الجماعات المتطرفة

 

07 أغسطس, 2023

هل هناك تنظيم إرهابي جديد على الطريق؟!

"تنظيم جهاد باكستان"

أثارت العمليات الإرهابية الأحدث التي تبناها تنظيم "جهاد باكستان" تساؤلاتٍ ومخاوفَ كثيرة بشأن ظهور تنظيم إرهابي جديد على الساحة الباكستانية، ربما يكون أداة جديدة وذراعًا لإحدى الجماعات الإرهابية التي ترغب في التمدد والسيطرة على الأماكن الخاضعة لسيطرة قوات الأمن، أو ربما يكون سلاحًا مستقلًّا موجهًا نحو العسكريين والشرطة، ومسئولًا عن عملياته مسئولية كاملة. والسؤال: ما هو تنظيم جهاد باكستان؟

  • نشأة التنظيم

برز اسم تنظيم "جهاد باكستان" بتاريخ ٦ من مارس ٢٠٢٣، بعد إعلان مسئوليته عن الهجوم على سيارة للشرطة بالقرب من مدينة "سبي" الباكستانية، بالتوازي مع الهجوم على معسكر "باغ مسلم" بإقليم بلوشستان وراح ضحيته ٦ من قوات الأمن. ومنذ ذلك الحين تبنى "جهاد باكستان" مسئولية عدد من الهجمات الإرهابية التي استهدفت قوات الأمن (الجيش والشرطة) والمدنيين على السواء؛ إذ بلغ عددها نحو ٩ هجمات في أقل من ٦ أشهر منذ ظهور التنظيم. وربما تفسر حداثة التنظيم أسباب الغموض الذي يحيط بالقيادات، حتى إن هوية المُلا "محمد قاسم" المتحدث باسم التنظيم ما زالت مجهولة. لكن بصفة عامة، ومن خلال المعلومات المتاحة، فقد تشكل التنظيم حديثًا ويعتنق الفكر الجهادي.

  • الحضور الفعلي للتنظيم

لا يُعرف للتنظيم مقر محدد أو زعيم على أرض الواقع؛ بل يستغل الواقع الافتراضي وسيلةً للانتشار، وذلك لما اكتسبته الدعاية عبر الإنترنت من أهمية متزايدة تضاعف أثرها بفضل تعدد وسائل التواصل، فأصبحت التنظيمات الإرهابية تروج من خلالها للأفكار والأيديولوجيات التي تخدم مصالحها، وهذا ما أدرك التنظيم أهميته وقرر استغلاله للفت الانتباه ونشر تفاصيل عملياته الإرهابية لضمان بقائه على الساحة، وجاء ذلك بعد أن تصدّرت جماعتان إرهابيتان المشهدَ في باكستان: حركة "طالبان" باكستان وتنظيم "داعش" خراسان، وكلتاهما تستخدم "سلاح الدعاية والترويج" بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي. إذًا فالحضور الفعلي لنشاط تنظيم "جهاد باكستان" وسبيل انتشاره يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك.

  • علاقة التنظيم بالجماعات الأخرى

ارتبط عدد من الهجمات الإرهابية الأحدث في باكستان بتنظيم غير معروف حتى بالنسبة للسلطات، وقد تتردد طالبان باكستان في الكشف عنه. ذلك التنظيم هو ما بات يُعرف باسم تنظيم "جهاد باكستان"؛ إلا أن بعض التصريحات الأمنية والصحفية تشير إلى احتمالية ارتباط التنظيم بطالبان باكستان، وتفصيلها كالتالي:

التصريحات الأمنية: أفاد مسئولٌ في منطقة "زوب" إنه من المحتمل أن يكون التنظيم مرتبطًا بحركة طالبان باكستان المحظورة أو بتنظيم القاعدة، إذ ليس للتنظيم حضور فعلي، إذ لو كان غير ذلك لكان له مسئولون، ورئيس، وهيكل تنظيمي؛ أما مجرد تبني مسؤولية الهجمات فلا يؤدي إلى إنشاء تنظيم.

