الجماعات المتطرفة

 

14 فبراير, 2023

إستراتيجية التنظيمات المتطرفة للتجنيد بواسطة الألعاب الإلكترونية (2)

القومية البيضاء نموذجًا

 

     في الجزء الأول من تقريرنا عن الألعاب الإلكترونية تطرقنا إلى القوة الاقتصادية التي اكتسبتها وجعلتها مصدرًا للترفيه فقط، بل تجاوز الأمر إلى حد الربح، وذلك عبر توجيه الشباب، والأطفال، وحتى كبار السن إلى ممارستها، من خلال استغلال رغبتهم في التحدي، والمنافسة، وإثبات الذات بعيدًا عن معترك الحياة، فالواقع الافتراضي لبعض هؤلاء بات يشكل واقعًا معيشيًّا أفضل من الحياة الحقيقية، وهو ما حذر منه خبراء الصحة النفسية مرارًا.

فاليوم أصبحنا نتحدث عن نوع جديد من الإدمان بعيدًا عن السموم البيضاء، هذا النوع يمكننا أن نطلق عليه: "الإدمان الإلكتروني"، وعند تتبع الخطوط العريضة التي تقوم عليها فكرة معظم الألعاب الإلكترونية نجد أنها تعتمد على مفاهيم مثل: القوة الخارقة، وسحق الخصوم، واستخدام كافة الأساليب لتحصيل أعلى النقاط، والانتصار على الآخرين دون أي هدف تربوي من وراء ذلك، لذلك نجد أن من أدمنوا هذه الألعاب ينظرون إلى الحياة اليومية حتى داخل مدرستهم كأنها امتداد لما يمارسونه عبر الشاشات، فيمارسوا حياتهم في المدارس، وداخل الأسرة، ومع المحيطين بهم بالكيفية نفسها، حيث يغلب على طابعهم السلوك العنيف المتدرج، ويزيد قوة هذا السلوك بكثافة ممارستهم للألعاب التي تحمل الطابع العنيف، أو القتالي، وما نراه من استهتار، واستهانة بالنفس البشرية بشكل كبير في الآونة الأخيرة شاهد على ذلك.

اليمين المتطرف .. واستغلال منصات الألعاب الإلكترونية

وقد أدركت التنظيمات المتطرفة -أيًّا كانت أيديولوجيتها الفكرية، والسياسية- أهمية الألعاب الإلكترونية لشعبيتها بين فئات عمرية مختلفة، واستقطابها لجميع الأفكار، فبدأت في الاتجاه لمنصاتها المتعددة لبث سمومها الفكرية، وتصيُّد العناصر التي تجد لديها ميلًا تجاه هذه السموم. وفي هذا السياق حذر تقرير الاتحاد الأوروبي عن "حالة الإرهاب واتجاهاته لعام 2021" من استغلال ألعاب الفيديو، ومنصات الألعاب بشكل متزايد للترويج للفكر المتطرف، ونشر الدعاية المتطرفة خاصة من قبل الجهات اليمينية المتطرفة، حيث تسعى تلك الجهات إلى الاستفادة من جمهور عالم الألعاب خاصة بعد أن أسهمت جائحة كورونا في ارتفاع وتيرة التواصل بين الشباب من خلال منصات الألعاب الإلكترونية.

وترتكز إستراتيجية التنظيمات المتطرفة في تجنيد، واستقطاب اللاعبين على عدة طرق هى:

  • إنتاج ألعاب جديدة.
  • تعديل الألعاب الحالية بإضافة أيقونات، وأشكال جرافيك، وحركات تخدم أيديولوجيتها الفاسدة، أو استخدام الدردشات للتواصل مع اللاعبين ممن يميلون إلى فكرها، أو قريبين منه، فلا يشترط لدى تلك التنظيمات الاقتناع التام بفكرها، ويكفي أن تجد ميلًا، أو رابطًا مشتركًا حتى تبدأ عملية تجنيد اللاعبين عبر تكثيف التواصل معهم، وإمدادهم بالرسائل الممنهجة.
  • استخدام منصات الألعاب للتواصل مع اللاعبين من الشباب، وإن كان في بداية التعارف لا يتم الكشف كليًّا عن توجه المجموعة، أو العنصر المتطرف، بل تستخدم أسلوب التدرج في التواصل، كمن يلقي لقيمات بشكل مكثف للفرد حتى يصاب بالتخمة، والإدمان. وهكذا الحال مع الفكر المتطرف الذي تسعى المجموعة لغرسه في الأفراد الذين يجدون لديهم ميلًا إليه، أو انحرافًا في فكرهم.
  • استغلال التعليقات، والمحتويات الساخرة في إيصال الفكر المتطرف بشكل فكاهي بسيط غير مباشر، سعيًا لقراءة فكر اللاعبين، ومعرفة ميولهم الفكرية، ومن ثَمَّ الانقضاض عليهم، ومحاصرتهم فكريًا لضمهم إلى جبهتهم.

