يشهد الوضع السياسي الألماني تحولات جذرية، تلوح في أفقها بوادر تغييرات عميقة في سياسات الهجرة واللجوء، وذلك مع تنامي نفوذ اليمين المتطرف، وعلى رأسه حزب "البديل من أجل ألمانيا "(AfD) الذي تمكَّن من تحقيق نتائج وصفت بالتاريخية في الانتخابات التي أجريت يوم الأحد الموافق 23 فبراير2025م، وحلوله في المرتبة الثانية بعد التحالف المسيحي بنسبة تجاوزت 20% من المقاعد.
هذا الصعود يطرح تساؤلات حاسمة حول مستقبل هذه السياسات، ويستدعي استشراف سيناريوهات محتملة بناءً على التوجهات المعلنة لهذا التيار فما هي أهم تلك السيناريوهات؟
بادئ ذي بدء، يُرجح أن تشهد القوانين المتعلقة بالهجرة واللجوء تشديدات غير مسبوقة. فحزب "البديل"، المعروف بدعوته إلى سياسات هجرة صارمة، يتبنى رؤية تقضي بمعالجة طلبات اللجوء خارج الحدود الألمانية، ورفض استقبال اللاجئين غير النظاميين، وتسريع وتيرة عمليات الترحيل، خاصةً في حق المهاجرين الذين يرتكبون جرائم. وإذا ما تمكن هذا الحزب من ترجمة رؤيته إلى واقع، فإن شروط الحصول على اللجوء ستزداد تعقيدًا، وقد يتم تقليص برامج لم الشمل العائلي التي تتيح للمهاجرين استقدام أفراد أسرهم.
ثانيًا، من المتوقع أن تتعرض الحكومة الائتلافية الحالية، أو أية حكومة مستقبلية، لضغوط متزايدة من أجل تبني مواقف أكثر تشددًا في ملف الهجرة، وذلك في محاولة لاستعادة ثقة الناخبين الذين باتوا يميلون إلى اليمين المتطرف. وقد بدأت الأحزاب التقليدية، مثل الاتحاد المسيحي الديمقراطي، تتأثر بهذا الخطاب، وتقدم مقترحات أكثر صرامة في هذا الصدد. ويتجلى ذلك بوضوح في تصريحات المستشار أولاف شولتس عقب أحداث مثل هجوم سولينجن في 2024م؛ حيث تعهد بتكثيف عمليات الترحيل، مما يشير إلى تحول في الخطاب السياسي السائد.
ثالثًا، لا يمكن إغفال التأثير المحتمل لهذا الصعود على المجتمعات المهاجرة نفسها. فمع تصاعد الخطاب المعادي للأجانب، قد يشعر بعض أفراد هذه المجتمعات بعدم الأمان، أو يفكرون جديًّا في مغادرة ألمانيا، كما أشارت إلى ذلك بعض الدراسات الحديثة التي رصدت هذا الاتجاه بين جاليات بعينها، مثل الجالية التركية. وفي المقابل، قد يدفع هذا الوضع إلى تعبئة اجتماعية وسياسية من قبل مؤيدي التعددية، وذلك لمواجهة هذا التحول المتنامي.
ومع ذلك، تبقى قدرة اليمين المتطرف على تنفيذ أجندته رهنًا بمشاركته الفعلية في السلطة. فحتى الآن، تتجنب الأحزاب الأخرى التحالف مع حزب "البديل" بسبب مواقفه المتطرفة. ولكن إذا استمر الدعم الشعبي لهذا الحزب في الارتفاع، فقد يتسع نطاق تأثيره غير المباشر، مما يجبر الأحزاب التقليدية على تبني بعض سياساته، ولو على مضض.
على الصعيد الأوروبي، قد يؤدي اتجاه ألمانيا نحو سياسات أكثر انغلاقًا إلى إضعاف التعاون داخل الاتحاد الأوروبي في ملف الهجرة، خاصةً في ظل التباينات الحالية بين الدول الأعضاء. وقد يهدد ذلك اتفاقيات مثل "شنغن"، أو يدفع نحو تبني إجراءات أكثر صرامة على مستوى القارة الأوروبية.
ختامًا، يظل مستقبل الهجرة واللجوء في ألمانيا محفوفًا بالغموض، ولكن المؤشرات العامة تنبئ بتحول محتمل من نموذج الانفتاح الذي ساد في الماضي إلى نموذج أكثر تقييدًا، وهو ما سينعكس حتمًا على المستويين الاجتماعي والسياسي، سواء داخل ألمانيا أو خارجها.
وحدة الرصد باللغة الألمانية