الجماعات المتطرفة

 

03 يوليه, 2023

الابتزاز والخطف وجمع التبرعات، استراتيجيات تمويل الإرهاب في باكستان

 

 

     يمثل الإرهاب بلا شك خطرًا على السلم والأمن العالمي؛ إلا أن قضية التمويل أخطر من الإرهاب نفسه؛ إذ يمثل الرافد الحيوي الرئيس للإرهاب، ولذلك لا تتورع العناصر الإرهابية عن توفير الأموال مهما كانت الوسيلة. ويعتبر الابتزاز، والخطف، وجمع التبرعات، وغسل الأموال من أكثر الطرق ديناميكية لتوفير الأموال للتنظيمات الإرهابية. وفي شهر مايو من العام 2021 ، أكدت دراسة المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، أن أغلب مصادر تمويل الجماعات الإرهاية يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تتزايد محاولات جمع التبرعات عن طريق صفحات فيسبوك أو حسابات تليجرام، وأنظمة التمويل غير التقليدية، وحسابات تحويل الأموال من أجل دفع المال للمهربين، وتمويل مدارس ومخيمات التدريب، وغيرها من الأنشطة الإرهابية.

وفي باكستان كذلك، تعتمد التنظيمات الإرهابية أساليب متنوعة تضمن بقاءها واستمرار نشاطاتها وتوسعاتها، تشمل تحويل الأموال، وخطف المدنيين، وطلب الفدية، وابتزاز رجال الأعمال وكبار المسئولين، والتمويل الخفي عبر الإنترنت، وأخيرًا استغلال العاطفة الدينية في جمع التبرعات تحت ستار الصدقات. وتبنت التنظيمات الإرهابية وبخاصة طالبان الباكستانية المحظورة، استراتيجية الهجمات منخفضة التقنية والموارد مما يضمن استمراره واستغلال المال في تجنيد مزيدًا من الشباب، كما تحول التمويل المالي للتنظيمات مؤخرًا من نظام مركزية التمويل إلى نظام لامركزية التمويل، وذلك حينما حثت التنظيمات الإرهابية أنصارها على توفير احتياجاتهم المادية ذاتيًا عبر الحصول على فديات، والابتزاز وسرقة الأسلحة وبخاصة استهداف معسكرات الجيش الباكستاني.

  • التبرعات

يعتمد الإرهاب في جميع أنحاء العالم وبخاصة في باكستان على التبرعات التي تجمع من مصادر مشروعة مثل الجمعيات الخيرية أو التبرعات الفردية بدعوى مساعدة الفقراء والمحتاجين، في حين تُستخدم هذه الأموال أحيانًا في شراء الأسلحة والمعدات. وتفضل التنظيمات الإرهابية أسلوب جمع التبرعات في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية؛ حيث لا يسأل أحد عن الجهات المستفيدة من هذه الأموال.

كذلك لا تتورع التنظيمات الإرهابية عن استغلال التبرعات الخيرية للمدارس الدينية، في تمويل الأنشطة الإرهابية. ولا يمكن لأحد إنكار دور المدارس الدينية في مساعدة الأسر على تعليم وتنشئة ابنائهم، لكن للأسف بعض هذه المدارس غير مسجل وتهيء في ظل نمو النزعة المحافظة وتطور الجماعات الطائفية المختلفة، بيئة خصبة تسمح بازدهار التعصب، وتسئ التنظيمات الإرهابية استغلال هذه العوامل في تمويل العمليات الإرهابية، وتكوين بعض التنظيمات. ويساعد على ذلك عدم توافر بيانات حول مصادر تمويل هذه المصادر، بخلاف حساسية الحديث عن المدارس الدينية أو التحقيق في مصادر تمويلها. وكونها مدارس غير نظامية فلا وجود كذلك معلومات عن أعداد التلاميذ وبياناتهم، أو طبيعة المناهج الدراسية.

 لذلك أطلقت السلطات الباكستانية حملة (احذر!) وناشدت المواطنين التحقق بعناية قبل التبرع حتى لا يساء استخدام أموالهم، فقد تستخدم أحيانًا في تمويل الإرهاب، أو دعم مشاريع تقود بشكل غير مباشر إلى تكوين جماعات إرهابية.

