الجماعات المتطرفة

 

10 أبريل, 2023

التنظيمات المتطرفة.. والترويج لنفسها بألقاب مزيفة

دائمًا ما يستخدم الخارجون عن الشرع، والقانون شعاراتٍ براقةً خادعة، بُغيةَ التغرير بالآخرين، والخِداع هو الترويج لاعتقادٍ ما بشيء ليس حقيقيًّا، فهو على كل حال تُقْيَةٌ لإخفاء الوجه القبيح، وهذا بلا شك اعتداءٌ، وخيانة.

وإذا أردنا أن نُطبِّق هذه القاعدة على التنظيمات المتطرفة، لوجدناها قد رفعت شعاراتٍ برَّاقةً لأجل كسب كثيرٍ مِن الأنصار، أو جلبِ استعطافِ الآخَرين على أقلِّ تقدير.

"فطائفةُ الخوارج" -وهم الذين خرجوا على الإمام -رضي الله عنه- وعلى جماعة المسلمين، وكفَّروا كلَّ المسلمين- كانوا يزعمون أنَّ خروجهم على عليٍّ -رضي الله عنه - كان أمرًا مشروعًا. ومع ذلك فقد كانوا يتأولون لقب (الخوارج)، ويرونه مدحًا؛ فكلمة "خوارج" في نظرهم جمع "خارجة"، وهي: الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله تعالى، وأنَّه مأخوذ من قول الله عز وجل: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة النساء: 100]، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46]. وكانوا يطلقون على أنفسهم كذلك: "الشُّراة"، نسبة إلى الشِّراء الذي ذكره الله بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:111] فهم -كما زعموا ترويجًا لأنفسهم- شُراة؛ لأنَّهم باعوا أنفسهم لله كما يتوهَّمون. وقد أطلقوا على أنفسهم أيضًا اسم "الـمُحَكِّمة"، وهم يفتخرون بهذا الاسم، ويرون أنَّهم يُحَكِّمون كتابَ الله في أقوالهم وأعمالهم.

وفي العصر الحديث حاول كل تنظيم من التنظيمات المتطرفة أن يضفِيَ على نفسِه لَقبًا، أو اسمًا يتميز به عن غيره، وفي نفس الوقت يحمل طابعًا إسلاميًّا يؤثر في النفس؛ حتى ينخدع بهذا الاسم بعضُ الشباب المغرَّرِ بهم، فيتورطون مندفعين إلى هذا الفَصِيل، أو ذلك التنظيم طواعيةً منهم، ظنًّا منهم أنَّ مَن لم يلتحق بهم سيترك خيرًا كثيرًا، ويَنالُ عقابًا أليمًا من الله تعالى. كذلك فإنَّ تلك التنظيمات تُعطِي للألقاب كثيرًا من الصفات المقبولة في أذهان المتلقين، مثل: "أهل الإيمان"، و"الفرقة الناجية"، أو أنَّهم وحدهم الصادعون بالحق، والمجاهدون في سبيل الله، أو الغرباء في زمن الكفر، ... الخ.

ومن هذه التنظيمات: "السلفية الجهادية"، وهو لقب أطلق منذ نهاية الثمانينيات على بعض التنظيمات السياسية المتطرفة، والتي تتبنى الجهاد منهجًا للتغيير، ويزعم هذا التيار أنَّه يتبع منهج سلف المسلمين. بعبارة أخرى، السلفية الجهادية تنظيم حمل فكرة الجهاد المسلح ضد الحكومات القائمة في بلاد العالم الإسلامي، ومن أبرز مبادئهم الحاكمية، وقواعد الولاء والبراء، وهذا التنظيم ينظر إلى نفسه على أنه أعلى من الجيوش النظامية، ومن الواجب على الجنود ترك الجندية، واللحاق به.

