لطالما شغلت مسألة تمويل تنظيم "داعش" الإرهابيّ أذهان الكثير من المتابعين لنشاطه منذ بداية ظهوره في العراق عام 2014. فلم تكن الاستعدادات والتجهيزات الضخمة التي ظهر بها التنظيم وظل محافظًا عليها لمدّة ليست بالقصيرة، تدلّ على أنه نبتٌ شيطانيٌّ خرج من فراغ، بل لا بد أن وراءه تمويلاً ضخمًا، وأن هذا التمويل جعله أحد أقوى التنظيمات الإرهابيّة في الكثير من البلدان التي دخلها أو سيطر على بعض مناطقها.
لقد حاولتْ الكثير من التحقيقات الصحفيّة والاجتهادات الإعلاميّة، فضلًا عن الدراسات الموثّقة الرسميّة وغير الرسميّة، أن تسبر أغوار هذه المسألة. وقد أصدر المرصد في هذه المسألة عدّة تقارير ومقالات سابقة، ولا نريد أن نكرّر ما فيها؛ نريد فقط أن نذّكر القارئ أن جميع الآراء تقريبًا كانت متفقة على أن التنظيم كان يُدرُّ أموالًا ضخمة من عمليات إجراميّة، وتحركات غير مشروعة مثل تصدير النفط من الحقول الموجودة في المناطق التي كان يسيطر عليها، وبيع الآثار والتحف وفرض الضرائب، والابتزاز الماليّ، بل والاتّجار غير المشروع في المخدرات، ناهيك عن عمليات الاختطاف للحصول على الفدية، والتبرّعات والدعم الماديّ المقدَّم من قبل المقاتلين الأجانب، وما إلى غير ذلك.
وقد وقعت عين مرصد الأزهر مؤخرًا على خبر يؤكد صحة بعض تلك المعلومات، حيث نقلت العديد من المنصات الإخباريّة اعترافات "عبد الناصر قرداش"، الذي يوصف بأنه العقل المدبر لتنظيم "داعش" الإرهابيّ في العراق، والتي أفاد فيها بأن التنظيم مارس عمليات نهب ضخمة للنفط العراقيّ، بالإضافة إلى عمليات بيع وتهريب كميات كبيرة من الآثار وضخّ العائدات منها إلى صندوق الحرب الذي كان يديره؛ لدعم ميزانيته التي تقدّر بالملايين والمخصّصة لتجنيد الشباب والرجال والأطفال للزجّ بها في القتال.
جاءت تصريحات "عبد الناصر قرداش" في مقابلة أجراها معه "هشام هاشمي" – وهو عراقيّ متخصّص في شؤون الجماعات الإرهابيّة ويعمل في مركز الأبحاث العالميّ "مركز السياسة العالميّة" الذي يقع مقره في الولايات المتحدة – في أحد سجون العراق وهو الآن في انتظار المحاكمة، ومن المتوقع أنه سيواجه عقوبة الإعدام؛ لما له من سجل حافل بعمليات القتل والتعذيب وجرائم أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وخلال اللقاء، أضاف "قرداش" أن تنظيم "داعش" لم يكن يسمح لأي شخص أو تنظيم آخر ببيع النفط، وهذا أدى إلى حصول التنظيم على الملايين من العملات الأجنبيّة من مبيعات النفط. وأوضح أن هذا "أدى إلى توسيع اقتصاد التنظيم وتوليد أموال تتجاوز 350 مليون جنيه إسترليني، فقط من تهريب النفط في غرب العراق وشرق سوريا. مشيرًا إلى أن ميزانية التنظيم الإرهابي وصلت في عام (2015) إلى 180 مليون جنيه إسترليني. كما أكد "قرداش" أن التنظيم بعد مقتل "البغدادي" شهد انقسامًا كبيرًا في التّسلسل الهرمي للتنظيم.
إن اعتراف "قرداش" لم يضف كثيرًا لما توصلنا إليه قبل ذلك، لكنه كشف لنا حقيقة ذلك الذي توصلنا إليه آنذاك، وليس بعد اعتراف أحد أهم قادة التنظيم الإرهابي شكّ في تلك المعلومات. وليستعد العالم أجمع للحقائق الصادمة التي ستتكشف يومًا بعد يوم حول هذا التنظيم الإرهابيّ والتي ستكشف بما لا يدع مجالاً للشّكّ أنه كان أداة لتخريب البلاد وتشريد العباد وسلب مقدرات الشعوب.
تقرير وحدة الرصد باللغة الإنجليزية