  • الخطف

الخطف من الأساليب القديمة بالنسبة للتنظيمات الإرهابية؛ ففي العام 2013م اختطفت طالبان الباكستانية، طالبتين تحملان جنسية التشيك في إقليم بلوشستان جنوب غرب البلاد، على مسافة (550) كلم غرب كويتا، ما اضطر حكومة (براغ) إلى دفع فدية (6) ملايين للإفراج عن الطالبتين. ولا تقتصر عمليات الخطف على طلب الفدية، ولكن أكد تقرير صحيفة (jaannews) الباكستانية، قيام حركة طالبان بخطف الأطفال في المناطق القبلية بإقليم (خيبر بختونخوا) وتأهيلهم بدنيًا وتدريبهم على القيام بعمليات إرهابية انتحارية. وقد اختطفت جماعة (حافظ جول بهادر) جناح حركة طالبان باكستان في شمال وزيرستان، طفلين وأجبروهما على الالتحاق بصفوف الإرهابيين، وهذا ما يسمى بالخطف المباشر.

وهناك أيضًا الخطف غير المباشر، في المناطق الحدودية الباكستانية، التي تشهد تصاعدًا ملحوظًا في نشاط الجماعات المتطرفة من طالبان والمليشيات الإرهابية الانفصالية، كونها تعاني من الفقر المدقع مما يسهل تجنيد غير المتعلمين والعاطلين بعد إغرائهم بالمال والنفوذ وانتزاع الأطفال من المعوزين مقابل إيوائهم وإطعامهم، فهناك المزيد من الأطفال المنقطعين عن المدارس يتم ضمهم إلى التنظيمات الإرهابية وإجبارهم على حمل السلاح، ومما سبق يتضح أن التنظيمات الإرهابية تعمد إلى اختطاف الأطفال كأداة لتحقيق أهدافها.

  • الابتزاز

تعاني الأقاليم الحدودية الباكستانية تاريخيًا من الهجمات المتكررة للتنظيمات الإرهابية وتدفق المقاتلين وسيطرتهم على نقاط التفتيش الأمنية وممارستهم لعمليات الابتزاز، وجراء ذلك فُقِدَّ الكثير من المواطنين خلال السنوات الماضية، مما أسفر عن نزوح أعداد كبيرة من المدنيين وتدمير مدن بأكملها.

وإذا ما نظرنا إلى تعزيز القدرات التمويلية لحركة طالبان باكستان والمليشيات الانفصالية في إطار مسعاهم للحصول على قدرات تمويلية تمكنهم من مواصلة نشاطهم العملياتي من خلال إلقاء الضوء على عمليات الاستهداف الأخيرة التي يتعرض لها رجال الأعمال وبخاصة من يتعاون منهم مع الجيش في العديد من المناطق الباكستانية مؤخرًا؛ نجد أنها تخلق بذلك حالة من الخوف والهلع في نفوس المواطنين، إذ إن مَن يمتنع عن الدفع يتعرض للعقاب سواء بإلقاء القنابل على منازلهم أو إطلاق النار عليهم واستهدافهم هم وذويهم.

وتستطيع التنظيمات الإرهابية الاستفادة من نشر الرعب والذعر بعد ذلك في ممارسة عمليات الابتزاز بكافة أشكالها، وهذه الأساليب تُعد أحد أشهر التكتيكات التي تنتهجها تلك الحركات لتعزيز قدراتها المالية التي يبدو أنها في حاجة ماسة إليها، فجماعات مثل طالبان باكستان وعسكر طيبة (الجماعة التي ألقت الولايات المتحدة والهند باللوم عليها في هجمات مومباي 2008) تعمل على إثبات وجودها وزيادة تدفق تمويلها باستمرار من خلال نشر الخوف بين المواطنين، وفي أبريل 2022 حكم على "حافظ سعيد" مؤسس جماعة عسكر طيبة بالسجن 31 عامًا بتهمة تمويل الإرهاب.

  • حجم التمويل المالي

أما فيما يتعلق بحجم التمويل المالي الذي تحصل عليه التنظيمات الإرهابية، فجاء في تقرير صادر عن شرطة إقليم خيبر بختونخواه الحدودي في شهر مارس من 2023م:" أن حجم تمويل الإرهاب والابتزاز وتحويل الأموال عبر مصادر غير مشروعة ، سواء داخل الدولة أو عبر الحدود، أعلى بكثير من عدد الحالات المسجلة، كما أن الحالات التي تم الإبلاغ عنها ليست سوى لمحة عن الصورة الحقيقية، وأظهرت الإحصائيات أنه تم تسجيل (155) حالة ابتزاز في الإقليم عام 2022م، تقدم عدد (60) ببلاغ للأجهزة الأمنية، فيما رفض العدد الأكبر اللجوء للشرطة. وقُدّرت المبالغ التي حصلت عليها التنظيمات الإرهابية بـ (40) مليون روبية، في حين أن حجم الابتزاز هو بالتأكيد أكثر مما هو مُعلن، ومؤخرًا قدرت الهيئات الحكومية المبلغ بـ (1.6) مليار روبية.