الجانب الصحفي والإعلامي: قال الصحفي "مشتاق يوسفزاي"، وهو صحفي رفيع المستوى في بيشاور إنه لا توجد معلومات واضحة حول التنظيم، لكن وفقًا لمعلوماته، فإن لأشخاصه علاقة بحركة طالبان باكستان المحظورة، وربما يكون هذا اسمًا جديدًا لحركة طالبان ذاتها، فالهجمات التي لا تريد طالبان تبني مسئوليتها، تتبناها باسم هذا التنظيم، كما أنه لا توجد دلائل على وجود أي تنظيم آخر في المنطقة، وأسلوب تنفيذ العمليات في هذه المناطق شبيه بما تمارسه طالبان باكستان. كما رجح الباحث والصحفي "عبد السيد" بكراتشى أن يكون للتنظيم علاقة بطالبان باكستان لسببين: الأول هو أن التنظيم أعلن حتى الآن مسئوليته عن هجومين رئيسيين في منطقة "لكي مروت" في مقاطعة "خيبر باختونخوا"، ومنطقة "زوب" في بلوشستان، حيث توجد الشبكة التنفيذية لحركة طالبان، في حين لم تعرب طالبان عن أية ردة فعل مضادة لهجمات هذا التنظيم؛ ومع ذلك فيمكن اعتبار التنظيم الجديد تهديدًا لها لأن تاريخ هذه التنظيمات وسياستها تثبت عدم تسامحها مع أي منافس بسهولة. والسبب المهم الثاني هو أن تنظيم "جهاد باكستان" أعلن مسئوليته عن الهجوم الانتحاري الذي نفذه تنظيم "داعش باكستان"، وهو خصم لحركة طالبان في بلوشستان. استهدف الهجوم على ما يبدو تنظيم داعش لإظهاره بمظهر الكيان الضعيف. لكن تنظيم جهاد باكستان لم يعلن حتى الآن مسئوليته عن أي هجوم تابع لحركة طالبان.

أما من ناحية طالبان باكستان فيوجد صمت على المستوى الرسمي، فيما صرح المتحدث باسم الحركة، محمد خراساني، إنه ليس لديه معلومات عن التنظيم وهو نفسه يحاول التواصل مع أعضائه.

ومن المؤكد أنه في المستقبل القريب ستعرف حقيقة تنظيم "جهاد باكستان" لأنه إذا كان تنظيمًا سريًّا تابعًا لحركة طالبان باكستان فهذه علاقة لا يمكن أن تظل في الخفاء؛ أما إذا كان التنظيم قد نشأ بفعل تمرد داخل طالبان باكستان فإن ذلك سيتضح حتمًا.

هجمات التنظيم

تبنى تنظيم "جهاد باكستان" حتى الآن ما يقرب من ٩ هجمات في باكستان، وأعلن المتحدث باسم التنظيم مسئوليته عنها، وبحسب إدارة العلاقات العامة بالجيش الباكستاني؛ كان المهاجمون مسلحين بأسلحة حديثة، ولا سيما الهجمات على كل من " شامان، بولان، سوات، لكي مروت"؛ إلا أن من بين هذه الهجمات هجومين لم يقم دليل على تورط التنظيم فيها. الأول: الهجوم على سيارة للشرطة في بولان مارس ٢٠٢٣ وراح ضحيته ٩ ضباط ومدني واحد؛ إلا أن التنظيم أعلن مسئوليته عن الهجوم دون ذكر تفاصيل. وبعد ذلك، تبنى تنظيم داعش المسئولية عن الهجوم ونشر تفاصيله على موقعه على الإنترنت باسم "أعماق".

الثاني: تفجيرات في أبريل استهدفت مركز شرطة مكافحة الإرهاب بمنطقة "سوات" في "خيبر بختونخوا"، ما أسفر عن مقتل ١٧ شخصًا، وأعلن تنظيم "جهاد باكستان" مسئوليته عن الهجوم برسالة، لكن التحقيقات اللاحقة كشفت أن الانفجارات نجمت عن متفجرات داخل مركز الشرطة ولم يقم دليل على وجود مهاجم قادم من الخارج. وفيما يلي عرض لأبرز تلك الهجمات:

