الردود الشرعية

 

13 أغسطس, 2017

الإجبار على الدخول في الإسلام

السؤال: هل يجبر غير المسلمين على الدخول في الإسلام لقوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) البقرة 191؟

 

الرد على التساؤل

أولا: فكرةُ تقسيم القرآنِ الخلقَ إلى مؤمنين بالإسلام وكافرين به موجودة فعلا في القرآن الكريم، لكنها فكرة تشترك فيها كل الشرائع والأديان فلا توجد ديانة تقر عقائدَها وعقائدَ ديانة أخرى في آن واحد، وهذا التقسيم تقسيم وصفي، فإذا كان الإسلام يدعو لمجموعة من العقائد والعبادات والأخلاق فمن الطبيعي أن يقر بها بعض الناس ويكفر بها غيرهم.

ثانيا: اجتزاء النصوص من سياقها يؤدي إلى بتر المعنى وقلب المراد من مقصود الآيات في جملتها.

ويتضح ذلك من الاستدلال الوارد في التساؤل على أن الإسلام يأمر بقتال غير المسلمين بقوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)، فإذا قرأنا النص من بدايته اتضح لنا مدى التجاوز في فهم النص بحيث يبدو أن القرآن الكريم يدعو إلى العنف، يقول تعالى:"وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)  فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192 وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)ﱠ البقرة: ١٩٠ – ١٩٣

ورغم وضوح هذه الآيات وعدم حاجتها إلى أي تعليق إلا أنه يمكن أن نلحظ فيها أنها أعطت معنى غير المعنى المجتزأ من النص في الشبهة، فركزت الآية الأولى على قتال من يقاتل المسلمين فقط ونهت نهيا واضحا مؤكدا عن الاعتداء، فالقتال يكون للدفاع فقط، وإن أصر المعتدي على جرمه فإن الآية الثانية توضح طريقة التعامل معه وتحاول الحد من مجال القتال بالنهي عن القتال في المسجد الحرام ما لم يصر المعتدي على قتال المسلمين فيه، وتكرر الشرط السابق مرة أخرى (فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)، ثم تبادر الآيتان التاليتان بتعبير يبين أن القتال ضرورة يجب الكف عنها فور رجوع الآخر المعتدي، مستخدمة فاء التعقيب (فَإِنِ انْتَهَوْا).

 

ثالثا: زعم أن الإسلام يجبر غير المسلم على اعتناقه بالقوة مردود بنصوص القرآن الكريم التي تكذبه تكذيبًا صريحًا وفي أكثر من موضع، يقول تعالى في آيات تستحق التأمل: ﱡ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) ﱠ الأنعام: ١٠٤ - ١٠٨

 

ويقول تعالى أيضا:" قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) ﱠ يونس: ١٠٨ - ١٠٩

 فهذان أنموذجان من الآيات التي ترفع عن النبي صلى الله عليه وسلم الحرج ولا تكلفه فوق طاقته فالكل راجع إلى الله "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ﱠ الشورى: ٤٨ فلم يأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم قائلا: (فإن أعرضوا فقاتلهم أو أجبرهم على الإيمان) وإنما قال (فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) فهل تلك الجماعات التي تجبر الناس على الدخول في الإسلام أولى بالإسلام من رسول الله؟

ونكرر أن اجتزاء النصوص من سياقها هو السبب الرئيسي في الوقوع في مثل تلك الانحرافات عن النهج الإسلامي القويم.


كلمات دالة: