الجماعات المتطرفة

 

03 يناير, 2023

الحرب الروسية الأوكرانية والمناخ والأمن الغذائي.. آليات تنشئة جيل جديد من الإرهابيين في أفريقيا!

     عانت عموم دول القارة الإفريقية -على مدى تاريخها الطويل- من تحديات متلاحقة، ومخاطر متزايدة، تختلف وفق طبيعة المتغيرات على الساحات الدولية والإقليمية والمحلية. ومؤخرًا شكلت أزمات الحرب الروسية على أوكرانيا، والتغيُّر الـمُناخي، وتوسع التنظيمات الإرهابية في استغلال أزمة الأمن الغذائي بدول القارة الأفريقية، أضلاع مثلث الخطر الذي تسبب في تفاقم الأزمات الإنسانية بتلك القارة التي تعيش واقعًا سوَّده الإرهاب الغاشم، وجعل من معاناة أغلب أبناء القارة مسألة هامشية، بينما استغلت التنظيمات الإرهابية كالعادة هذه الأزمات في تجنيد واستقطاب أجيال الشباب الأفريقي الناقم على الأوضاع الحياتية والأحداث الجارية، ويجد في العنف الوسيلة الأفضل للتخلص من الأوضاع الراهنة وتحقيق أهدافه.
وحتى لا يقع اللوم على الجيل المنغمس - طوعًا أو كرهًا - في براثن التطرف، نقول: إنَّ أيَّ جيل في نشأته لا يُولَد إلا على الفطرة، ونعني بالفطرة -في هذا السياق- الحالة التي يكون عليها الإنسان من "سِلم داخلي"، قبل أن يتعرض للاستقطاب تحت وطأة المؤثرات الخارجية والظروف القاسية، وتنظيمات متطرفة لا تدخر جهدًا في تغيير مسارات الفكر المستقيم إلى الانحراف، وترويج النبوءات الكاذبة.
أولًا: المواجهات الروسية الأوكرانية
أفضت الحرب الروسية-الأوكرانية التي بدأت فبراير العام الجاري 2022م، إلى فجوة عالمية عميقة أثرت سلبًا على الأوضاع الاقتصادية، والسياسية، والأمنية على حد سواء. ولم تَكُنِ القارة الإفريقية بمنأًى عمَّا فرضته هذه الأزمة الدولية الخطيرة من تداعيات وخيمة شهدت -وستشهد دون شكٍّ- تصعيدات وتوترات عِدة على المدى القريب والبعيد.
فعلى مستوى الاقتصاد والأمن الغذائي، كانت كلٌّ من روسيا وأوكرانيا من بين أكبر 3 دول مصدِّرة للقمح والذرة لإفريقيا، وتعد روسيا أكبر منتِج للأسمدة. وكان للصراع الروسي الأوكراني عواقب وخيمة على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وكذلك الوقود والأسمدة، مما تسبب في تفاقم أزمة الغذاء، لا سِيَّما في المناطق التي تعاني أساسًا من الجوع وفي أمسِّ الحاجة للمساعدات الغذائية. ووفق تقرير برنامج الغذاء العالمي: "فقد ارتفعت بشكل غير مسبوق، أسعار المواد الغذائية الأساسية في إفريقيا -جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية- الأمر الذي يهدد حياة الملايين ويفاقم من أزمة الجوع". ولا شك أن تراكم الإحساس بالبؤس والفقر والجوع والظلم من أهم العوامل والأسباب الرئيسية التي تدفع الإنسان إلى اقتناء السلاح وتنفيذ أعمال العنف، مما يمهِّد الطريق أمام التطرف، وبروز جيل جديد من الإرهابيين، فالجوع والفقر بيئة ملائمة للتنظيمات الإرهابية وفرصة سانحة لاقتناص الجَوعى والفقراء ليكونوا وقودًا للتطرف والغلو.
أما على المستوى الأمني، فإلى جانب تأثير زيادة أسعار المواد الغذائية كما ذكرنا، والارتفاع الهائل في تكاليف الوقود وغيرها؛ كانت هناك نتائج أمنية وخيمة أثَّرت بالسلب على جهود مكافحة تنظيمات التطرف والإرهاب؛ إذْ ظلت روسيا تقدم بثبات دعمًا عسكريًّا واستخباراتيًّا واسعًا للدول الإفريقية، ووقَّعت عدة اتفاقياتِ تعاونٍ عسكري مع دولٍ مختلفة، مثل جمهورية إفريقيا الوسطى، ومالي، وبوركينافاسو، لمواجهة تلك التنظيمات. ومع ذلك فقد أدَّى النزاع بين البلدين إلى سحب روسيا المزيد من خِدْماتها وقوَّاتِها العسكرية الخاصة من إفريقيا -كما حدث في جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي- للمشاركة إلى جانب قواتهم الروسية في الاقتتال الدائر في أوكرانيا. كما قامت أوكرانيا باستدعاء جميع قواتها العسكرية -المشاركة في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام- للقتال إلى جانب جيشهم الأوكراني.
