الجماعات المتطرفة

 

12 يوليه, 2023

الخلايا النائمة لتنظيم داعش ومخاطر العودة

     تمكنت السلطات الأمنية في المغرب في أبريل الماضي ٢٠٢٣م، من تفكيك خلية إرهابية كان أفرادها يسعون لتنفيذ عمليات تخريبية في البلاد، بحسب ما ذكره موقع سكاي نيوز الخميس 27 أبريل ٢٠٢٣م.

وكانت هذه الخلية تتكون من (١٣) شخصًا، تتراوح أعمارهم بين (١٩) و(٤٩) عامًا. وقد أثبتت التحريات أن المشتبه بهم انخرطوا فعليًّا في التحضير المادي لمخططاتهم التخريبية، كما نسجوا علاقات مشبوهة مع عناصر إرهابية خارج المغرب؛ بهدف التنسيق للالتحاق بإحدى فروع تنظيم "داعش" الإرهابي في منطقة الساحل والصحراء.

ولا شك أن للخلايا النائمة مخاطر جمَّة، خصوصًا خلايا تنظيم داعش الإرهابي. فعلى الرغم من فقدان هذا التنظيم سيطرته المكانية في المناطق التي كان يبسط فيها نفوذه، فإنه لا يزال قادرًا على شن هجماتٍ تطال مدنيين وعسكريين على السواء، وذلك عن طريق خلاياه النائمة، في محاولة مستميتة لإثبات قوته وتماسكه بعد خسارة زعمائه وقياداته التاريخية، ولصرف الأنظار عن أزماته التي يعيشها. وتمثل هذه الخلايا جزءًا مهمًّا من خططه خصوصًا بعد انتهاجه إستراتيجية إسقاط المدن وتواجد عناصره في الجبال والصحاري والقرى المهجورة؛ حيث قام التنظيم بعد فقدانه أماكن سيطرته القديمة بتفكيك منظومته العسكرية التي كانت تحوي بداخلها ثلاثة جيوش (دابق، والخلافة، والعسرة)، واكتفى ببعض الشبكات العسكرية، وبعد أن كان لديه في العراق وحدها قوات تتجاوز (٢٠ ألف) مقاتل، اكتفى بـ (٣) ألاف وحول الباقين إلى عناصر لوجستية أو خلايا نائمة ينشطها وقتما شاء.

مما يطرح أمامنا عددًا من التساؤلات، منها: هل من الممكن أن يعود التنظيم إلى الحياة مجددًا بالشكل الذي كان عليه في الفترة من ٢٠١٤م وحتى ٢٠١٧م؟ وهل تشكل تلك الخلايا خطرًا حقيقيًّا؟ وما هي وسائل المكافحة الناجعة للحد من انتشارها؟

وللإجابة على تلك التساؤلات المتمركزة حول الخلايا النائمة لتنظيم داعش، سوف نسعى لمقاربتها ضمن إطار تحليلي، من خلال تتبع المحددات التي تحكمها، وذلك على النحو الآتي:

أولًا: باعتبار ماهيتها؛ حيث عرفها "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات" بأنها خلية تتكون من إرهابيين لا ينشطون في الوقت الراهن، ولكنهم يتخذون ستارًا لكي يكونوا في موقع غير متصور للقيام بأنشطة إرهابية في المستقبل.

ونخلص من هذا التعريف السابق إلى أن هذه الخلايا ليست خاملة، إنما هي مستترة وكامنة، وفي الوقت ذاته متأهبة على الدوام وتنتظر الضوء الأخضر حتى تقوم بتنفيذ جرائمها الإرهابية.

