الجماعات المتطرفة

 

20 فبراير, 2023

إسبانيا والتحديات الأمنية المتجدِّدة في مطلع 2023م (2)

.. إشكالية نساء وأطفال داعش العائدين إلى إسبانيا

استعرض الجزء الأول من التقرير قضية تأهيل المتطرفين داخل ‏السجون، وضرورة تكثيف البرامج تأهيل العناصر الإرهابية داخل المعتقلات الإسبانية لضمان فعاليتها في القضاء على الفكر المتطرف على يد متخصصين. وفي هذا الجزء سوف نتناول بالتحليل إشكالية العائدين من تنظيم داعش الإرهابي من النساء، والأطفال إلى الأراضي الإسبانية.

العائدون.. التحديات وسبل المواجهة
تعتبر مشكلة عودة المقاتلين الأجانب ضمن صفوف تنظيم داعش الإرهابي من سوريا إلى الأراضي الإسبانية، التحدي الأهم للدولة الإسبانية حيث ينصب الاهتمام في الوقت الراهن على كيفية التعامل مع هؤلاء العائدين. ‏وقد سبق أن سلطت صحيفة الـ"موندو" الإسبانية، بتاريخ 10 يناير 2023م ‏الضوء على عملية اعتقال الإسبانيتيْن ‏‏"يولاندا مارتينيز" و"لونا فرنانديز" فور وصولهما إلى مطار ‏‏"توريخون دي أردوز" العسكري، وقد كانتا محتجزتين في معسكر "الروج" بسوريا. يُذكر أن إسبانيا من أقل الدول الأوربية تصديرًا للعناصر الإرهابية، إذ قدَّرَت أحدث البيانات انضمام (258) متطرفًا إلى صفوف داعش الإرهابي في سوريا، والعراق، أغلبهم من الذكور بواقع ‏(227) رجلًا، و(31) امرأة فقط، عاد منهم (‏‏57) شخصًا، في حين لقي (76) مصرعهم، ولا يزال هناك (125) شخصًا في معسكرات سوريا.
جدير بالذكر أنه خلال عام 2022م، وبعدما يقرب من (5) سنوات، بدأت بعض الدول مثل ألمانيا، ‏والدنمارك، وبلجيكا، والسويد، وفنلندا، وهولندا، وروسيا، والولايات المتحدة في استعادة المتطرفات ‏من مخيمات اللاجئين في شمال سوريا على طول حدود دولتي تركيا، والعراق. وقد وصلت المجموعة الأولى من الإسبان العائدين على متن طائرة أمريكية، بينهم امرأتان، ‏وعدد (12) قاصرًا، تتراوح أعمارهم بين (3- 15) عامًا، بعد مصرع أولياء أمورهم في سوريا، والعراق. ‏
وعرض تقرير صحيفة "لا راثون" الإسبانية، بتاريخ 15 يناير 2023م، مخاطر استعادة الأطفال الذين ارتبطوا بشكل مباشر أو غير مباشر بتنظيم داعش الإرهابي؛ خوفًا من تداعيات عمليات التلقين الذي تعرَّض لها هؤلاء الأطفال، ودور الأمهات الرئيس في التأثير على أطفالهن، بعد اختفاء مدارس داعش في سوريا، والعراق، التي ضمت حوالي (100.000) من الأطفال، والشباب. بخلاف تدريب هؤلاء الأطفال على العمليات العسكرية والقتالية؛ تمهيدًا للقيام بعمليات إرهابية بعد العودة إلى بلدانهم الأساسية، ضمن إستراتيجية الخلايا النائمة، في إطار تجهيز هؤلاء الأطفالَ ليكونوا مستقبل "خلافة داعش المزعومة"، فهُم في نظره أشبال اليوم، وأسود الغد الذين سيكفُلون بقاءه على قيد الحياة.