ومِن بين هذه التنظيمات تنظيم "الإخوان المسلمين"، وهو لقب أطلقه "حسن البنا" على جماعته التي أسسها في مصر سنة 1928م، وهذا الاسم ربما يوهم البعض أنَّهم وحدَهم المسلمون المتآخُون، وأنَّ غيرَهم من المسلمين متفرقون متناحرون، وهذا التنظيم يطلق على نفسه كذلك: "الجماعة الأم"حيث يزعم تنظيم "الإخوان المسلمون" بأنه أول التنظيمات ظهورًا، وأنَّه على كل التنظيمات الناشئة أن تكون تبعًا له، وأن تدور في فَلَكه، وقد رأينا كيف أنهم قد اتخذوا من الدين شعارًا لتحقيق أغراض سياسية.

وهناك تنظيم آخر يطلق على نفسه "جماعة المسلمين"، ويطلق عليه البعض تنظيم "الدعوة والهجرة"، أو تنظيم "التكفير والهجرة"، ذلك التنظيم الذي نشأ داخلَ السجون في بادئ الأمر، وبعد إطلاق سراح أفراده تبلورت أفكاره، وكثر أتباعه، أمَّا عن أيديولوجيتهم المتطرفة فيمكن تلخيصها في أمرين؛ الأول: تكفير الحكام مُطلَقًا؛ لعدم حكمهم بشرع الله، وتكفير المحكومين؛ لرضاهم بكُفر الحكام، وتكفير العلماء؛ لعدم تكفيرهم أولئك الحكام. والأمر الثاني: الهجرة، ويقصد بها: اعتزال المجتمع الجاهلي الذي حولهم –كما يزعمون- عزلةً مكانية، وشعورية، وتتمثل في اعتزال معابد الجاهلية –وهي المساجد كما يزعمون-، ويظن أفراد هذا التنظيم أنَّه يلزم جميعَ المسلمين اتباعُهم، واتباع أميرهم؛ حيث يجتزؤون من حديث النبي ﷺ لحذيفة رضي الله عنه: "تلزم جماعة المسلمين، وإمامهم" – وهو جزء مِن حديث متفق عليه، أخرجه البخاري (٣٦٠٦)، ومسلم (١٨٤٧)، واللفظ له- تحايلًا على النصوص من أجل إعطاء أيديولوجيتهم المبنية على فهم مغلوط وسطحي للنصوص الصبغة الدينية.

ومن هذه التنظيمات كذلك "داعش" وهي اختصار لـ (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وهي تنظيم مسلَّح، ويهدف أعضاؤه -حسب زعمهم- إلى إعادة الخلافة الإسلامية، وتطبيق الشريعة"، وهؤلاء يُضْفُون على أنفسهم لقب "الدولة الإسلامية"، زعمًا منهم أنهم وحدَهم أهلُ الإسلام، ثم يرتِّبون على ذلك إلزام جميع المسلمين باتِّباعهم، واللحاق بهم، وتكثير سوادِهم.

وكذلك من بين التنظيمات المتطرفة التي تطلق على نفسها ألقابًا مزيفة "جماعة التوحيد والجهاد"، ويظهر من هذا اللقب أن هذا التنظيم يرى أنه التنظيم الوحيد الذي يوحِّد الله تعالى ولا يُشرك به شيئًا، وأنه ماضٍ على طريق الجهاد، مخالفًا بذلك جميع من تسمَّى باسم الإسلام، وهو –في الحقيقة- مُضَيِّعٌ لجناب التوحيد متخلفٌ عن الجهاد، ومن المعلوم أنَّ هذا التنظيم قام بتفجيرات عديدة في طابا، وشرم الشيخ، وعدةِ مناطقَ أخرى.

ومِن بين هذه التنظيمات كذلك تنظيم "أنصار بيت المقدس"، وهو تنظيم سلفي جهادي، استوطن في سيناء، وقام بمجموعة من التفجيرات الإرهابية، وقد أطلَق هذا اللقبَ على نفسه ترويجًا للتنظيم حتى يظن الناس أنَّهم وحدَهم مَن سيقومون بتحرير المسجد الأقصى، وأنه لا بدَّ من نصرتِهم، والالتفافِ حولَهم، ومؤازرتِهم.

