستكشافية، فضلًا عن تقديم مساعدات للقوات الليبية والقيام بعمليات تدمير للبنية التحتية لداعش بكل أشكالها".

وأشار "دونيسيه" إلى أن "الموقف الفرنسي يرتكز على معارضة أو على الأقل على رفض القيام بتدخل عسكري تقليدي في ليبيا، وهذا ما طالبت به بعض الدول؛ لأن القيام بعمل عسكري تقليدي يستدعي عملية عسكرية ذات فعالية يشترك فيها عشرات الآلاف من الجنود، ولا تملك أية دولة الآن مثل هذه الإمكانيات للقيام بتلك المهمة، وفرنسا ذاتها ليس لديها هذه الإمكانية".

والأهم بالنسبة لفرنسا حتى لا تقع في هذا المستنقع أن تعمل على إقصاء عناصر داعش الذين ينتشرون في ليبيا، بعد تضييق الخناق عليهم في كل من العراق وسوريا، للحدِّ من قدراتهم على شنِّ عمليات إرهابية ضد فرنسا، وتعزف الدول الغربية عن التدخل بصورة مباشرة في ليبيا؛ لأن هذا التدخل يحتاج إلى قدرات كبيرة، ولا يضمن له النجاح حتى لو توفرت هذه القدرات, هذا بالإضافة إلى أن التدخل قد يكون له آثار سلبية بأن يعطي لداعش وأشياعها المبررات بحجة أن الغرب المسيحي يتدخل، ويريد أن يستولي على مقدرات ليبيا المسلمة، وبالتالي فالتدخل سيؤدي إلى مزيد من الفوضى".

وذكرت الصحيفة أن نهوض الجماعات الإرهابية في ليبيا، يجعلهم أكثر قربًا من أوروبا، وبالتالي يشكلون تهديدًا مباشرًا أو غير مباشر على القارة العجوز.

كما أن الدول المجاورة لليبيا ترفض التدخل العسكري الغربي وعلى رأسها مصر والجزائر، حيث تخشيان من أن يدفع هذا التدخل عددًا كبيرًا من الشباب الجزائري والتونسي والمصري للتطرف، فضلًا عن تحريضهم على القيام بحرب عصابات.

  • الوضع الحالي بعد التوقيع على اتفاق المصالحة في الصخيرات:

بعد خمسة أعوام من الاضطرابات السياسية في ليبيا، وتحديدًا في 17 من ديسمبر 2015، وبمشاركة عدد من الشخصيات وصلت الأزمة الليبية إلى مرحلة قد يعدها البعض مفصلية، بينما يراها الآخرون مجرد حبر على ورق والواقع أن الأمر يتوقف على ما ستفرزه الأيام المقبلة، لا سيما بعد التوقيع على الاتفاق التاريخي الذي أبرم في مدينة "الصخيرات" المغربية جنوبي العاصمة الرباط، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ولا يعني هذا نهاية الاضطرابات في ليبيا؛ لأن هناك الكثير من الجماعات المنشقة التي لم تكن جزءًا من هذا الاتفاق، والتي تمتلك من الوسائل والرغبة ما يمكن أن يعرقل طريق السلام، كما أن هناك معطى لا يمكن ولا ينبغي إغفاله، ألا وهو داعش، والتي لا يعني لها مثل هذا الاتفاق شيئًا. كما أنه بمجرد إبرام هذا الاتفاق بين الفصائل المتحاربة الرئيسية، جاءت صيحات الرفض من مجموعات هامشية لم يتم دعوتها أو من داعش الإرهابية نفسها، ففي يوم 7 من يناير 2016 تم تفجير شاحنة مفخخة خارج مركز تدريب للشرطة في غرب مدينة زليتن، مما خلّف 65 قتيلًا، وهو ما يعتبر أسوأ هجوم منذ سنوات، وكانت رسالة هذا الهجوم المميت واضحة وضوح الشمس: "السلام ليس اليوم أو غدًا".

هذا وقد نص الاتفاق على عدد من البنود يأتي على رأسها:

  • تشكيل حكومة وحدة وطنية:

حيث اتفق المجتمعون على أن يكون رئيسها فايز السراج، وأن يكون له نائبان هما:  علي القطراني وعبد السلام قاجمان، وعلى تشكيل حكومة توافق وطني تقود مرحلة انتقالية من عامين، تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية.

