الجماعات المتطرفة

 

12 أبريل, 2023

تحليل إحصائية أنشطة التنظيمات الإرهابية في الدول الإفريقية لشهر مارس 2023

     واصل مؤشر العمليات الإرهابية التي تشنها التنظيمات المتطرفة في إفريقيا في الهبوط التدريجي؛ حيث سجّل شهر مارس 2023م انخفاضًا نسبيًّا مقارنة بشهر فبراير الماضي بمعدل 9.1%؛ بواقع (30) عملية إرهابية خلال هذا الشهر، ورغم هذا الانخفاض، إلا أن هناك ارتفاعًا كبيرًا في عدد الضحايا؛ فقد أسفرت عمليات هذا الشهر عن سقوط (243) ضحية، وإصابة (31)، واختطاف ( 8 ) آخرين. بينما بلغ عدد العمليات في شهر فبراير المنصرم (33) عملية إرهابية، خلّفت (180) ضحية، و(67) جريحًا، و(23) مختطفًا.
وفقًا للإحصائية، فقد احتلت منطقة شرق إفريقيا المرتبة الأولى من حيث عدد الهجمات الإرهابية، والمرتبة الرابعة من حيث عدد الضحايا؛ حيث سجلت المنطقة (10) عمليات إرهابية، بواقع (33.3 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أسفرت عن مقتل (29)، وإصابة (17) آخرين. كان لدولة الصومال أكبر معدل لعدد العمليات في المنطقة؛ إذ شهدت (9) عمليات إرهابية أدت إلى سقوط (24) وإصابة (14). أما "كينيا" فقد تعرضت لعملية إرهابية وحيدة أسفرت عن سقوط (5) من الضحايا، وإصابة (3) آخرين.
وعلى الرغم من تصدر منطقة الشرق الإفريقي المشهد العملياتي لشهر مارس، إلا أن عدد الضحايا كان قليلًا، وذلك لأن الحكومة الصومالية تبذل جهدًا كبيرًا في مكافحة حركة "الشباب" الإرهابية وصد معظم هجماتها، فضلًا عن صيرورة الجيش الإثيوبي والكيني على مقاومة الحركة الإرهابية. لذلك، لم يتبق خيار أمام إرهابيي "الشباب" سوى مواصلة المقاومة والموت في الصومال أو محاولة نقل عناصرهم إلى مكان آخر، وهو سيناريو من المحتمل حدوثه في الفترات القادمة، نتيجة للسياسة الشاملة المتبعة في الوقت الحالي للقضاء على حركة الشباب الإرهابية.
ومن شرق القارة إلى غربها، لا تختلف النتائج كثيرًا، حتى وإن تباينت الأدوات، فقد جاءت منطقة غرب إفريقيا في المركز الثاني من حيث عدد العمليات الإرهابية، والثالثة من حيث عدد الوفيات، إذ هاجمها تنظيم "داعش غرب إفريقيا" وغريمه "بوكو حرام" الإرهابي بـ (9) عمليات إرهابية، أي بما يعادل (30 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أدت جميعها إلى مقتل (32)، وإصابة واختطاف (6)، كان لنيجيريا النصيب الأكبر منها، حيث تعرضت الدولة لـ ( 8 ) هجمات إرهابية أسفرت عن سقوط (30)، وإصابة (4) واختطاف (6). وتعرضت موريتانيا لهجوم وحيد أدى إلى مقتل وإصابة (2).
لا شك أن الملف الأمني ومواجهة إرهاب تنظيم داعش الإرهابي وبوكو حرام يعد التحدي الأبرز أمام رئيس نيجيريا الجديد، في ظل تردي الأوضاع الأمنية وارتفاع معدلات الجريمة منذ أكثر من عقد من الزمان، فضلًا عن التحديات الاقتصادية التي تتخذها التنظيمات الإرهابية مدخلًا لاستقطاب الشباب لتعزيز صفوفها بالعنصر البشري، وهذا يؤكد على ضرورة أخذ التهديدات من التنظيمين الإرهابيين على مستوى الحذر والجدية بدرجات أعلى.
كما احتلت منطقة الساحل والصحراء المركز الثالث من حيث عدد العمليات الإرهابية، والثاني من حيث عدد الضحايا؛ إذ هاجمتها التنظيمات الإرهابية العاملة في المنطقة كـ "نصرة الإسلام والمسلمين"، و"داعش فرع الصحراء الكبرى"، و"أنصار الإسلام"، بـ (6) عمليات إرهابية، أي بما يعادل (20 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية التي نفذتها التنظيمات الإرهابية في القارة خلال الشهر)، أسفرت عن سقوط (79) ضحية، و(5) مصابين. وجاءت "بوركينا فاسو" على رأس دول المنطقة التي شهدت (5) عملية أدت إلى مقتل (79)، وإصابة (4) بجراح. فيما تعرضت دولة "النيجر" لعملية إرهابية واحدة خلفت مصابًا واحدًا دون وقوع قتلى.
يلاحظ أن منطقة الساحل والصحراء تشهد تطورات خطيرة على صعيد حضور ونشاط التنظيمات الإرهابية هناك التي تطال العديد من البلدان عبر تسللها واختراقها للحدود الهشة، وذلك بسبب الأوضاع الحرجة التي تنعش الإرهاب، أبرزها على الإطلاق: غياب التنسيق الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة، وضعف مراقبة الحدود بين الدول، فضلًا عن عدم الاستقرار السياسي في الدول المضطربة، مما حدا بالسلطات البوركينية إلى فرض حظر للتجوال لمدة شهر في المناطق الحدودية ضمن جهود مكافحة الإرهاب، تلكم الخطوة التي يعدها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنها خطوة استباقية ضرورية لمساعدة الجيش في تأمين الحدود وقطع سبل الإمداد والتمدد أمام عناصر التنظيمات الإرهابية. كما أنها تساهم في تعقب وتتبع تحركات تلك العناصر ومعرفة مواقع تمركزها ومن ثم شن ضربات عسكرية ذات دقة عالية على أوكارهم.
أما منطقة وسط إفريقيا فقد جاءت في المركز الأخير، إلا أنها احتلت المركز الأول من حيث عدد الوفيات. فقد تعرضت المنطقة لـ (5) هجمات إرهابية أي بما يعادل (16.7 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أدت جميعها إلى سقوط (103) من الضحايا، و(3) من المصابين. فقد تعرضت "الكونغو الديمقراطية" وحدها لـ (3) هجمات إرهابية تبناها متمردو "القوات الديمقراطية المتحالفة" التابعة لتنظيم "داعش"، مما أسفرت عن سقوط (97) من الوفيات. وفي الكاميرون لقي (6) مدنيين مصرعهم، وأصيب (2) آخرون عقب هجومين إرهابيين.
وعلى الرغم من الجهود المتزايدة التي يبذلها الجيش وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لا تزال جمهورية الكونغو الديمقراطية وخاصة المنطقة الشرقية تئن من فظائع الإرهاب. الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى تخصيص حوالي 47 مليون يورو متضمنة المساهمة الفرنسية بمقدار 34 مليون يورو، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة مثل التغذية والرعاية الصحية والمأوى والمياه في شرق البلاد. وفي هذا الصدد يحذر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من أن الصراع الدائم في شرق الكونغو، وتأزم الموقف وانعدام الأمن في البلاد قد يؤدى إلى عرقلة الانتخابات الوطنية المزمع عقدها نهاية العام الجاري، خاصة في ظل قيام مفوضية الانتخابات بتأجيل الموعد النهائي لتسجيل الناخبين عدة مرات، الأمر الذي قد يعمل على زيادة الاحتقان الداخلي في البلاد.
أما من حيث جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية في إفريقيا فقد بلغ عدد القتلى من العناصر الإرهابية (487) قتيلًا و(16) معتقلًا، فضلًا عن استسلام (2654) من العناصر الإرهابية. ففي شرق القارة الإفريقية وتحديدًا في الصومال، قتلت الحكومة (319) من مقاتلي الحركة، واعتقلت (7)، فيما استسلم إرهابي وحيد. وفي غرب القارة حيث التنافس والتصارع بين "بوكو حرام" و"داعش غرب إفريقيا" على السلطة والنفوذ، استسلم (1693) من إرهابيي التنظيمين المتطرفين. وفي منطقة الساحل أدت جهود مكافحة التنظيمات الإرهابية إلى تحييد (160)، فيما استسلم (960) آخرون. وفيما يخص دول وسط إفريقيا فقد أدت جهود المكافحة إلى مقتل ( 8 ) من العناصر الإرهابية واعتقال (9) آخرين.