وقد نقلت اعترافات بعض المتطرِّفين من المحكوم عليهم آلية عمل الخلايا النائمة وكيفية تمويلها، وبحسب تقرير مصور لقناة الحدث التلفزيونية، قال أحد المسجونين، والذي كان مسؤولًا عن أحد خلايا داعش النائمة، أن عدد هذه الخلايا كبيرٌ للغاية، سواء داخل الأراضي التي كان يسيطرُ عليها التنظيم أو خارجها، وأن أفراد كل خلية يتواصلون فيما بينهم بالشفرات من خلال الهواتف، وأن من يقوم بإدراة الخلية ويصدر لها الأوامر هو الوالي "المزعوم" في المنطقة التي تتواجد بها الخلية، وأنهم متواجدون في مناطق مختلفة من "سوريا" مثل: "إدلب"، و"الرقة"، و"منبج"، و"جرابلس". وأضاف بأنه يُطلب منهم القيام بمهام محددة، وأن التنظيم يمدهم بالمال وبكل ما يحتاجون إليه عن طريق حوالات ومكاتب مصرفية في بعض الأحيان، ذاكرًا أن آخر ما تلقى من أموال كان قبل سجنه عن طريق شخص أرسله "الوالي" المزعوم.

ثانيًا: مدى خطورتها؛ حيث تكمن خطورة الخلايا النائمة بشكل كبير في نشر الشائعات وإشعال الفتن بين السكان المحليين، وهي بذلك لا تقل خطورة عن النشاط العسكري للتنظيمات المتطرفة؛ لأنها قوات سرية تتوزع على مناطق مختلفة ليسهل عليها ممارسة الأنشطة الإرهابية دون أن يشعر بها أحد، لذلك يمكننا أن نقول إن أحد مهام هذه الخلايا هو ممارسة أنشطة إرهابية لكن بطريقة سلمية، وليس باستخدام السلاح.

ولقد انتشرت خلايا نائمة لتنظيم داعش الإرهابي في شمال وشرق وشمال غربي العراق، وشمال شرقي سوريا، والبادية، على مدار العامين الماضيين، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لقدرتها على الاختباء، والتسلل عبر المسارات التي يسهل اختراقها أمنيًّا؛ وهو ما يجعل مهمة تعقب القوات الأمنية لها صعبةً للغاية. وهذا الأمر يتطلب "جهودًا ناعمة" لفرز الخلايا وتطهير المناطق المحررة من براثن التنظيمات المتطرفة.

وقد ذكر الباحث العراقي "فاضل أبو رغيف" في حديث أجراه مع قناة "الحرة" أن هذه الخلايا "كثيرة وخطيرة للغاية وتشبه الضباع الضارية التي تتخفى قبل أن تثب لتنفيذ المهام الموكلة إليها من قبل التنظيم". كما كشف هجوم "داعش" المباغت على سجن الصناعة بمنطقة "غويران" في "الحسكة" شمال شرقي سوريا، يناير عام 2022م، عن دور خلاياه في التخطيط والقيام بعمليات إرهابية.

ثالثًا: أساليب مكافحتها، وفي هذا الصدد نكشف عن كون العمليات العسكرية مهمة في القضاء على تلك الخلايا وتفكيكها ووقف المد الإرهابي الذي يتجه نحو المناطق الهشة من الناحية الأمنية. كذلك أيضًا الجهود الاستخباراتية التي تعتمد على رصد وتتبع عناصر وأنشطة تلك الخلايا في محاولة لتفكيكها وتجفيف منابع تمويلها. لكن في الوقت ذاته لا بد أن يكون ذلك كله متوازيًا مع جهود مكافحة التطرف الفكري ورفع الوعي المعرفي، خصوصًا لدى الشباب في مناطق سيطرة داعش القديمة.

نستنتج مما سبق أن التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش تقوم على الدوام باستغلال وتوظيف جميع الوسائل الممكنة، كما تُغير أيضًا استراتيجياتها ومخططاتها بل وعقيدتها إن لزم الأمر؛ بغية العودة وتصدُّر المشهد من جديد، ومن تلك الخطوات تشكيل خلايا نائمة تعمل على إحيائها وقت الضرورة، وهو ما يجب رصده بدقة، والاستعداد له.

وحدة رصد اللغة التركية

 

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.