وبحسب عضو الحوار الليبي عن المستقلين نعيمة محمد، فإن رئيس حكومة الوحدة الوطنية فايز السراج يرأس كذلك المجلس الرئاسي الذي يضم خمسة أعضاء آخرين يمثلون جميع الأطراف الليبية، وثلاثة وزراء كبار يقومون بتسمية الوزراء.

ومن اختصاصات مجلس رئاسة الوزراء القيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، كما يختص أيضًا بتعيين كبار الموظفين وإعفائهم من مهامهم، وإعلان حالة الطوارئ والحرب والسلم.

 

 

  • آلية اتخاذ القرار:

يتطلب قيام مجلس الوزراء باتخاذ أي قرار إجماع رئيس مجلس الوزراء ونوابه، وهو ما يعني أن لرئيس الحكومة ونوابه حق الاعتراض على أي قرار.

والسؤال هنا، هل ستفتح فعلًا هذه المصالحة بابًا لمرحلة من الاستقرار، وتكون بذلك سبيلًا أساسيًا ووحيدًا للقضاء على "داعش" في ليبيا؟

في الواقع وكما يرى (مارتن كوبلر)، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان له بعد التوقيع على الاتفاق:

"يجب ألا ننسى أن ذلك يمثل بداية رحلة صعبة، هناك حاجة ماسة لمصالحة وطنية وحوار أمني ​​وطني شامل، ويجب إيجاد حلول عاجلة لدعم حرب ليبيا ضد الإرهاب، وعلى وجه الخصوص ضد تهديد داعش، كما أن الوضع الإنساني المتردي في بنغازي ومناطق أخرى يحتاج إلى معالجة باعتباره مسألة ذات أولوية عليا، بما في ذلك إنشاء صندوق إعادة إعمار مخصص لبنغازي، كما ينبغي التعامل مع القلق الموجود في الدوائر الشرقية والجنوبية، كما يجب الإسراع في البدأ في هذا العمل فورًا.

إن التوقيع على الاتفاق السياسي الليبي يعد الخطوة الأولى على طريق بناء دولة ليبية ديمقراطية تقوم على مبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون."

لكن الأمر فعلًا يبدو أكثر تعقيدًا إلى الحد الذي يجعلنا نترك الأيام تجيبنا عما سيؤول إليه الأمر مع هذا الخضم الهائل من التناحر القبلي، والتفكك المجتمعي، والتدهور العسكري الذي يجعل من ليبيا "ملتقى طرق" للمتسللين من الحدود المفتوحة على ستة دول فضلًا عن كونها ملعبًا تتنافس على مرماه القوى العالمية.

 

 

  • حكومة الوفاق الوطني تبدأ عملها وسط التهديدات:

بدأت حكومة الوفاق الوطني الليبية الخميس (31-3-2016) اجراءاتها لتأكيد سلطتها، متجنبة في الوقت ذاته الاصطدام بالقوات التي تسيطر على العاصمة والمعارضة للحكومة الجديدة.

وخيم على المدينة جو من الهدوء الحذر بعد حالة التوتر الذي أثارها وصول أعضاء الحكومة الجديدة، صاحبها تهديدات توجه بها مسئولون في حكومة وبرلمان طرابلس غير المعترف بهما إلى السراج، طالبين منه مغادرة طرابلس.

وعقدت حكومة الوفاق أيضًا اجتماعات مع سياسيين ليبيين وعمداء بلديات، وكان من المقرر أن تجتمع مع مسئولي المصارف (من بينهم محافظ المصرف المركزي الليبي)؛ لبحث طرق تجاوز أزمة السيولة التي تعاني منها طرابلس، كما أبدت الحكومة الجديدة نيتها عقد اجتماع بين وزراء هذه الحكومة المستعدين لتسليم حقائبهم الوزارية.

ومن جانبه، قال محمود عبد العزيز، عضو المؤتمر الوطني العام (برلمان طرابلس غير المعترف به دوليًا) إن "المؤتمر أجمع اليوم على أن هؤلاء الناس أتوا بطريقة غير شرعية"، كما أضاف أن "دخولهم هذا زاد الوضع توترًا، وسيورط البلاد في مشاكل أكبر".

