دراسات وتقارير

 

21 يونيو, 2023

دلالات اتساع الفئة العمرية للمتهمين بالإرهاب في إسبانيا خلال عام ٢٠٢٢م

 

     تأكيدًا على فكرة عدم العلاقة بين اعتناق الفكر المتطرف، أو التردي في مستنقع الإرهاب، بفئة معينة سواء على مستوى الفئة العمرية، أو الاجتماعية، أو البيئية؛ إذ الوقوع في براثن الفكر المتطرّف داءٌ يصيب العقول التي استسلمت للأفكار المسمومة والآراء المنحرفة غير مرتبط بفئة عمرية أو طبقة اجتماعية أو مستوى تعليمي معين، كذلك فإنّ الانتماء لدين بعينه ما كان يومًا سببًا للتطرّف، بل على العكس فإنّ الانتماء للدين والالتزام بتعاليمه يحول دون التردي في هاوية الفكر المتطرّف، فالمنَعة من التطرّف مرهونة بسلامة الفكر وصحة العقيدة والتحلي بمبادئ الإنسانية والفطرة السليمة.

ومن خلال متابعة مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف تأكدت حقيقة أنّ أتباع الفكر المتطرّف ليس بالضرورة أن ينتموا لفئة عمرية أو أن تربطهم رابطة واحدة سواء على مستوى التعليم أو الثقافة، وهو ما أكدته الشرطة الإسبانية في تقرير لها حول اتساع المساحة العُمرية للمتهمين بالإرهاب الذين تم إلقاء القبض عليهم خلال عام 2022م؛ حيث أثبت التقرير وجود اختلاف كبير بين أعمار المعتقلين في إسبانيا بتهمة الانضمام لتنظيمات إرهابية للعام بشكل يصعب معه رسم (صورة واحدة) عن الفئة العمرية أو المستويات التعليمية والاجتماعية للعناصر الإرهابية.

حيث قامت الشرطة الوطنية الإسبانية في شهر إبريل من عام ٢٠٢٢م باعتقال سيدة تدعى ماريَّا في بلدية "سان أنطونيو دى بيناخيبير" (San Antonio de Benagéber) (بَلَنْسِيَة)، وهي سيدة عمرها ٧٢ عامًا، كانت تقوم بدعوة النساء للانضمام لصفوف تنظيم داعش الإرهابي. فيما اعتُقل بعد ذلك بشهرين مراهق عمره ١٥ عامًا في بلدية 'ألخيتي" (Algete) (مدريد)، وبحوزته كمية كبيرة من المواد الدعائية الخاصة بنفس التنظيم الإرهابي، إضافة إلى فيديوهات لاعتداءات إرهابية، وكتيبات عن كيفية تصنيع المتفجرات.

وفيما يخص المتهمة الأولى التي تعد المسئولة عن تجنيد الإرهابية الشهيرة "كريستينا ب." (Cristina B.) فما زالت تنتظر المحاكمة. أما المتهم الثاني البالغ من العمر ١٥ عامًا فلقد تمت إدانته، ونظرًا لصغر سنه تم إيداعه في دار الأحداث حتى يبلغ السن القانوني، ثم بعد ذلك سيتم إطلاق سراحه سراحًا مشروطًا تحت المراقبة.

ولعل الناظر للقضيتين يجد أن المتهمين يمثِّلان طرفي الفئة العمرية المتسعة جدًا؛ حيث إن الفرق بين المراهق ذي الـ١٥ عامًا، والمرأة السبعينية هو ٥٧ عامًا – علاوةً على قائمة طويلة من المتهمين بالانضمام لتنظيمات إرهابية، وتبني الأفكار المتطرفة، والتي تتضمن (٤٦) إرهابيًّا تم اعتقالهم خلال (٢٧) عمليةً للشرطة الإسبانية خلال عام ٢٠٢٢م، وذلك طبقًا للتقرير السنوي للمرصد الدولي للدراسات حول الإرهاب الصادر  في النصف الثاني من شهر إبريل لعام ٢٠٢٣م.

ويشير التقرير (الذي تعاونت وزارة الداخلية الإسبانية في إعداده) بعد تحليل الجوانب الاجتماعية، والديموغرافية، والاقتصادية، والنفسية للمعتقلين، إلى أن "الفئة العمرية للمعتقلين هي إحدى المعطيات المهمة التي تبرز عدم وجود صورة موحدة للإرهابي.

وعلى الرغم من أن هذا التقرير السنوي قد أبرز أننا "أمام ظاهرة دائمة التحول، والتطور، والقدرة على التكيف"؛ إذ ليس لها نمط ثابت، لكنه تناول بعض الخصائص المتكررة.  كما سلط الضوء على  أن عددًا كبيرًا من المتهمين بالإرهاب من أصول مغربية؛ حيث بلغ عدد المعتقلين الذين يحملون الجنسية المغربية (١٨) شخصًا، وأن  عدد من يحملون الجنسية الإسبانية (١٥) شخصًا، بعضهم من أصل مغاربي ، بنسبة ٧٢% من العدد الإجمالي.