وفي إفريقيا نجد تنظيمات متطرفة كثيرة، منها "بوكو حرام" في نيجيريا، وهو تنظيم سلفي جهادي مسلح، وقد أطلق التنظيم على نفسه هذا الاسم، والذي يعني: مجابهة التعليم الغربي، فكلمة "بوكو حرام" تتألف من كلمتين: الأولى "بوكو" وتعني باللغة الهَوْسَوِيَّة: "دَجَل أو ضلال"، ويقصدون بها: "التعليم الغربي"، والكلمة الثانية "حرام" وهي كلمة عربية تعني: "الممنوع والمحظور في شريعة الله"، فـ"بوكو حرام" تعني: "الدَّجَلُ المتمثلُ في التعليم الغربي ممنوعٌ شرعًا"، وهم في ظاهرِ أمرِهم يدعون إلى العودة إلى الإسلام، حتى ينضم كثير من الشباب إليهم، ويحاربوا كل ما يَمَس التعليم الغربي بصلة.

ومع اختلاف الألقاب التي تميز هذه التنظيمات التي تدَّعي انتسابها للإسلام، فإن هناك تنظيمات أخرى مسلحة تدَّعي الانتساب للمسيحية، ومن بينها التنظيم الذي لَقَّب نفسَه بـ"جيش الرب"، وهو تنظيم يعمل بشكل رئيسي في شمال أوغندا، ويقاتل حكومة تلك الدولة، وقائدهم هو "جوزيف كوني" المتعصِّب، وهو وسيط روحي ينصِّب نفسه زعيمًا، وينوي إقامةَ نظامٍ ثيوقراطيٍّ -قائمٍ على المسيحية والكتاب المقدس- كذبًا منه وزُورًا. مع الملاحظة بأنَّ هذا الشخص قد أطلق على هذا الكِيان "جيش الرب" حتى يُعطِي لبعض الشباب المسيحي -المتحمس والمتعطش للدماء- فرصة الانضمام لجيش الرب الذي يعبده.

وها نحن بعد هذا الاستقصاء لبعض التنظيمات المتطرفة وكيف أنها قد خلعت على نفسها بعض الألقاب التي لا تستند إلى أية حقيقة، وليس لها علاقة بمضمون هذه الألقاب، فإنه لا شك أنَّ استخدام هذه الألقاب المزيفة يُعد نوعًا من التسويق السياسي، والثقافي، والاجتماعي لهذه التنظيمات، كما أنه يُعد إحدى الإستراتيجيات الإعلامية التي تستعملها تلك التنظيمات لخداع وسائل الإعلام، وجعلها تستخدم هذا الألقاب التي تطلقها على نفسها مثل: الدولة الإسلامية، وأنصار بيت المقدس، والإخوان المسلمين، كنوع من الترويج لها بطريق غير مباشر.

ومما هو جدير بالذكر أنَّ الكاتب عبد الباري عطوان قد ذكر أن تنظيم داعش كان يرسل تهديدات للصحفيين الذين لا يستخدمون مصطلح الدولة الإسلامية، ويستخدمون داعش...

وهنا موقف لا بد من بيانه؛ وهو أنَّ كلَّ تنظيم من هذه التنظيمات يَرى أنَّه صاحب الحق الذي يتميز به عن غيره من التنظيمات الأخرى، وقد نتج عن ذلك عدة أمور منها؛ أنَّ هذه التنظيمات أضحت تعادي بعضَها، ويُكفِّر بعضُها بعضًا، وتلك سنةُ الله أن يَضرِبَ قلوبَ بعضِهم ببعض. وكذلك فإنَّ كلَّ تنظيم يحاولُ أن يستقطِبَ مِن الشباب مَن يُكَثِّر سوادَه حتى تكون له الغلبة على غيره.

هذا ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، أنَّه لا ينبغي لأحدٍ أن يَنخدع بهذه المسميات، مهما رفعت من شعارات، ومهما حاولت أن تُضفي على نفسها من شرعية مزيفة، وأنَّه من الواجب على المؤسسات الرسمية -كالمدارس، والجامعات، والنوادي وغيرها من دُور العبادة كالمساجد، والكنائس- أن يُحَذِّروا الشباب من خطورة الانضمام لهذه التنظيمات، أو التعاطف معها، وأنَّه لا بد من الاستمرار في محاربة هذه الآفة الخطيرة.

وحدة رصد اللغة العربية


كلمات دالة:

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.