ومن الجدير بالذكر أن حكومة السراج، تحظى بدعم مجموعة مسلحة يطلق عليها "النواصي"، وهي تتبع وزارة الداخلية في الحكومة غير المعترف بها، وتتمتع بقدرة تسليحية عالية.

حكومة تحظى بدعم دولي:

وتلقى هذه الحكومة، برئاسة فايز السراج، دعمًا دوليًا واسعًا في إطار المحاولات الساعية إلى إرساء الاستقرار في هذا البلد والتصدي لتنظيم "داعش" ووقف نزيف الهجرة.

ومن جانبه، وكنوع من الدعم للحكومة الجديدة، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثلاثة من الشخصيات القيادية في الحكومة غير المعترف به دوليًا - بتهمة عرقلة عمل الحكومة الجديدة - وهم رئيس برلمان طبرق (شرق) عقيلة صالح، وعلى رئيس برلمان طرابلس غير المعترف به نوري أبو سهمين، ورئيس حكومة طرابلس خليفة الغويل.

حكومة طرابلس غير المعترف بها تتخلى عن السلطة:

هذا وقد ذكرت وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية، أن الحكومة - غير المعترف بها دوليًا- أعلنت مساء الثلاثاء،5-4-2016، مغادرة السلطة "حقنًا للدماء وحفاظًا على سلامة الوطن من الانقسام..".

ورغم إعلان حكومته تسليم السلطة، رفض الغويل - رئيس الحكومة غير المعترف بها – الأربعاء6/4/2016، تسليم السلطة إلى حكومة الوفاق الوطني، متوجهًا برسالته إلى وزرائه للعودة إلى مباشرة أعمالهم.

ومن جانبها أرسلت حكومة السراج بيانًا إلى كل المؤسسات، الأربعاء 6/4/2016، بوجوب استخدام شعار الحكومة وبالحصول على موافقتها في كل الشئون المالية والإدارية، وذلك بعد ساعات من إعلان الحكومة غير المعترف بها دوليًا تنحيها عن السلطة.

ولكن يبقى السؤال هل ستمارس هذه الحكومة سلطاتها بشكل انسيابي ودون تعرضها لأي مشاكل.

في الواقع، لا.

وذلك لأسباب عدة منها ما تحدثت عنها "Courier international" الفرنسية التي نشرت مقالًا حول دور الانقسامات الداخلية الليبية في عرقلة مهام حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، وكيف ستؤثر الانقسامات الداخلية على انتشار تنظيم داعش على التراب الليبي.

فبالرغم من أنه منذ 30 من مارس، يحاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية الجديدة، فايز السراج، فرض سلطته في طرابلس، إلا أن التوترات الداخلية لم تهدأ، وكلما زادت كان المناخ ملائمًا لانتشار تنظيم داعش على التراب الليبي،

بالإضافة إلى أنه وكما أسلفنا رفضت الحكومتان المتنافستان في ليبيا الاعتراف بالحكومة الجديدة، وما زالت الحكومة تبحث عن بسط سيطرتها على جميع مساحات ليبيا المترامية الأطراف.

 

ولنا وجهة نظر...

 

وفي الواقع- ووفقا لوجهة نظرنا- فإن الأمر يحتاج إلى أن تحاول هذه الحكومة الناتجة عن اتفاق "الصخيرات" أن تلملم الشتات الليبي، وأن تتبنى خطابًا يؤلف جميع مكونات المجتمع الليبي، ويعمل على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية، وأن تنتهج هذه الحكومة سياسات من شأنها أن تعيد بناء كيان الدولة وتحقق استقرارها ورخاءها وتجمع بين أبنائها بلا استثناء ودون إقصاء أو تهميش لأي كيان أو مكون من مكونات المجتمع الليبي.

بذلك وفقط، يستطيع الليبيون أن ينطلقوا من نقطة البداية في الصخيرات ويعملوا معًا على رسم مستقبل يقومون فيه ببناء دولتهم على أسس سليمة تجمع كل الليبيين تحت راية الوطن، وتنفي أي خبث يحاول جاهدًا أن يقضي على الدولة الليبية الواحدة ومكوناتها، بل ويعمل على تفتيتها، وهذا وحده - كما نرى – هو السبيل الوحيد للقضاء على إستراتيجية داعش فى ليبيا. فهل من مدكر؟