كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن عددًا من الدول تعتقد أنها تمكنت من كشف هوية زعيم "داعش" الذي يدير العمليات العالمية للتنظيم؛ حيث أكد تقرير فريق مراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة استنادًا إلى معلومات استخباراتية من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن هناك "شبه تأكيد" على أن "الخليفة الجديد" لتنظيم داعش هو "عبد القادر مؤمن"، الذي يرأس أيضًا فرع التنظيم في الصومال، وأنه قد يكون هو المسؤول عن إدارة العمليات العالمية للتنظيم.
وأشارت تقارير استخباراتية للأمم المتحدة إلى أنه تم ترقية مؤمن إلى منصب رئيس المديرية العامة للولايات في داعش، الأمر الذي منحه في الأساس السيطرة على فروع التنظيم في إفريقيا وأصبح يتمتع بنفوذ أوسع؛ حيث ترى بعض الدول الأعضاء أنه القائد الفعلي للتنظيم، أو "الخليفة" الجديد.
ويأتي هذا التطور في وقت يواجه فيه داعش ضغوطًا متزايدة في العراق وسوريا، ما دفعه إلى إعادة توزيع مسؤوليه الرئيسيين، ونقل بعض عملياته إلى مناطق أكثر أمانًا لعناصر التنظيم وقياداته، وفقًا للتقرير الأممي. فمنذ مقتل زعيمي داعش السابقين أبو بكر البغدادي في 2019م، وخليفته أبو الحسين القرشي في 2022م، انتهج التنظيم سياسة جديدة لحماية قيادته من خلال إخفاء هويتهم، وتقليل ظهورهم، بما في ذلك إخفاء هوية القائد الحالي الذي يُعرف باسم "أبو حفص الهاشمي القرشي".
ويعكس التقرير الأممي التغيرات المتسارعة في هيكل قيادة داعش، في ظل الجهود الدولية المستمرة لمكافحة الإرهاب، والحد من تمدده عالميًّا. كما كشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن تنظيم داعش في الصومال بقيادة عبد القادر مؤمن، يواصل توسيع نفوذه رغم التحديات الأمنية والانشقاقات الداخلية التي يواجهها.
وأوضح التقرير أن التنظيم يستثمر أمواله في تعزيز قدراته العسكرية، بما في ذلك استخدام الطائرات المسيرة، وشنِّ هجمات انتحارية، في وقت يشهد فيه صعوبات في دمج المقاتلين الأجانب ضمن هياكله العشائرية.
وفي ظل استمرار الغموض حول هوية زعيم داعش، قال إدموند فيتون براون، المسؤول السابق في مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة ومستشار مشروع مكافحة التطرف: "إن قيادة التنظيم اعتادت على إبقاء الخليفة بعيدًا عن الأنظار، وعدم السماح بسماع صوته، أو رؤية ملامحه"، مضيفًا: "قد يُعرف خليفة داعش باسم أبو حفص الهاشمي القرشي، لكن لن يعرف أحد أنه صومالي، ولن يسمع لهجته الإفريقية أو يرى ملامحه".
ويُعتقد أن عبد القادر مؤمن، الذي يقود فرع التنظيم في الصومال، هو الشخص الذي يحمل هذا اللقب. وتشير المعلومات الاستخباراتية إلى أنه نجا من محاولة اغتيال استهدفته في غارة جوية أمريكية في مايو 2024م. وأكد تقرير الأمم المتحدة الصادر في فبراير 2025م، أن هذه الضربة دفعت مؤمن إلى اتخاذ تدابير لتقليل تعرضه للمراقبة من خلال اللجوء إلى شبكة من الكهوف والهياكل الدفاعية في جبال "جوليس" الصومالية التي يُعتقد أنها توفر حماية من الغارات الجوية الغربية. لكن هذه الإجراءات لم تمنع الولايات المتحدة من توجيه ضربة جوية جديدة في فبراير 2025م، استهدفت معقلًا لداعش في منطقة "بور ديهكساد"، ما أسفر عن مقتل أحد القادة الرئيسيين للعمليات الخارجية، و13 عنصرًا آخرين من التنظيم، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.
