الجماعات المتطرفة

 

08 مايو, 2023

إخفاء هوية القادة.. إستراتيجية جديدة للتنظيمات الإرهابية بعد قطف الرؤوس!

                هل كان اغتيال قيادات داعش رغم التعتيم والتخفي الذي عاشوه سببًا في اتباع سياسة جديدة في إخفاء هويتهم؟ وهل هذا ما فعلته القاعدة التي لا يُعرف لها زعيم بعد الظواهري حتى وقت كتابة هذه السطور؟ من هو الزعيم الجديد؟ هل هو سيف العدل الذي لا يُعرف له سوى بعض الصور التي ربما لا تعبر عن شكله الحالي؟ أم أن هناك إستراتيجية جديدة لإخفاء القادة اعتمدتها هذه التنظيمات؟ وإذا كانت تفعل، فلماذا تُخفي قادتها بالرغم من أنها تُعلن عن هزائمها؟

كل هذه أسئلة تثيرها الأوضاع الحالية للتنظيمات الإرهابية العالمية التي يبرز من بينها داعش والقاعدة على وجه الخصوص، وذلك بعد تصفيات أمريكية لقادتهما تركز غالبيتها في العام الماضي 2022م سميت بـ "قطف الرؤوس"، وفي بداية عام 2023م نُفذت عمليات للقوات الخاصة الأمريكية وضربات بطائرات بدون طيار.

وربما تحاول هذه التنظيمات من خلال قنواتها الإعلامية أن تصبغ هزائمها بصبغة النصر المزيف أو المؤجل؛ إذ تسعى إلى تحسين صورتها عن طريق المغالطات المستمرة، بل قد تلجأ أحيانًا إلى تكذيب ما يرد من معلومات عن هزائمها وقطف رؤوس قادتها، وهو ما يشير إلى اضطراب واضح في إستراتيجياتها الإعلامية التي تتبنى مبدأ التكذيب المستمر لما ينشره الخصم من معلومات عن نتائج العمليات العسكرية، ولا تدرك أنها تقع بهذا في فخ التناقض الذي يفقدها مصداقيتها أمام عناصرها، وجنودها قبل غيرهم.

وقد أشارت صحيفة "لا راثون" الإسبانية، في 18 مارس 2023م إلى ما نشره تنظيم داعش الإرهابي في عدد مجلته الأسبوعية رقم (382)، الذي هاجم فيه البنتاجون الأمريكي لنشره أرقامًا (غير محددة) عن محاربة الإرهابيين. وجاء في المجلة أن الإحصائيات والتوازنات التي يحاول البنتاجون صُنعها ويعلن عنها بانتظام حول مكافحة هذا النوع من الإرهاب غير حقيقية، وأن هذه القوى تأبى الاعتراف بفشل حربها ضد داعش، كما ألمح التنظيم إلى أنه لم ينس أن اثنين من قادته قُتلا في عمليات للقوات الخاصة الأمريكية.

كما انتقد التنظيم في إصداره وسائل الإعلام، موضحًا أن هناك الكثير من التقارير الإعلامية المعادية له تلمح إلى الحصاد الأسبوعي لمقاتليه الذي ترى أنه غير منتظم، بمعنى أنه ينخفض ويرتفع حسب الظروف والأسباب، لكن الطريف في الأمر أن التنظيم ذكر أن الجهاد يصعب فهمه لمن يحسبه "بلغة الأرقام"؛ لأن الجهاد "عبادة ودين ووعد إلهي"، وليس عملية حسابية إحصائية.

وبالرغم من أن داعش ينتهج طريقة لا مركزية، فإن قسم الولاء أو ما يسمى (بالبيعة) للخليفة الجديد في كافة المناطق والدول التي تتركز فيها أذرع التنظيم يؤكد التزام المنضمين بالقتال بهدف الخلافة الموحدة، كما يؤكد أهمية البيعة وخطورتها كميثاق روحي للتنظيمات الإرهابية، رغم سياسة التمويه والإخفاء التي يتبعها التنظيم ذاته فيما يتعلق بقادته الجدد. وربما كان الزعيم الجديد "أبو الحسين القرشي" هو النموذج الأول لهذه السياسة الجديدة، كما هو الحال عند القاعدة أيضًا؛ إذ إن أحدًا لم يستطع أن يجزم بأن سيف العدل هو الزعيم الحقيقي الجديد للقاعدة.

وفي الغالب لا يمثل إعلان خليفة جديد طفرة حقيقية لأي تنظيم إرهابي، وهو ما أثبتته المستجدات بعد مقتل بن لادن ومن بعده الظواهري في حالة القاعدة، ومقتل العديد من قادة داعش ومنهم أبو بكر البغدادي وأبو إبراهيم القرشي وأبو الحسن القرشي، حيث إنه من الواضح أن الهدف من إعلان القائد الجديد هو التأكيد على مواصلة السعي إلى تحقيق أهداف هذه التنظيمات، وهو ما يسهم بالفعل في استمرار عمليات التجنيد والاستقطاب لصفوفها ومصادر تمويلها.

ومن الواضح أن التنظيمات الإرهابية تدرك إلى حد بعيد خطورة خلو كرسي الزعامة فيها، وهو ما يفسر تخبطها الحالي فيما يخص إتاحة المعلومات حول قادتها الجدد، إذ تجد نفسها بين مطرقة الاغتيالات، أو "قطف الرؤوس"، وسندان الفتور العسكري، وانخفاض الروح المعنوية لعناصرها، ليس في مناطق تمركزها الرئيسية فحسب، بل في كافة المناطق والدول التي تمتد أذرعها إليها.  

ويعتقد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن هذه التنظيمات في طريقها إلى تغييرات أساسية في إستراتيجياتها العسكرية والإدارية بعد ما لاقته من هزائم في السنوات الأخيرة، بعد أن أدركت شراسة الحرب عليها على المستوى الإقليمي والدولي، وتَكَشَّف لها واقع لم تكن تتوقعه بعد أن عُرفت نقاط ضعفها، وهو ما قد يسهم في تغيير خارطة الإرهاب العالمي في المرحلة المقبلة.   

وحدة رصد اللغة الإسبانية

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.