ومع سحب هذه القوات الروسية، والأوكرانية العاملة في بعض الدول الإفريقية خلال الفترة الماضية، ومع السحب المستمر حال إطالة أمد الحرب، فقد أحدث هذا فراغًا أمنيًّا خطيرًا، وتراجعًا واضحًا في جهود مكافحة الإرهاب، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية، وعدم استعداد بعض جيوش تلك الدول لمواجهة التنظيمات الإرهابية بمفردها، مما يَعني سيطرة أكبرَ لتلك التنظيمات على بعض الدول الإفريقية، لتغلغلها بشكل يؤثر بالسلب على أمن تلك الدول واستقرارها، ما يجعلها عرضة للاضطرابات السياسية التي توفر في مجملها البيئة المحفزة لتنامي الإرهاب، وانتعاش أنماط الجريمة المنظمة كافة.
ثانيًا: التغيُّرات الـمُناخية
تُعدُّ التغيرات الـمُناخية أحدَ المهدِّدات الأمنية الإستراتيجية، التي تزيد من احتمال وقوع الأعمال الإرهابية في الدول المضطربة سياسيًّا، وأمنيًّا، واقتصاديًّا -فيما يطلق عليه "إرهاب الـمُناخ"- فانعدام الأمن الغذائي جراء الكوارث المرتبطة بالـمُناخ كالفيضانات والأعاصير، والجفاف والتصَحُّر، وحرارة الطقس، كلها أسباب تُفسح المجال أمام التنظيمات المسلحة لزيادة صفوفها، وجذب مجندين جدُد من جيل بائس تأثَّر بشدة من التدهور البيئي المحيط، والظروف الـمُناخية القاسية التي دفعته – نتيجة انعدام سبل الحياة- للنُزوح والهجرة بحثًا عن ملاذ آمِن، وبالتالي يكون عرضة للتجنيد والاستقطاب من جماعات استغلال الأزمات مثل «بوكو حرام» و«الشباب».
وفي إفريقيا، خَلقتِ التغيُّرات الـمُناخية القاسية فرصًا مثمرة لنشوء بعض التنظيمات المتطرفة، وإنعاش البعض الآخر، خاصة عند فَقْدِها عددًا من مقاتليها؛ إذ أكَّدت دراسة صادرة عن معهد السلام الأمريكي في يونيو 2011م، أنَّ من أسباب نشأة تنظيم «بوكو حرام» الإرهابي في نيجيريا تلك التحوُّلات البيئية والتغيُّر في الـمُناخ، حيث ارتبط تأسيس التنظيم الإرهابي بانتشار ضحايا الأزمات البيئية في نيجيريا وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية. وفي مرحلة تالية استفادت «بوكو حرام» من هجرة (200 ألف) مزارعٍ تشاديٍّ إلى نيجيريا، عقب موجات الجفاف والتصحُّر في تشاد، حيث قامت بتجنيد عدد كبير من النازحين التشاديِّين مِمَّن شَعَروا بخيبة أمل، جرَّاءَ انعدام الفرص الاقتصادية، وفرص الحصول على الموارد الأساسية.
وفي شرق إفريقيا سبَّبت التغيُّرات الـمُناخية أضرارًا بالغة على قطاع الزراعة والرعي، ونجم عن ذلك انخفاضُ الناتج المحلي من المحاصيل الزراعية، وتضرُّر توريد السلع الغذائية، لا سيَّما بعد ظاهرة غزو الجراد الصحراوي وتدميره لمساحات شاسعة من المحاصيل خلال عامي 2020 و2021م، مما سجَّل أعلى مستويات انعدام للأمن الغذائي في دول المنطقة.