وعمليًّا .. عند النظر إلى أحد منصات الألعاب الإلكترونية الشهيرة – نتحفظ على ذكر اسمها - نجد أن المستخدمين عليها يمكنهم إنشاء خوادم عامة، أو خاصة، وقد بلغ عددها نحو (٧ ملايين) خادم، تدعم الدردشات، والاتصالات الصوتية، والمرئية فيما بين اللاعبين دون خضوعها للإشراف الخارجي من قبل القائمين على المنصة، أو حتى الراغبين في تتبع المحتوى المتداول فيما بين اللاعبين المتواجدين على الخادم الخاص، ومع وجود أكثر من (٣٠٠ مليون) حساب مسجل عليها وأكثر من (١٤٠ مليون) مستخدم نشط شهريًّا، ندرك حجم التواصل فيما بينهم، علمًا بأن التواصل لا يتعلق فقط بالرياضة، بل يمتد إلى السياسة، وغيرها من قضايا تعمل على تقريب اللاعبين ذوي الفكر المتماثل من بعضهم، ليشكلوا بذلك جبهة متحدة لا تفرق بين الواقع الافتراضي، والحياتي.

هذه المنصة باتت اليوم تشكل منصة وسائط اجتماعية يستخدمها غير اللاعبين من أولئك الراغبين في التحدث مع الآخرين حول موضوعات مشتركة مثل أيديولوجية النازيين الجدد، واليمين المتطرف، والترويج لخطابات الكراهية، والتمييز ضد الآخر المختلف معهم. والملفت في الأمر أن تداول الفكر المتطرف على تلك المنصة أيًّا كان ماهيته يتم بصورة "الدعابة السوداء"، الغرض منها عدم الكشف كليًّا عن توجه أفراد الجبهة، أو المجموعة، فمثلًا بعد منع السلطات في مدينة "شارلوتسفيل" بولاية "فرجينيا" الأمريكية تجمُّع للقوميين البيض تحت شعار "وحدوا اليمين" Unite the Right، اتجه هؤلاء المتطرفون إلى منصة الألعاب الإلكترونية للتواصل، والدعاية لفكرهم العنصري، والسبب في ذلك هو إمكانية إضافة علامات تصف الموضوع الرئيسي للمجموعة إلى الخادم الذي لا يخضع للرقابة، أو الإشراف الخارجي كما سبق أن أشرنا؛ كي يتمكن المؤيدون من العثور على المجموعة بسهولة، ومن ثَمَّ التواصل، والتنسيق فيما بينهم.

وتشير الأرقام إلى وجود (3,634) خادمًا بعلامة "سامة" –تحمل أفكارًا متطرفة- ، في حين تم وضع علامة "يمينية" على (272) خادمًا، وعلامة "كراهية" على (182) خادمًا، وعلامة "نازي"على (٢٢٢) خادمًا، وهذه العلامات المعروضة علنًا تنذر بوجود المئات من الخوادم ذات المحتوى العنصري، والمتطرف المخفيين.

ويحدد هذا الخادم مَن المسموح له بالانضمام إلى المجموعة، فمثلًا إذا كانت المجموعة تهاجم، وتعارض اللاجئين، والمهاجرين، فتجذب أولئك المؤيدين لهذا الفكر المتطرف، ونفس الأمر مع المجموعات المعارضة للنساء، وأصحاب البشرة السمراء، ما يعني أن خوادم منصة الألعاب الإلكترونية تُعد وسيطًا للأعضاء الجدد قبل الانضمام إلى الخوادم المنشأة لغرض الدعاية للفكر المتطرف، وجمع المناصرين له.