شهر مارس.. شهر الاستسلامات

يلاحظ أن شهر مارس قد شهد موجة استسلامات كبيرة من قبل التنظيمات الإرهابية خاصة من عناصر بوكو حرام وداعش غرب إفريقيا، مما يدفعنا إلى أن نطلق على هذا الشهر "شهر الاستسلامات". وهذا يرجع إلى التقدم الملحوظ الذي أحرزته القوات الحكومية في حربها ضد التنظيمات الإرهابية خلال الآونة الأخيرة، وتمكنها من استعادة مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت تقبع تحت سيطرتها.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن العمل العسكري الدؤوب والعزم على اجتثاث الإرهاب والقضاء عليه، كان أحد الأسباب الرئيسية التي عرقلت وصول تلك التنظيمات إلى الإمدادات المهمة، مما أوقع خسائر نفسية في ‏صفوف مقاتليها، وزاد من سوء الأحوال المعيشية للإرهابيين في المناطق المتضررة، وهو ما ‏شجّع المتطرفين على الانسحاب والاستسلام. ويهيب المرصد بالجهات المعنية تقديم يد العون للعائدين من تلك التنظيمات والتائبين من أفعالها الإجرامية، لإحلال السلم والأمان، وضرورة أن تكون هناك خطوة ملموسة على أرض الواقع تتمثل في إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، وذلك فيما يُسمى بعملية "الممر الآمن"، وتقديم جميع الخدمات والإرشادات الاجتماعية والنفسية والدينية.


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.