الجماعات المتطرفة

 

05 أبريل, 2020

الجهود الدولية للتصدي لنشاط الجماعات الإرهابية في مالي


جمهورية مالي بلد إفريقي، وهي دولة غير ساحلية في غرب إفريقيا، عانت كثيرًا خلال الآونة الأخيرة من الاضطرابات جرَّاء الصراعات المتعاقبة بين جماعات تلوّنت بألوان كثيرة، فمنها من اصطبغ بالصبغة الدينية ورفع شعار الدفاع عن المعتقد وحماية الهوية الدينية؛ حيث تسبب الصراع في إغراق البلاد في شلال من الدماء، وترديها بين حطام المنازل والطرقات التي طالتها أيادي التخريب إبان ذلك الصراع، ومنها من اصطبغ بالصبغة العرقية والسياسية فضلًا عن الصراع المعتاد في مثل هذه البلدان الفقيرة في مواردها إلى حدٍّ ما.
ولطالما شغلت قضية الصراع الدائر في جمهورية مالي مساحة كبيرة من تقارير ومتابعات مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف عملًا على تحقيق الرسالة التي أنشئ المرصد من أجلها، وهي أن يكون عين الأزهر الناظرة على العالم بالرصد والتحليل والمتابعة والرد، لاسيما حقيقة الأوضاع في جمهورية مالي.


جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بمالي
تابع المرصد منذ البداية ظهور جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بمالي، وحذر كثيرًا من تلك الجماعة الإرهابية، وكشف عن زيف وكذب ادعاءاتها، كما بيّن المرصد من خلال تقاريره أن تلك الجماعة بعيدة كل البعد عن الإسلام وتعاليمه السمحة. وجاءت أولى التقارير التي أعدها في هذا الشأن بعنوان: "جماعة تدعى "نصرة الإسلام والمسلمين".. أحدث وجوه الإرهاب في مالي"؛ حيث بيّن هذا التقرير كيفية نشأة هذه الجماعة، إثر اندماج أربع جماعات مسلّحة هى: (إمارة الصحراء، وجماعة المرابطين، وجماعة أنصار الدين، وجبهة تحرير ماسينا). 
كما كشف التقرير عن أولى الهجمات الإرهابية التي قامت بها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" يوم الجمعة الرابع والعشرين من شهر نوفمبر 2017، والتي استهدفت فيها مجموعة من عناصرها قوات حفظ السلام والجيش الماليّ مكونة من 30 آلية في منطقة "ميناكا"، فيما تسلّلت مجموعة أخرى إلى معسكرٍ للجيش الماليّ، ودخلت في اشتباكات عنيفة مع القوات الماليّة لنحو ساعة ما أسفر عن مقتل 5 جنود وجرح 16 آخرين علاوة على إتلاف معدات للجيش، فيما لقي اثنان من عناصر هذه الجماعة مصرعهما خلال تلك الاشتباكات.
وقد كان لمرصد الأزهر لمكافحة التطرّف رؤية واضحة في هذا الشأن، وهي أنّ ظهور مثل هذه الجماعة يمثّل إنذارًا خطيرًا يستدعي تكثيفًا لجهود المكافحة الميدانية والفكرية على السواء، فما تردّده هذه الجماعات من مزاعم ودعاوى قد تجد آذانًا مصغية، وقلوبًا مذعنة، وعقولًا ممهدة لقبول وإقرار ما يتردّد حولها من شبهات وإغراءات، كل ذلك يستوجب مواجهة حاسمةً لا تدع للفكر المتطرّف ثغرةً يصل من خلالها إلى عقول الشّباب.