وبهذا تُعد منصات الألعاب الإلكترونية بؤرًا للتطرف، بل تجاوز الأمر إلى حد التحريض، وتأييد التطرف العنيف، والمنافسة في إبراز القدرات، والفروق فيما بين اللاعبين، فقد ذابت الحدود بين الحقيقية، والخيال عندهم، حتى باتت الأرواح البشرية تتساوى مع الأهداف المرغوب في القضاء عليها داخل الألعاب، والتي تتنوع ما بين أشخاصٍ، ومبانٍ، وأسلحةٍ، وسياراتٍ، ويتم التعامل معها بلغة الأرقام كـ "Score" يجب تحطيمه، وبلوغه قبل المنافسين في اللعبة، لكن مكمن الخطورة هنا ليس في إطار اللعبة الداخلي، بل في امتداد ذلك التوجه إلى خارجها، وبمعنى أدق إلى الواقع، حتى باتوا يطلقون كلمة "الفوز" - استنادًا إلى اللغة المتداولة فيما بينهم على منصات الألعاب - على الهجمات الإرهابية التي نفذها أعضاء في اليمين المتطرف، أو أعضاء القوميين البيض.

نأتي إلى ثاني أحد أشهر منصات الألعاب الإلكترونية التي نشط عليها نحو (120 مليون) مستخدم على مدار عام 2020م، والتي كانت ضالعة في تدريب منفذ هجوم ميونيخ عام 2016م على إطلاق النار حيث انخرط بأحد منتديات المنصة التي تمجد إطلاق النار الجماعي، وهو ما مهد الطريق لتنفيذه الهجوم الذي راح ضحيته (9) أشخاص، وإصابة (27) آخرين رميًا بالرصاص. وقد أظهرت عمليات التفتيش في غرفته عقب الحادث عن العثور على قصاصات من صحف تتعلق بهجمات مماثلة مثل الهجوم الذي نفذه النرويجي "اندرز بيهرينغ بريفيك" وراح ضحيته (77) شخصًا في العاصمة "أوسلو" قبل 5 سنوات من تنفيذ هجوم ميونيخ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن منفذ هجوم ميونيخ لم يكن منتميًا لأي تنظيم إرهابي، أو معروف لدى الشرطة الألمانية.

تضم هذه المنصة الشهيرة عددًا كبيرًا من المتطرفين اليمينيين، وأنصار أيديولوجية "تفوق العرق الأبيض" الذين يعبرون عن فكرهم في شكل صور، وأسماء، وأوصاف على المنتديات التابعة لها. وبلغ بهؤلاء حدُّ المزج بين الألعاب، والأفكار المتطرفة إلى الاحتفال بمهاجمي "أوسلو"، و"كرايستشرش" -ذلك الهجوم الذي نفذه الأسترالي برينتون تارانت المنتمي لجماعة تفوق العرق الأبيض عام 2019م خلال أداء مسلمين صلاة الجمعة، وأسفر عن مقتل 51 مسلمًا بينهم أطفال ونساء في نيوزيلندا-.

فهذا النوع من المنصات يُسهِّل عملية المزج بين الألعاب الإلكترونية، والأيديولوجيات المتطرفة، كما يُيسر عملية جذب العناصر المؤيدة لتلك الأيديولوجيات، ويثير التنافس فيما بينهم؛ لتحويل الأفكار، وأجواء اللعبة إلى واقع حقيقي على الأرض، وهذا ما شهدناه عندما قام "تارانت" ببث مباشر لمدة (17) دقيقة خلال تنفيذه هجوم "كرايستشرش" ضد المسلمين في نيوزيلندا، وذلك عبر تثبيت كاميرا تصوير على رأسه في أثناء التحرك في محاكاة دقيقة لمشاهد القتال بالألعاب الإلكترونية، وقد انتشر هذا المقطع المصور سريعًا مما دفع إدارة فيس بوك إلى إزالة (1.5) مليون مقطع فيديو تم تداوله خلال الـ 24 ساعة الأولى عقب الهجوم المروع، الذي استخدم فيه المنفذ ترسانة من البنادق شبه الآلية.