وفي منطقة أقصى شمال الكاميرون، كثيرًا ما يدور النزاع بين مربي المواشي وصيادي السمك والمزارعين حول الوصول إلى الموارد المائية النادرة، الأمر الذي أرغم ما لا يقل عن (100 ألف) شخص على النزوح داخل الكاميرون أو الفرار إلى الدول المجاورة. من هذا المنطلق جاءت اتفاقية باريس للمناخ عام 2015م، ثم توالت بعد ذلك قِمم الـمُناخ العالمية لوضع إستراتيجيات وخُطط للحد من مخاطر التغيرات الـمُناخية خاصة بعد أن دفع ثمنَها حياةُ الآلاف من الضحايا. ولهذا تبرز أهمية قمة الـمُناخ (COP27) التي استضافتها مصر -في مدينة السلام شرم الشيخ بالمدة (8-18) نوفمبر 2022م- لوضع الأسس والاتفاقيات الدولية للحد من هذه التغيُّرات الـمُناخية المدمِّرة.
ثالثًا: سياسة التجويع الإرهابية
تبنت التنظيمات الإرهابية مؤخرًا سياسة الحصار والتجويع، لإجبار السكان على ترك منازلهم، أو الانضمام إلى تلك التنظيمات عنوة، مما قد يجبر السكان على التسوُّل، أو اللجوء للعنف للحصول على الغذاء، كما يزيد من خطر النزوح ومشاكل الهجرة.
وتواجه "بوركينافاسو" حصارًا شديدًا من التنظيمات الإرهابية النشطة في المنطقة الحدودية، خاصة جماعة "النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، وخلايا "داعش الصحراء الكبرى" التابعة إلى تنظيم داعش الإرهابي، فيما تشير التقديرات إلى أن (٤٠٪) من الأراضي البوركينية تخضع لنفوذ التنظيمات الإرهابية، إذْ تعاني بلدات في محافظة "ياغا" شماليَّ البلاد، بالقرب من حدود النيجر من حصار مجموعة إرهابية منذ أكثر من ثلاثة أشهر وَفْقَ تقاريرَ محلية، حيث يعيش هناك نحو (30 ألف) شخص معرضين للمجاعة، مما حَدا بسكانها أن يَتَغَذَّوا على أوراق الشجر، بسبب نقص الطعام، ونفادِ مخزون الغِذاء.
وبسبب هذا الحصار، تُعاني بوركينا فاسو من توقف العملية التعليمية في مِئات المدارسِ الحكومية في ظلِّ تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، وغيابِ الأمن، مما يهدِّد مستقبلَ آلافِ التلاميذِ في الحصول على حقهم في التعليم. وذَكَرَت وزارة التربية والتعليم في البلاد خلال شهر أكتوبر الماضي 2022م، أنها أغلقت عدد (٣٥١) مدرسةً جديدة في البلاد، بسبب تدهور الوضع الأمني، وتصاعد العمليات الإرهابية، مما يؤثر على (٧٠٨,٣٤١) طالبًا في مراحل التعليم المختلفة.
من ناحية أخرى، لجأت التنظيمات الإرهابية في "بوركينافاسو" إلى استهداف القوافل الإغاثية التي تقوم بتوزيع المواد الغذائية على مدن الشمال الواقعة تحت سيطرة تلك التنظيمات، وربما يكون السبب الرغبة في فرض السيطرة على المناطق، والاستيلاءُ على مقدَّرات تلك القوافل من الغذاء والدواء، وقطعُ سُبُل تعلُّق السكان بوصول إمدادات مِن قِبل السلطات، وبالتالي إجبار السكان على اللجوء لتلك التنظيمات، من أجل ضمان المطعم والمأوى، ومِن ثَمَّ استقطابِهم وتجنيدِهم.
من جانبه يضع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف بعضَ الحلول للحدِّ من خطورة هذا الثلاثي الخطير، والتي نجملها في عدة نقاط هي:
1. تبنِّي المبادرات التي تنادي بالحفاظ على البيئة مِن عوامل التلوث، للحد من التغيرات الـمُناخية، مثل مبادرة الحزام الأخضر، لما في ذلك من قدرة هائلة على التصدِّي لأزمة الـمُناخ.
2. بَدْءُ حراك جماعي من خلال المجالس الاقتصادية، وقوافلِ الإغاثة، مِن أجل توفير غطاءٍ غذائي كافٍ للمناطق المحاصرة والمنكوبة بإفريقيا، جرَّاءَ الحرب الروسية-الأوكرانية، وتغيُّر الـمُناخ، مع توفير ضمانات الأمن والسلامة لتلك القوافل والعمل على حمايتها، حتى تبلغ الهدف المنشود.
3. ضرورة توفير التمويل اللازم لبعثات حفظ السلام، في جميع أنحاء القارة، لمكافحة التنظيمات الإرهابية، ونفوذِها المتزايد، ومحاولاتِ التجنيد، لمنع ظهور جيل جديد من المتطرفين.
 
وحدة الرصد باللغات الإفريقية

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.