الجماعات المتطرفة

 

05 مارس, 2025

مقال "في الأصل لا الحاشية".. حلقة جديدة في مسلسل افتراءات داعش

تواصل جريدة النبأ الداعشية مسلسلها في الكذب والافتراء مع إصدار العدد الأسبوعي لها الخميس الموافق 27 من فبراير 2025م، حيث نشرت فيه مقالًا بعنوان: "في الأصل لا الحاشية"، ويعكس هذا المقال عددًا من المغالطات العقدية والمنهجية الخطيرة. ونتناول هذه المغالطات بالتفنيد واحدة تلو الأخرى، لنوضح للقراء تلك المغالطات بالاعتماد على ردود علمية مستندة إلى الأدلة الشرعية والمنطق السليم.

يهاجم تنظيم داعش في مقاله حركة طالبان، متهمًا إياها بمحاربة التوحيد لمنعها كتاب "التوحيد". كما يتضمن المقال أفكارًا أخرى مسمومة تؤدي إلى تفرق المسلمين وتزيدهم هوانًا، ومن بين هذه الأفكار ما يلي:

1-  اتهام الدول أو الكيانات بمحاربة "التوحيد" بسبب منع تداول أحد الكتب

يدِّعي المقال أن منع كتاب "التوحيد"، يعكس عداءً للعقيدة الإسلامية. وهذا استنتاج خاطئ؛ لأن منع كتاب معين لا يعني رفض محتواه بالضرورة. فهناك أسباب إدارية، أو مخاوف من استغلال الكتاب سياسيًّا، أو تحفظات على بعض تعليقاته. كما أن التوحيد لا يُختزل في كتاب واحد، بل هو جزء من العقيدة الإسلامية المستمدة من القرآن والسنة. فإذا منعت دولة ما أو كيان ما كتاب "التوحيد" أو أي كتاب آخر بسبب وجود مآخذ عليه، فإنها لا تصدر بيانًا رسميًّا يعلن رفضها لعقيدة التوحيد، حيث من المحتمل أن تكون المشكلة في بعض الحواشي والزيادات، وليس في جوهر الكتاب. إذًا، الادعاء بأن من يمنع هذا الكتاب يحارب التوحيد كذب صريح واستنتاج تعسفي لا دليل عليه. ولو كان ذلك صحيحًا، لكان المجتمع المسلم قبل صدور هذا الكتاب مجتمعًا مشركًا، ولكان أي بلد لم يصل إليه هذا الكتاب بلد مشرك. كما أن قياس ذلك على محاربة التوحيد قياس فاسد، لأنه لو كان صحيحًا، فكل حكومة تمنع كتابًا ما لاعتبارات سياسية أو تعليمية يمكن أن تُتهم بأنها تحارب ما فيه، وهذا لا يستقيم لا شرعًا ولا عقلًا.

2-  المغالطة في فهم طبيعة التعامل مع القوانين الوضعية

التعامل مع القوانين الدولية لا يعني تبنيها تشريعًا فوق الشريعة الإسلامية، بل هو جزء من السياسة الشرعية. فالنبي ﷺ قبِل بعض الأعراف الجاهلية، وفي عهد عمر بن الخطاب، استُخدم نظام الدواوين الفارسي ولم يقل أحد إن هذا كفر أو شرك!

وبعض الدول الإسلامية تحكم بالأحكام الوضعية للتعامل مع الواقع الدولي، وهذا لا يجعلها مساوية للكفار؛ لأن الادعاء بأن هذه المجتمعات "تساوي بين الله والشعب" افتراء لا أساس له، وهو خلط متعمد بين السياسة الشرعية والتشريع الإلهي.

ثم في حالة إذا طبقت الدول الإسلامية الأحكام الشرعية هل سيتخلى تنظيم داعش عن وسمها بالكفر؟! وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتهم الدول التي تطبق الشريعة أيضًا بالكفر؟ الواقع يناقض ما تصرح به هذه التنظيمات الإرهابية، بل إن كلامها يناقض بعضه بعضًا، لأنها تنطلق من فكر سقيم منحرف، وهذا يؤدي في النهاية إلى نتائج متناقضة كذلك.

3-  تكفير الحكومات المسلمة لأنها تطبق الديمقراطية وتعترف بالمواثيق الدولية

يعد تكفير الحكومات المسلمة بحجة أنها تعتمد الديمقراطية وتعترف بالمواثيق الدولية غلوًّا في التكفير ومنهجًا خوارجيًّا باطلًا. ويمكن تفنيد هذا الادعاء من عدة جوانب: أولًا القاعدة الشرعية تقول: "لا يُكَفَّر المسلم إلا بيقين". ثانيًا الأصل في المسلمين الإسلام، ولا يجوز إخراجهم منه إلا بدليل قطعي، فقد قال النبي ﷺ: "أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" (متفق عليه). إذًا، لا يجوز تكفير المجتمعات الإسلامية لمجرد أنها تتبع نظامًا إداريًّا ارتضته، أو لأنها تتعامل مع القوانين الدولية؛ لأن الحكم بالكفر يحتاج إلى تحقق الشروط وانتفاء الموانع.