وتأكيدًا على ذوبان الحدود بين الواقع الافتراضي، والحياتي لدى اللاعبين، حصد فعل "تارانت" تأييدًا من قبل أنصار جماعة "تفوق العرق الأبيض"، حيث بلغ الأمر إلى المزايدة فيما بينهم في عدد الضحايا الذين سقطوا خلال الهجوم المروع؛ فقد رأى البعض منهم إمكانية إيقاع عددٍ أكبر إذا كان هو المنفذ بدلًا من "تارانت"، وهذا يؤكد لنا التداخل الحاصل بين الواقع، والخيال لدى هؤلاء اللاعبين، وتعاملهم مع الأرواح البشرية كـ "أرقام مجردة"، عليهم تسجيلها، والتفوق فيها على نظرائهم المنافسين.

وهذا يقودنا إلى أحد أخطر النتائج المترتبة على تلك المنصات، وهو "التداول"؛ فالبث المباشر يصعب السيطرة عليه؛ لأنه يقع في الحال، كما حدث في هجوم "كرايستشرش" بنيوزيلندا، ثم لا تلبث المنصات، والجهات الدولية الفاعلة في التحرك من أجل إزالة المقاطع المصورة، خوفًا من انتشار الفكر الذي تروج له، وعلى الرغم من هذا فإن ما لا يدركه هؤلاء هو قيام العديد حول العالم بتنزيل المقاطع بالفعل، وتداولها على منصات أخرى، كما حدث في هجوم "هال" في ألمانيا عام 2019م، الذي نفذه "ستيفان باليت" البالغ من العمر (27) عامًا ضد كُنيّس يهودي، والذي بثه مباشرة عبر أحد منصات البث المباشر المعروفة التي تضم (9.5 مليون) بثًّا نشطًا بمتوسط (2 مليار) ساعة تُشاهَد شهريًّا من قبل المستخدمين الذين تتراوح أعمارهم ما بين (16 و34) عامًا. ورغم إزالة الفيديو في غضون (35) دقيقة من نشره، فإن نحو (٢٢٠٠) شخصٍ شاهدوه على المنصة، وتم تنزيله على منصات أخرى، بما في ذلك "تويتر"، ومجموعات يمينية متطرفة بـ "تليجرام"؛ ليحصد أكثر من (72000) مشاهدة في الخمسة الأيام الأولى عقب تنفيذه.

وهنا نشير إلى عدة روابط مشتركة بين هجومي "هال" و"كرايسترش" أولها:

  1. الرابط الأول: الزي العسكري الذي ارتداه المنفذان في محاكاة دقيقة للألعاب الإلكترونية التي تأخذ الطابع القتالي في صورة ميدان حرب، أو معركة حيَّة.
  2. الرابط الثاني: القيام بـ تصوير مقاطع  عمدًا، لنشرها على الإنترنت عبر تثبيت كاميرا في مقدمة الرأس، أو بمقدمة السلاح المستخدم، وهذه الحالة يطلق عليها بلغة الألعاب الإلكترونية "التصويب من منظور الشخص الأول"، حيث يتصدر المجموعة المهاجمة شخصًا يأخذ المخاطرة، والمغامرة معًا، ويقوم بتصوير الخطوات الأولى للعملية، وهو نفس الوضع الذي يمارسه هؤلاء المنفذون للعمليات الإرهابية، حيث يرون في أنفسهم "القدوة"، أو "القائد" لمؤيدي فكرهم، حتى نجد بعضهم يصيغ "بيانًا" من عدة صفحات يمهد به للعملية التي يقرر تنفيذها، وكأنه يحرض الآخرين في المجموعة، وخارجها على الاقتداء به.
  3. الرابط الثالث: استخدامهما لأكثر من سلاح ناري، وهو إن كان يؤكد تعمد ارتكابهما لهذه الجرائم المروعة، فإنه يشير في الوقت ذاته إلى الرغبة في حصد أعلى عدد ممكن من الأرواح باعتبارهم "أرقامًا مجردة" يتم تسجيلها، وخوفًا من تعطل تحقيق هذا الهدف، فإنهم يلجأون إلى إحضار أكثر من سلاح لموقع الهجوم، لعدم تبديد الوقت في تعبئة الأسلحة، والتأكد من ملاحقة الضحية "الهدف" Goal، وتصفيته كما هو مخطط.