اندماج الجماعات المتطرّفة وانصهارها
كما حذّر المرصد من أمر آخر، وهو خطورة فكرة اندماج الجماعات المتطرّفة وانصهارها كما هو الشأن بالنسبة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، مؤكدًا على أنّ الإرهاب والتطرّف وإن اختلفت مسميّاته ومزاعمه وشعاراته، إلا أنّه واحد في جوهره وأهدافه الخبيثة، وقد يعزونا ذلك إلى التفكير في مصدر كل هذا الإرهاب الذي يجتاح عالمنا المعاصر، وأنّ تنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهبيين وغيرهما من تنظيمات وجماعات ما هي إلا أدوات يلعب بها تجّار الدّم وأعداء السّلام لنشر الرّعب في ربوع العالم، وتشويه صورة الأديان وتنفير النّاس منها.
ولم يكتف الأزهر الشريف بذلك فحسب، بل أخذ على عاتقه مبادرات لإحلال السلام وإقرار مصالحة بين الأطراف المتنازعة في البلاد حقنًا للدماء وحفظًا للبلاد من خطر محدق وكارثة كبرى، ومحاولة منه لحل النزاع والتوصل لاتفاق سلام بين الأطراف المتناحرة. كما جدّد الأزهر الشريف دعوته لأبناء القارة الإفريقية لتفعيل مبادرة "إسكات البنادق" التي أطلقها الرئيس السابق للاتحاد الإفريقي الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي دعت إلى احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة، وحل المشكلات من خلال المفاوضات والطرق السلمية، والقضاء على الإرهاب وتخليص القارة من شروره.
وقد جاءت دعوة الأزهر الشريف لتفعيل مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي عقب الهجوم الوحشي الذي وقع في شهر يونيو من العام الماضي، والذي تعرضت له قرية "دوجون" بدولة مالي وراح ضحيته 100 شخص على الأقل، والأزهر الشريف دائماً ما يؤكد على رفضه لمثل هذه الأعمال الإجرامية التي لم تراعِ حرمة الدماء وحق البشر في الحياة الآمنة، مطالبًا المجتمع الدولي بضرورة التصدي بمنتهى القوة والحزم لكل من يبيح قتل الأبرياء، ويؤجج نار الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية.
كما أن نشاط تنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة جعل أتباع تنظيم "القاعدة" يكثفون من عملياتهم الإرهابية حتى يثبتوا وجودهم في المنطقة، فخلال الأيام الماضية القليلة، شهدت البلاد عددًا من العمليات الإرهابية أسفرت عن سقوط نحو 40 شخصًا؛ حيث لقي 8 جنود مصرعهم وأصيب أربعة آخرون في كمين نصب لهم في منطقة "غاو"، وقتل جندي تاسع في هجوم منفصل وقع أيضا في موندورو. وأتى هذان الهجومان غداة مقتل 31 شخصا على الأقل في هجوم على قرية أوغوساغو وسط البلاد، كما قام المهاجمون بإحراق المنازل والمحاصيل والمواشي. وتلعب تلك الجماعات الإرهابية على الصراعات القبلية في المنطقة، حتى تستقطب أكبر عدد من العناصر لضمان بقائها أطول فترة ممكنة.


الجهود الدولية لمواجهة الجماعات الإرهابية
وقد كان للحكومة الفرنسية دورٌ مهم وفاعل في تحييد الإرهاب على مستوى دول الساحل الإفريقي بشكلٍ عام، وعلى دولة مالي بشكلٍ خاص حيث التزمت فرنسا التزامًا حازمًا من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي، ونجحت القوات المسلحة المالية بدعم من فرنسا في استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد سيطر عليها مسلحون في أوقات سابقة.
وقد عملت القوة المشتركة التابعة للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل التي استهلها رؤساء بلدان المجموعة عام 2017 في العاصمة المالية (باماكو) على إظهار عزيمة بلدان المنطقة من أجل إنهاء وجود الجماعات الإرهابية بالمنطقة، حيث أعلن رؤساء الدول الخمس في المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل بصفة رسمية تشكيل القوة المشتركة العابرة للحدود في باماكو في 2 يوليو من نفس العام؛ بهدف توحيد جهودهم في مكافحة التهديدات الأمنية، بالإضافة إلى تولي زمام أمنهما وتنسيق إجراءاتهما في المناطق العابرة للحدود. 
كما قامت تلك القوة المشتركة بتنفيذ العديد من العمليات ضد الجماعات الإرهابية الموجودة بالمنطقة، وذلك من أجل الحد من توسع وفرض سيطرتها وهيمنتها على تلك البلدان. كذلك قام كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل بتنظيم مؤتمرين دوليين بهدف تحسين الدعم المالي والمادي المقدم للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل. وقد انعقد المؤتمر الأول في مدينة (لاسيلسانكلو) الفرنسية بتاريخ 13 ديسمبر 2017م، في حين انعقد المؤتمر الثاني بالعاصمة البلجيكية (بروكسل) في 23 فبراير 2018م. وقد كان لهذين المؤتمرين نتائج إيجابية كثيرة، حيث أظهرا التزام المجتمع الدولي إزاء منطقة الساحل، بالإضافة كذلك إلى التزام المشاركين بتقديم مساهمات مالية تصل قيمتها الإجمالية إلى 414 مليون يورو، وسيُخصص هذا المبلغ لتدريب الجيش التابع للمجموعة الخماسية ولتزويده بالعتاد.
كما تعمل فرنسا جاهدة بالتعاون مع بلدان المنطقة وشركائها الدوليين على التصدّي لهذه التهديدات وتلبية احتياجات السكان الماليين حيث تعمل على تقديم حلول شاملة من أجل التصدي للأزمة الأمنية، كما تحاول العمل على وجود أنشطة إنمائية من خلال مجموعة من المبادرات التكميلية.
وختامًا ..
نود الإشارة إلى أن ما تقوم به مثل هذه الجماعات التي لا يتفق اسمها مع أفعالها وممارساتها دليلٌ دامغٌ على إستراتيجيتها المُضلِّلة، التي لا تهدِف إلى إعمار البلاد، وإنما إلى خرابها... وأن إلصاق كلمة الشريعة والإسلام بمثل هذه الجرائم ظلمٌ كبيرٌ، فنُصرةَ الشريعة لا تعني القتل ولا ترادف سفْكَ دماءِ الأبرياء ولا تهدِف إلى دمار الأرض، وإنّما إلى إعمارها بالعلم والعمل والخير والرخاء والسلام.


وحدة الرصد باللغات الإفريقية