  • في ٦ من مارس ٢٠٢٣ حدث هجوم انتحاري على سيارة تابعة للشرطة في منطقة "سبي" بإقليم بلوشستان، وصرح التنظيم في بيان له أن انتحاريًّا يدعى قاسم ريصاني نفذ الهجوم الذي أسفر عن استشهاد ٩ ضباط وإصابة ما يقرب من ١٥ آخرين.
  • في ١٢ من مايو ٢٠٢٣ فجر انتحاريان نفسهما في مقر القوات العسكرية الباكستانية الحدودية في منطقة "قلعة سيف الله" بإقليم بلوشستان، وأعلن المتحدث الرسمي باسم تنظيم "جهاد باكستان" مسئولية التنظيم عن الهجوم الذي راح ضحيته ٤٠ جنديًّا على الأقل.
  • في النصف الثاني من مايو ٢٠٢٣، تعرضت كلية الدراسات العليا في منطقة "لكي مروت" بإقليم "خيبر بختونخوا" للهجوم بأسلحة متطورة، وأعلن المتحدث باسم التنظيم الملا محمد قاسم مسئولية التنظيم عن الهجوم الذي نفذه القائد أبو ذر، وأسفر عن استشهاد ٣ مسئولين وإصابة ٧ آخرين، هذا إلى جانب الهجمات التي نُفِّذت شمالي "وزيرستان" ومناطق "تانك" و"بانو" و"بيتني" وغيرها ولم يُعرف عدد ضحاياها، كما هاجم مسلحون وحدة عسكرية في "سارادورجا" -منطقة أخرى في "لكي مروت"- ما أسفر عن استشهاد ٢ وإصابة ٣ آخرين، فيما أكد المسئولون مقتل ٢ من المهاجمين.
  • في ١٢ من يوليو ٢٠٢٣ حدث الهجوم على معسكر الجيش الباكستاني في "زوب" بإقليم بلوشستان الذي أصبح ساحة معركة بين الإرهابيين والجيش الباكستاني، واستهدف الإرهابيون في البداية حرس المخيم ليتمكنوا من دخوله. ونتيجة التبادل الكثيف للنيران بين الجانبين استشهد ٩ من أفراد الجيش وأصيب ١٢ شخصًا من بينهم ٥ مدنيين، فيما قُتل ٣ من الإرهابيين الذين كان عددهم من ٦ إلى ٨ بينهم انتحاري. وفي اليوم ذاته استشهد ٣ جنود آخرون في تبادل لإطلاق النار مع إرهابيين مدججين بالسلاح في منطقة "سوي"، فيما لقي مهاجمان مصرعهما.
  • نفذ إرهابيون هجومًا على دبابة أصيب فيه ٤ من عناصر الأمن، فيما وقع هجوم آخر على نقطة تفتيش "ميركالام" في شمال وزيرستان.
  • في ١٩ من يوليو راح ما لا يقل عن ١٠ مسئولين بين قتيل ومصاب بجروح خطيرة إثر تفجير انتحاري وقع بمنطقة "حيات آباد" بمدينة بشاور. استُخدِم في الهجوم ما يقرب من ٢٥ كجم من المتفجرات التي دُسَّت في خزان الغاز الطبيعي لسيارة المنتحر، وأعلن تنظيم جهاد باكستان مسئوليته عن الهجوم.

لا شك أن الجماعات الإرهابية تشكل تهديدًا للأمن القومي وتؤثر في وضع الأمن الداخلي لأي بلد، وهو ما يستلزم استعدادات وتدريبات خاصة لقوات الأمن التي تبذل تضحيات كبيرة لمكافحة الإرهاب، وخاصة في الأزمات التي يتخللها توافر أسلحة متطورة للإرهابيين بما يشكل خطرًا على قوات الأمن والمدنيين على حدٍّ سواء، وهو ما يحدث في عدد من الأقاليم الباكستانية، وخاصة المناطق الحدودية المتاخمة لأفغانستان التي عانت كثيرًا من خطر الإرهاب.

وطبقًا لما رصده مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، شهدت باكستان في ٢٠٢٣ ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الضحايا والهجمات الإرهابية في مناطق مختلفة من باكستان، وقد تبناها عدد من التنظيمات الإرهابية كان أبرزها طالبان باكستان، والانفصاليون البلوش، وداعش خراسان والتنظيم الوليد "جهاد باكستان" الذي أعلن مسئوليته عن العديد من العمليات الإرهابية حديثًا، واستهدفت جميعها الجيش الباكستاني والشرطة والمدنيين والطوائف الدينية المختلفة .

كذلك لوحظ ارتفاع في عدد القتلى والمعتقلين في صفوف التنظيمات الإرهابية، ما يشير إلى الدور الأمني الفعال للحكومة الباكستانية، إذ يوجد استنفارٌ أمني مصحوب باعتماد إستراتيجيات حديثة متطورة لتتبع الإرهابيين الفارين خارج البلاد، هذا إلى جانب عمليات التطهير الداخلية التي تباشرها قوات الأمن للقضاء على آفة الإرهاب بما يُبرز جهود باكستان في مكافحة التطرف وعزم الدولة على اجتثاث جذور الإرهاب وتجفيف منابعه في البلاد.

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.