إن المعركة الحقيقية التي يجب أن يخوضها العالم بأسره ضد التنظيمات المتطرفة هي معركة الوعي، ولا شك أن الأفكار التى تدفع للتطرف لن تنتهي على الأرض بقوة السلاح فقط دون إعلان وفاة هذه الأفكار إكلينيكيًّا فى عقول الشباب، وهذا هو ما تنبه إليه الأزهر الشريف ومرصده منذ تأسيسه، وذلك من خلال تعرية تلك الجماعات وأفعالها أمام الشباب حتى لا يقعوا فريسة للتطرف والإرهاب.
وفي هذا الصدد لا يعنينا بالأساس حقيقة ما إذا كانت التنظيمات الإرهابية خاصة تنظيم داعش تخسر الأراضي التي تسيطر عليها أو لا، بقدر ما يعنينا نظرة الشباب حول العالم لهذه الجماعات، فأحيانًا ترد أخبار تفيد بهزيمة داعش وانحسارها، وأحيانًا أخرى تفيد بتقدمها سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، فعلى سبيل المثال، ذكرت وكالة فرانس برس خبرًا تحت عنوان "الخارجية الأميركية: صفوف تنظيم الدولة في أسوأ حالات التشتت منذ 2014م" ويفيد الخبر أن مسؤولًا كبيرًا في الخارجية الأمريكية صرح بأن صفوف تنظيم الدولة الإرهابي (داعش) تعيش أسوأ حالات التشتت منذ العام 2014م، وذكر أنتوني بلنكين مساعد وزير الخارجية أن قوات التحالف استعادت 40% من الأراضي التي احتلها داعش قبل عام في العراق كما استعادت 10% من الأراضي التي سيطر عليها التنظيم في سوريا، وعلى الجانب الآخر، نقلت وكالة (abna24) بأن تنظيم داعش استولى على 13 قرية في حلب خلال 48 ساعة والتي كان يسيطر عليها المنشقون المتطرفون عن الجيش السوري الحر وحركة أحرار الشام والجبهة الشامية.
لكن بغض النظر عن تلك الأخبار التي تفيد تقدم التنظيم أو التفجيرات التي يحاول من خلالها التنظيم إرسال رسالة مفادها أنه ينتشر، يجب أن نكثف جهودنا في معركة الوعي من خلال محاور عدة منها فهم الطرق التي يساق الشباب بها لهذه التنظيمات، ومحاولة تتبع أثر المقالات والأخبار والبرامج التوعوية على الشباب، ومن هنا نتسائل: هل بدأت معركة الوعي التي تخوضها المؤسسات العالمية وعلى رأسها الأزهر الشريف، تؤتي ثمارها على أرض الواقع؟
أجاب على هذا التساؤل المهم الاستطلاع الأخير لرأي الشباب العربي الذي أجرته شركة أصداء بيرسون – مارستيلر لاستشارات العلاقات العامة ضمن استطلاعات للرأي تقوم بها سنويًّا، حيث أجرت 3500 مقابلة شخصية مع شباب عرب – نصفهم ذكور ونصفهم إناث- في الفترة ما بين 11 يناير و22 فبراير 2016م، وتتراوح أعمار المشاركين بين 18 و24 عامًا، وقد أجرى الاستطلاع في 16 دولة شملت دول مجلس التعاون الخليجي الست وكذلك الأردن وتونس والجزائر والعراق وفلسطين ولبنان وليبيا ومصر والمغرب واليمن، وأظهر الاستطلاع أن 80% من المشاركين يرفضون تمامًا أي تأييد لتنظيم داعش مقارنة بـ 60% فقط في استطلاع العام الماضي، وهو ما يعني أن نسب المعارضين لداعش بين الشباب العرب قد ارتفع بنحو 20% خلال عام، كما رأى أكثر من نصف المشاركين أن أكثر المشاكل التي تواجه الشرق الأوسط هي صعوبة تنظيم داعش الإرهابي، وأرجع معظم المشاركين في الاستطلاع سبب انضمام البعض لداعش للبطالة ولأسباب اقتصادية، في حين أرجع 18% منهم ذلك لأسباب دينية مثل أن طريقة فهمهم للإسلام هي الصحيحة وغيرها الخطأ، وأن ضمن الدوافع للانضمام لداعش هو التوترات المتزايدة بين السنة والشيعة في المنطقة.
وبغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا مع وجهة نظر الشباب عن أسباب انضمام البعض لداعش وأخواتها، إلا أن زيادة وعي الشباب بمدى انتهاكات هذه الجماعات لتعاليم الإسلام نفسها يوضح أن ما تقوم به المؤسسات الرسمية وعلى رأسها الأزهر الشريف من حملات توعوية لها بدأت تظهر آثارها على أرض الواقع بين الشباب، فكون عدد من يرفضون الفكر المتطرف بين الشباب في ازدياد ملحوظ من عام لآخر (فقد كانت نسبتهم 60% فقط العام الماضي بينما أصبح نسبتهم 80% هذا العام) يوجب علينا أن نزيد من الحملات التوعوية حتى تصل تلك النسبة إلى 100%.
أما على المستوى العالمي نأمل أن نجد قريبًا إحصائيات عالمية تقدم لنا مدى نسب رفض الشباب - سواء المسلمين أو غيرهم- للفكر المتطرف حتى نقف على مدى تقدم أو تأخر تلك الحملات التوعوية على المستوى العالمي.
لكننا بالرغم من عدم توفر استطلاعات عالمية لنا إلا أننا وردنا أحد الاستطلاعات لمسلمي واحدة من أكبر الدول الأوروبية- بريطانيا، فحسبما نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية، أوضح استطلاع أن الغالبية العظمى من المسلمين البريطانيين - تحديدًا بما يعادل 96% من إجمالي عددهم- لا يتعاطفون مع الانتحاريين، كما كشف الاستطلاع أيضًا أنهم يدعمون الشعب البريطاني والمؤسسات والهيئات البريطانية نظرًا لشعورهم بالانتماء لبريطانيا، وأفاد مراسل قناة "channel4" أن هذا الاستطلاع هو الأكثر دقة نظرًا لأنه تم بشكل مباشر دون الاختباء خلف منظمات بعينها، وأظهر أيضًا مدى رفضهم لارتكاب تلك الجرائم الإرهابية باسم الدين الإسلامي.
ونستطيع أن نرى بوضوح من خلال تلك الاستطلاعات التي توضح مدى التقدم - ولو كان جزئيًّا- في معركة الوعي على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، إلا أننا يجب أن نوضح بعض الحقائق المهمة التي قد تساعدنا في الإجهاز تمامًا على هذا الفكر المتطرف؛ فقد ذكر الباحث والدبلوماسي المتخصص في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، هارون الله، وهو باكستاني الأصل ويعمل حاليا بوزارة الخارجية الأمريكية، بأن أغلب الناس بما فيهم هو كانوا يعتقدون أن الفقر والجهل والبطالة هي أهم الأسباب الدافعة لانضمام البعض للفكر المتطرف لكنه يقول بأنه من خلال خبراته -حيث نشأ في باكستان- بأن كثيرًا من الذين ينضمون لتلك الجماعات من الطبقة المتوسطة وكذلك من المتعلمين.
ويحدد هارون بعض النقاط التي بها نستطيع مواجهة التطرف - طبقا لما ذكره موقع " prageru.com " - كان من ضمنها: وجوب التخلي عن الفكر الخاطئ بأن الفقر والجهل هما الدافع الوحيد وراء الانضمام للجماعات المتطرفة، وتعرية جميع ادعائاتهم من خلال إيضاح أنهم لا يقومون بغير القتل والقهر والظلم والخراب لا العدل والانصاف، وعدم معاملة الإعلام للمتطرفين على أنهم مناضلون ويسعون لنيل حريتهم، وانتباه الآباء والأمهات والمعلمين لما يزرعونه في أطفالهم وتأكيد مبادئ التسامح والوسطية في نفوسهم، وأخيرا يجب على السياسيين أن يتوقفوا عن إلقاء اللوم على الغرب بسبب معاناتهم الاقتصادية والعمل على الإصلاحات الداخلية التي تمنع تسرب الفكر المتطرف لعقول الشباب.
من خلال التركيز على تلك "الروشتة" الرائعة التي يضعها بين أيدينا هذا الباحث نستطيع أن نقضي تمامًا على هذا الفكر المتطرف ليس فقط في المنطقة بل في العالم بأسره.