  • سبل التصدي والمكافحة

تواجه باكستان كثير من التحديات التي تتعارض مع مصالحها في إرساء الأمن ومنها تعدد الأساليب التمويلية للتنظيمات الإرهابية، وفي 2022م أدرج صندوق النقد الدولي(IMF)  باكستان ضمن قائمة الدول التي تعاني من تمويل الإرهاب، وفي ظل ازدياد خطر الإرهاب والتطور المتزامن لأنماط التمويل وفي سبيل التصدي والمكافحة أنشأت شرطة خيبر بختونخوا في شهر مارس 2023م وحدة خاصة بالتعاون مع إدارة مكافحة تمويل الإرهاب (CTFU) للتصدي لحالات الخطف المتزايدة التي تساهم في تمويل الأنشطة الإرهابية، وللتحقيق في حالات الابتزاز التي تحدث في الإقليم على نطاق واسع.

وتتمثل أهداف الوحدة في استخدام المعلومات الاستخباراتية للحد من خطر تمويل الإرهاب وكشف الأنشطة غير القانونية واعتراض وتعطيل تدفق الأموال، لأنه في حال التمكن من تقليص العمليات، سيؤثر ذلك حتمًا على القدرة التمويلية للأنشطة الإرهابية، فالأموال الأقل تعني نشاطًا أقل وموارد أقل، وقد أدت الجهود الرقابية المشددة على تحركات رؤوس الأموال إلى خسارة التنظيمات لمصادر تمويل كثيرة لدعم عملياتها الإرهابية.

هذا بالإضافة إلى اقتراح الجهات المسئولة قوانين جديدة أو تعديل القائمة لتوسيع السلطات القانونية لوكالات إنفاذ القانون للتعامل مع التهديدات الأكثر تقنية بغية منع تمويل الإرهاب، فالهدف الجماعي هو القضاء على الإرهاب بجميع أشكاله، ولكن بسبب الثورة التكنولوجية، فإن أشكال ومظاهر الإرهاب تتطور باستمرار. وقد ألقت وحدة مكافحة تمويل الإرهاب في شهر يونيو من عام 2023م القبض على أحد الكوادر الرئيسة لحركة طالبان باكستان أثناء قيامه بجمع الأموال، والذي كان على اتصال بالحركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من واتسآب وتليجرام، والذي قد تلقى تدريبه في أفغانستان. أيضًا هوجمت أوكار الإرهابيين في منطقة (دارا آدم خيل) التابعة لإقليم (خيبر بختونخوا) ما أسفر عن مقتل ثلاثة إرهابيين من مجموعة عبد الرحيم الموالية لحركة طالبان باكستان، والتي تستهدف قوات الأمن والمدنيين، وابتزاز المواطنين في مناطق مختلفة.

وكل ما سبق يمثل صورًا من مظاهر الإرهاب الذي يهدف إلى زرع الرعب والخوف في النفوس، بالقيام بأعمال العنف من قتل وخطف وتفجير وما شابه، فالعنف محورًا رئيسًا للإرهاب، ومن هنا يتضح أن عمليات الخطف وجمع التبرعات بمختلف أنواعها، تعد من أهم الوسائل التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية المسلحة لتوفير الأموال التي تضمن استمرار عملها ومن ثمّ بقاءها، والتي تعد كذلك بمثابة وسيلة للتمويل والدعاية وإثبات قوتها على أرض الواقع.

وفي الختام من المرجح أن تستمر وتيرة العنف المرتبطة بتنامي نشاط التنظيمات الإرهابية في باكستان خلال العام الجاري، في ظل وجود جملة من المحفزات منها: الوضع الأمني المضطرب الذي يؤدي إلى تفاقم التوترات السياسية والاقتصادية في باكستان، وتوسع التنظيمات وانتشارها في أماكن متفرقة من البلاد مما يزيد من صعوبة السيطرة عليها واستهدافها. ولذا ينبغي تتبع الملاذات الآمنة للإرهابيين وسبل مواردهم المالية، والكشف عن ازدواجية هذه العناصر التي ترعاها وتدعمها، للتصدي لمشكلة تمويل الإرهاب التي باتت منتشرة. وذلك من خلال استراتيجية تعتمد على:

  1. تعزيز الإطار التشريعي الذي ينص على منع الأنشطة غير المشروعة أو المشتبه فيها.
  2. إنشاء إطار مراقبة شامل، من خلال تعزيز آليات تبادل المعلومات الاستخبارية التي تساهم في السيطرة الفعالة على الحدود، ومنع إساءة استخدام التكنولوجيا الحديثة والتدفقات المالية غير المشروعة.
  3. تفعيل التعاون والتنسيق الدوليين، وبناء القدرات ومكافحة "تمويل الإرهاب" حيث تسهل الجماعات الإرهابية تنسيق وتنظيم مواردها عبر الحدود.

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.