ويجب التفريق بين الديمقراطية بوصفها مفهومًا غربيًّا يُطلق التشريع للناس دون قيد، وبين الديمقراطية بوصفها آلية انتخابية تُستخدم في اتخاذ القرارات داخل المجتمعات المسلمة. فإنكار الديمقراطية جملة وتفصيلًا غير دقيق، لأن بعض جوانبها مثل الانتخابات والشورى وتقسيم السلطات لها أصول إسلامية، وقد استخدمها الخلفاء الراشدون بطريقة شرعية. فالعبرة بمضمون القوانين لا بأسمائها.

كما أن التعامل مع المواثيق الدولية ليس كفرًا؛ فالإسلام أقر التعامل مع العهود والمواثيق الدولية، والنبي ﷺ نفسه أبرم اتفاقيات مع المشركين، مثل صلح الحديبية، وكان يقبل بعض الأعراف السائدة إذا لم تخالف الشرع. وإذا كان المجتمع المسلم يعترف بالمواثيق الدولية من باب الضرورة الدبلوماسية أو التعامل السياسي وليس من باب التشريع المطلق، فلا يُعد ذلك كفرًا.

4-   المزايدة على الجهاد

يصور المقال أن تنظيم داعش الإرهابي وحده الذي يدافع عن التوحيد، بينما الجميع خائنون للإسلام، وهذا انحراف فكري خطير، حيث إن التنظيم الإرهابي حصر الدين كله في الجهاد، كما يدعي أن العقيدة لا تحفظ إلا بالدماء، وأن القتل والتدمير هما السبيلان الوحيدان لحمايتها. وهذا خطأ فادح في الفهم، لأن الشريعة تُحفظ بالعلم والعمل والجهاد، وليس بالجهاد وحده. فالعلماء حفظوا التوحيد أكثر من بعض المجاهدين الذين انحرفوا إلى الغلو والتكفير. والنبي ﷺ وأصحابه من بعده نشروا الإسلام بالدعوة وكان الجهاد مشروعًا للدفاع عن الأوطان والإسلام معًا، ولم يكن المسلمون يحاربون فحسب، بل كانوا يُعلِّمون الناس أيضًا دينهم. وبالنظر إلى تنظيم داعش الإرهابي سنجده أنه لا يقتل إلا المسلمين ولا يريق إلا دماءهم، فكيف يُسمَّى هذا جهادًا؟!

فالجهاد ليس مجرد رفع شعارات، بل هو عمل منظم يحقق أهداف الإسلام من الدفاع ورد العدوان، وليس كما فعلت داعش من تدمير للمناطق التي سيطرت عليها، مما جعل المسلمين ينفرون منها. إذًا، حصر الشريعة في الجهاد بمعنى القتل فقط دون النظر إلى أهدافه الحقيقية التي شُرع من أجلها هو فكر متطرف، يخالف منهج الإسلام المتكامل.

وفي الختام، يؤكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن المنهج المنحرف الذي تتبناه التنظيمات الإرهابية مثل داعش يقوم على مغالطات عقدية ومنهجية خطيرة، تهدف إلى تشويه صورة الإسلام وتفكيك وحدة المسلمين. إن هذه التنظيمات لا تمثل الإسلام ولا تعبر عن قِيَمه السمحة، بل هي امتداد لفكر الخوارج الذين أساءوا فهم النصوص الشرعية وحرفوها عن مقاصدها، مما أدى إلى إراقة الدماء وتشتيت صفوف الأمة.

لقد ناقشنا وفندنا في هذا المقال ادعاءات داعش وأمثالها من التنظيمات المتطرفة التي تفتقر إلى الأدلة الشرعية والمنطق السليم، وتعتمد على التضليل والتلاعب بالعقول. فتكفير المجتمعات المسلمة، واتهامها بالجاهلية، وحصر الدين في القتل والدماء، هي أفكار مسمومة تتناقض مع جوهر الإسلام الذي يدعو إلى الرحمة والعدل والحكمة. فالإسلام دين التوحيد والوسطية، لا دين التطرف والإرهاب.

إن مرصد الأزهر يؤكد أن مواجهة هذه الأفكار المنحرفة لا تكون إلا بالعلم الشرعي الرصين، والحوار الهادئ، ونشر الفهم الصحيح للإسلام الذي يجمع ولا يفرق، ويبني ولا يهدم. كما ندعو المسلمين في كل مكان إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، والابتعاد عن الفتن التي تزرعها التنظيمات الإرهابية، والتي لا تؤدي إلا إلى المزيد من التشتت والضعف. ويشدد المرصد على أن مستقبل الأمة الإسلامية لن يُبنى بالتكفير والتطرف، بل بالتعاون والتآلف، وبالعودة إلى المنهج الوسطي الذي يحترم التنوع ويحافظ على وحدة المسلمين. وندعو الله أن يحفظ الأمة من كل فتنة، وأن يجمع كلمتها على الحق والخير.

وحدة رصد اللغة الإسبانية