Image

صورة تعبيرية حول قضية إعادة أطفال داعش إلى أوطانهم

لذلك ترفض بعض البلدان استعادة مواطنيها -وخاصة النساء مع أطفالهن- لأسباب تتعلق بالخطر المحتمل على الأمن القومي. لكن يمكن للحكومة الإسبانية في حال قررت استعادة هؤلاء الأطفال، الاستفادة من الإستراتيجية الفرنسية وفصل هؤلاء الأطفال عن أولياء أمورهم واسناد مهمة إعادة تأهيلهم فكريًّا وسلوكيًّا إلى مجموعة من علماء النفس.
وحذر تقرير "معهد إلكانو الملكي" الإسباني الأخير بعنوان: "إسبانيا في ‏العام 2023م: الآفاق والتحديات الأمنية للمقاتلين الأجانب عند عودتهم" من مخاطر عودة المقاتلين، استنادًا إلى تخوفات خبراء مكافحة الإرهاب من تحول مدينتا (سبتة، ومليلية) إلى بؤرةٍ جذب للمتطرفين الأجانب، ‏وتعزيز الإرهاب، كما يحدث في منطقة الساحل الإفريقي.

Image

‏‏"يولاندا مارتينيز" و"لونا فرنانديز" الإسبانيتان المنضمات إلى صفوف داعش في سوريا

في المقابل أعرب الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" عن امتنانه، وسعادته؛ لإعادة سيدتيْن إسبانيتيْن، كانتا زوجتيْن لمتطرفَيْن في مناطقِ النزاع، مع بعضٍ مِن الأطفال الإسبان القُصَّر. كما أعرب أيضًا المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة "ستيفان دوجاريك" في مؤتمر صحفي عن عميق امتنانه لكل من ساهم في عودتهم، وأكد أنهم طالبوا المجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية -التي لديها مواطنون في مخيمات اللاجئين- أن تبذل قصارى جهدها؛ لإعادتهم إلى أوطانهم، مشددًا على أن "الأوضاع في المخيمات غير إنسانية، وصعبة للغاية، وأن كل دولة لديها مسئولية تجاه مواطنيها".
• سُبُل المعالجة
يُعد ملف العائدين من "داعش" من الملفات الشائكة، والمتجددة، ليس في إسبانيا وحدَها بل في كل دُوَل القارَّة الأوروبية، وفي هذا الصدد يُوصِي مرصد الأزهر بتخصيص مراكزَ نفسيةٍ، وطبية لمعالجة الآثار النفسية، ‏والأسرية، والاجتماعية التي يعاني منها العائدون من داعش، وكذلك ضرورة ترسيخ التعاون الدولي -على مستوى المؤسسات الحكومية، وغير الحكومية، والمؤسسات الدينية المعتدلة- لتوعية ‏الشباب، ووقايتهم من ‏استقطاب التنظيمات الإرهابية، وتجنيبهم خطر الوقوع في براثنها. كما يَرى المرصد أن الخيار الأفضل يكمن في إعادة الأطفال إلى ‏أوطانهم، والعمل على تأهيلهم، بما يسهم في القضاء على احتمالية إعادة انضمامهم إلى التنظيمات ‏الإرهابية.
ووَفقًا لخبراء الإرهاب، وتأكيدات مرصد الأزهر لمكافحة التطرف المتكررة، لا تقتصر مكافحة التطرف على الإجراءاتٍ الأمنية أو العسكرية فقط، بل يجب أن تَسير -جنبًا إلى جنب- مع تطبيق حُزمة من الإجراءات الأخرى التي تتعلق بالتعليم، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما أنه من الضروري على الجهات المعنية وضعُ خطوات استباقية وقائية، فيما يخص توعية الشباب، لكونهم أكثرَ عرضةً لدعايات التطرف العنيف، وذلك من خلال تدشين حَملاتٍ توعوية، سواءٌ على شبكات التواصل الاجتماعي، أو في المؤسسات التعليمية كالمدارس. إضافة إلى ذلك فمِن المهم تعاونُ المنظمات غير الحكومية مع مؤسسات الدولة في توعية الشباب، والسعيُ إلى إدماج اللاجئين والمهاجرين -وخاصة الشباب منهم- داخلَ نسيج المجتمع، بما يضمن حمايتَهم من التطرف، وعدم جعلهم فريسةً سهلةً لِمَن يعملون على استقطابهم لصفوف التنظيمات الإرهابية.

وحدة رصد اللغة الإسبانية


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.