 

 

Image

وفق الصورة السابقة يتبين لنا قيام منفذ هجوم "كرايسترش" بالسير حاملًا سلاحًا مستهدفًا مدخل المسجد وهو يبث مباشرة جميع خطواته التي قام بها لتنفيذ هجومه الدموي ضد المصلين.

  1. الرابط الرابع: عدم الندم فـ "باليت" –منفذ هجوم هال- أكد خلال محاكمته "لم أكن مخطئًا، إنهم أعدائي"، أما  "تارانت" فقد لاحظ القاضي "كاميرون ماندر" الذي أصدر الحكم عليه عدم ظهور أي ندم، أو تأنيب ضمير، أو خجل تجاه ما فعله، ما دفعه إلى قول: "جرائمك شريرة لدرجة أنه حتى لو سُجنت طوال حياتك إلى مماتك، فلن تستنفد شروط العقوبة". كما أن "تارانت" تعمد القيام بحركة استفزازية لمشاعر أهالي الضحايا بيده رغم تكبيلها بالأخرى في إشارة للعنصريين البيض، وفي ذلك تأكيد على اعتناق منفذ الهجوم على مسجدي نيوزيلندا لـ "الأيديولوجية البيضاء" Whiteness.

 

Image

 

  1. الرابط الخامس: أخيرًا، فإن الفئة العمرية متقاربة فكلاهما نفذ هجومه في أواخر العشرينات، وهو ما تؤكده الدراسات التي حذرت من أن الفئة الأكثر تأثرًا بالألعاب الإلكترونية هي الفئة الممتدة ما بين (١٨ إلى 35) عامًا.

ثغرات تنفذ منها المحتويات المتطرفة إلى منصات الألعاب الإلكترونية

نأتي هنا إلى نقطة "البث المباشر" فمن المنصات الفاعلة في ذلك منصة "يوتيوب" التي يبلغ متوسط مشاهدة محتواها الـ مليار ساعة يوميًّا، ورغم هذه المشاهدات المليارية، فإن تلك المنصة واسعة الانتشار تعاني قصورًا في الإشراف الفعلي على البث المباشر، خاصة إذا كان محتوى الفيديو متنكرًا، وغير واضح، سواء أكانت المنصة ذلك المحتوى في هيئة قناة ألعاب، أم تجميل أم غيرهما، لكون الكلمة المنطوقة فقط هى الكاشفة عن الأيديولوجية التي تروج لها، أو إذا كان يستخدم لغة غير اللغة الإنجليزية.

ومن النقاط المهمة في موضوع منصات الألعاب الإلكترونية الجزء الخاص بـ "الإشراف"، حيث إن المنصات التي تضم قطاعات كبيرة من الشباب، وصغار السن، يفتقر موظفوها للخلفيات الثقافية المناسبة للتعامل مع المحتوى المتطرف، وإزالته قبل انتشاره، وعمل نسخ منه، هذه الخلفية نقصد بها "اللغة" - فعلى سبيل المثال- عندما توجه تنظيم داعش الإرهابي إلى تلك المنصة لجذب اللاعبين، والتوغل بها، افتقر موظفوها إلى اللغة العربية، ومن ثَمَّ لم يتمكنوا من تحديد صلاحية المحتوى من عدمه، ومدى صلته بالتطرف؛ لذا استغرق إزالته وقتًا أطول بكثير، وهي إحدى المشكلات التي تعاني منها المنصات الصغيرة على الأخص، ولهذا تتجه التنظيمات المتطرفة وأعضاؤها إلى تلك المنصات، استغلالًا لنقاط ضعفها، وفي مقدمتها ضعف الإشراف.

كما أن إحدى نقاط الضعف بمنصات الألعاب الإلكترونية تبرز في إمكانية مشاركة المحتويات المتطرفة بين أكثر من منصة، لذا يجب النظر إلى المجتمع الرقمي الأوسع ككل وليس منصات الألعاب وحدها عند محاولة السيطرة على المحتويات المتطرفة عليها.