وفي سياق متصل أشار التقرير الأممي إلى أن فرع تنظيم داعش في الصومال وسَّع أنشطته المالية من خلال تكثيف عمليات الابتزاز في المناطق الخاضعة لسيطرته؛ حيث يستثمر العائدات في تطوير قدراته القتالية، إلا أن التنظيم يواجه صعوبات متزايدة؛ إذ شهدت صفوفه موجة انشقاقات بسبب التحديات الثقافية، وصعوبة اندماج المقاتلين الأجانب في الهياكل العشائرية المحلية، فضلًا عن قسوة الظروف المعيشية. كما أسهمت الجهود الدولية في اعتراض المقاتلين الأجانب المحتملين قبل وصولهم إلى الصومال، ما أدى إلى تباطؤ نمو التنظيم في الآونة الأخيرة. ورغم هذه التحديات، فقد حذر التقرير من أن داعش في الصومال لا يزال يشكل تهديدًا متزايدًا، خاصة مع استمراره في تعزيز نفوذه، وتمويل أنشطته العسكرية.
من جانبه يرى مرصد الأزهر أن تقرير الأمم المتحدة الذي يكشف عن احتمال أن يكون عبد القادر مؤمن هو الخليفة الفعلي لتنظيم داعش يدق ناقوس الخطر من تعاظم شأن التنظيم في القارة الإفريقية، وأن هذه المعلومة التي تكتسب "ثقة متزايدة" لدى الأجهزة الأمنية بعدد من الدول، تعكس التحولات الجذرية التي طرأت على هيكل القيادة داخل تنظيم داعش؛ حيث إن هذا التطور يعكس تغييرًا إستراتيجيًّا في تموضع داعش، إذ لم يعد مركز ثقله في الشرق الأوسط فقط، بل أصبح لفرعه في إفريقيا نفوذ متزايد، ما دفعه إلى إعادة توزيع مراكز صنع القرار، لتجنب الضربات القاتلة التي استهدفت قادته السابقين.
كما أن تعزيز دور عبد القادر مؤمن، الذي يتمتع بنفوذ واسع داخل التنظيم في إفريقيا، قد يكون خطوة إستراتيجية لداعش لتعزيز وجوده في القارة السمراء؛ حيث تسود بيئات غير مستقرة يمكن أن تشكل ملاذًا آمنًا للتنظيم خاصة مع توسع أنشطته المالية عبر عمليات الابتزاز، واستثمار الأموال في تطوير أسلحته مثل: الطائرات المسيرة، والهجمات الانتحارية، لكن التنظيم يواجه في الوقت نفسه تحديات داخلية متنامية قد تعيق توسعه، أبرزها الانقسامات الناجمة عن صعوبة اندماج المقاتلين الأجانب، هذا إلى جانب الانشقاقات التي ظهرت بسبب التباينات الثقافية، وقسوة الظروف المعيشية، إضافة إلى الضغوط الدولية التي قلَّصت من تدفق المجندين الجدد.
ورغم هذه العقبات، لا يزال تنظيم داعش في الصومال يشكل تهديدًا متزايدًا، خصوصًا مع قدرته على تحصيل التمويل واستثماره في تطوير إستراتيجيات قتالية جديدة، وإذا صحت التوقعات بشأن تولي عبد القادر مؤمن قيادة داعش عالميًّا، فقد نشهد تحولًا في أولويات التنظيم، مع تركيز أكبر على أفريقيا كونها مسرحًا رئيسًا لعملياته.
لكن في المقابل، فإن استمرار الضربات الجوية الأمريكية إلى جانب تصاعد الانشقاقات الداخلية قد يؤدي إلى إضعاف قدرته على السيطرة وإدارة فروعه بفعالية، وهو ما يضع التنظيم أمام معادلة معقدة بين السعي للتوسع في مناطق جديدة، وبين الضغوط الأمنية التي تهدد بقاءه. وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن داعش يسعى إلى إعادة تشكيل إستراتيجيته، لكنه يواجه واقعًا معقدًا يجعل استمراره بالقوة نفسها التي كان عليها في السابق محل شك، ما يتطلب تشديدًا للمراقبة الأمنية لمنع تدفق التدعيمات اللازمة للتنظيم، سواءٌ بالمال، أو بالسلاح، أو بالأفراد، كما يهيب المرصد بالدول الإفريقية وداعمي جهود الحرب على الإرهاب استثمار هذه الفرصة للتضييق على التنظيم، وتجفيف منابع تمويله؛ بهدف القضاء على مخططات توسع وبسط سيطرته.
وحدة الرصد باللغات الإفريقية