النتائج والتوصيات

بعد ما استعرضناه من مخاطر لمنصات الألعاب الإلكترونية تجدر الإشارة إلى ضرورة التفريق بين كون تلك المنصات مَنفذًا لوصول المتطرفين إلى آخرين والقيام بتجنيدهم أو التواصل فيما بينهم بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية، وبين كونها منصة متطرفة، فعلى الرغم من أن هذه المنصات واقعيًّا ليست منصات متطرفة، فإن ضعف الجانب الإشرافي بها، وثغرات الإجراءات القانونية فيها، يشجع المتطرفين أيًّا كانت أيديولوجيتهم على استغلالها كمنصة انطلاق للتواصل مع العناصر القديمة، أو المجندين الجدد المحتملين، مثلما يحدث بين مؤيدي الأيديولوجية البيضاء، أو القوميين البيض، وكذلك التنظيمات المتطرفة الأخرى مثل داعش وغيرها.

ورغم أن هناك صعوبة في تحديد اللاعبين المعرضين لخطر التجنيد على منصات الألعاب الإلكترونية، وحذف البث المباشر للهجمات الإرهابية التي نفذت بالفعل، مما يصعب تعقب المستخدمين الذين ينشرون محتويات متطرفة في الدردشات، والخوادم غير المفتوحة للجمهور، كما أن الإشارة إلى العنف سواء بالكلمات، أو الصور، أو الفيديوهات، لا يمكن بيان مدى صلته بالتطرف، خاصة أنها تأتي مصاحبة لبيئة الألعاب العنيفة، والقتالية، كل ذلك يُصعِّب عملية تحديد هوية الأفراد المؤهلين للتطرف، جراء الألعاب الإلكترونية، والبيئة المحيطة بها.

هذه التحديات شكَّلت دافعًا للبحث عن سبل أخرى لزيادة الوعي بين اللاعبين، لحمايتهم من التطرف، وهو ما نطلق عليه "الخطاب المضاد"، حيث تفعيل فكرة الإبلاغ من قبل المستخدمين عن اللعبة ذات التوجه المتطرف، لدفع المنصات إلى عدم استضافتها، أو العمل على تنبيه اللاعبين إلى المحتوى المتطرف، لتمييزه، والإبلاغ عنه، مثل: التعليقات العنصرية، ورسائل الكراهية، التي يصادفونها في أثناء قضاء وقتهم على المنصة.

ومن السبل المفيدة في المكافحة فتح باب النقاش، والحوار مع اللاعبين على غرار الأسلوب المتبع من المتطرفين الذين يستخدمون "الدردشات" في تجنيد العناصر المحتملة، والهدف من ذلك الوقاية والتوعية، وبالفعل هناك نموذج جيد في هذا الصدد، فقد نفذت الشرطة الهولندية مشروعًا تجريبيًّا تحت عنوان: "Gamen met de Politie"، أو "اللعب مع الشرطة"، حيث يمكن للاعبين التحدث مع الضباط عن اللعبة، والمواقف الحياتية اليومية بشكل طبيعي.

وأيضًا يمكن تطوير ألعاب هادفة، وجادة بمجالات متنوعة، لاستخدامها أداة للتعريف بالإرهاب، والتطرف، وبيان مخاطرهما، ومن أمثلة ذلك ما قام به المركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT) في "لاهاي" من تنفيذ مشروع Game Changer  عقب هجوم النرويج المروع في عام 2011م، والهدف من هذا التوجه هو الحدُّ من المعلومات المضللة، ومنع الترويج للأفكار المتطرفة.

أي إن صياغة الخطاب المضاد للفكر المتطرف يجب ألا يقتصر على الكلمات المنمقة المدعومة بالأدلة، بل يجب استخدام نفس السلاح الذي يستخدمه المتطرفون، ونقصد هنا صنع ألعاب، واستغلال الملحقات المصاحبة للألعاب على المنصات مثل "الدردشات"، فمحاربة هذا الفكر بنفس السلاح يُعد من أنسب الوسائل، لسد الثغرات التي ينفذ منها العناصر، والجهات المتطرفة إلى هؤلاء اللاعبين، كما أنه يساعد في كشف المحتويات المتطرفة حتى في صورتها الفكاهية المرحة؛ فكم من أفكار متطرفة رُوجت من باب الدعابة، ولم تُكشف، وأحدثت أثرًا بالغًا في عقول، وتوجهات الأفراد.


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.