ومع ذلك، فلقد أبرز التقرير اعتقال (٦) مواطنين متهمين من أصول باكستانية، والذين تم اعتقالهم في العملية المسماة بسكينة (Sakina) على مرحلتين بسبب انتمائهم لحركة "لبيك باكستان" ( (TLP وهي تنتمي لحزب متشدد قامت دولة باكستان برفع الحظر عنه في عام ٢٠٢١م. وبالإضافة لذلك، فلقد تم اعتقال (٤) مواطنين من الجزائر، واثنين من ليبيا، وواحد من ألبانيا.

وبالنسبة للتنظيم الأم الذي ينتمي إليه هؤلاء المتهمون، فقد خَلُص التقرير إلى أنه يوجد إثبات على ذلك بالنسبة لـ(٤١) معتقلًا من بين (٤٦) متهمًا، وأن الغالبية العظمى منهم بواقع (٣٢) متهمًا ينتمون لتنظيم داعش الإرهابي، في حين يوجد اثنين فقط ينتمون لتنظيم القاعدة الإرهابي، مما يُظهر فجوةً كبيرة في العدد بين كلا التنظيمين مقارنة بما تم عرضه في تقرير عام ٢٠٢١م، عندما كان تنظيم داعش الإرهابي  هو التنظيم الأم لـ(٢٧) شخصًا من المعتقلين، في حين يتبع (٥) متهمين تنظيم القاعدة. كما أبرز التقرير ظهور وجوه إرهابية جديدة تنتمي لحركة "لبيك باكستان"، وذلك بعد اعتقال (٦) باكستانيين من المتعاطفين مع هذه الحركة، بالإضافة إلى وجود معتقل يتبنى فكر فرع تنظيم داعش الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي.

ويشير التقرير إلى أن هذه الحالة الأخيرة "يمكن إرجاعها إلى الدعاية المتزايدة التي يقوم بها التنظيم خلال الشهور الأخيرة خاصة في منطقة الساحل الإفريقي" التي ينمو فيها تنظيم داعش الإرهابي بشكل ملحوظ.

ولقد أوضح التقرير أن عام ٢٠٢٢م أكد تنامي انضمام النساء للتنظيمات الإرهابية، وذلك بعد اعتقال (٤) نساء، من بينهن المرأة السبعينية من بَلَنْسِيَة، في  حين أنه في عام ٢٠٢١م لم يتم اعتقال أية امرأة بتهمة الانضمام لتنظيم إرهابي. كما أوضح التقرير أن "هناك عامل مشترك يجمع بين المعتقلات يجعلنا نذكر الدور النشط الذي قامت به المرأة خلال السنوات الأخيرة فيما يتعلق بصناعة ونشر المحتوى الدعائي، وكذلك ضلوعهن في أعمال التجنيد والاستقطاب". حيث يضرب مثالًا بفتاتين  أعمارهما ٢٣عامًا، و٢٩ عامًا تحملان الجنسية الإسبانية، قبل أن يتم اعتقالهما في مدينة "مليلة" في شهر أكتوبر من عام ٢٠٢٢م خلال العملية المسماة بـ"مارثو".

كما كشفت التحقيقات عن أن المتهمتين تم تكليفهما بمهام متعلقة بكتابة المواد المتطرفة، والتي تم استخدامها فيما بعد في أعمال الاستقطاب، والتجنيد.  كما أنه قد نُسب لهما أنشطة متعلقة بأعمال التجنيد على الإنترنت، وأنهما كانتا على اتصال سواء بعناصر آخرين تم اعتقالهم بتهمة الإرهاب، أو بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، في إشارة إلى الإرهابيين الذين انتقلوا إلى مناطق القتال  في سوريا، والعراق.

ولقد ركز التقرير كذلك على "الارتباطات المتزايدة ودرجة الصلة" بين (٨) من هؤلاء المعتقلين مع الإرهابيين الذين انتقلوا إلى مناطق القتال. ويرى القائمون على إعداد التقرير أن المعتقلين يمثلون "خطرًا كبيرًا على الأمن"؛ حيث إنه من الممكن أن يكون قد صدرت لهم تعليمات، وخضعوا لتدريبات، وعمليات غسيل دماغ على يد المتطرفين الخطرين، فضلًا عن تلقيهم تدريبات على استخدام السلاح.

ولذلك يشير التقرير إلى أن المعتقلين الذين كانوا على اتصال بإرهابيين أجانب من الممكن أن يظهروا "درجة كبيرة جدًا من التطرف، وكره عميق نحو من يعتبرونهم أعداء لهم، مثل رجال الشرطة، وأجهزة الأمن". كما أوضح التقرير أنه على الأقل يوجد (٩) من بين المعتقلين كانت لهم سوابق جنائية لجرائم إرهاب في إسبانيا، أو في دول أخرى.

ويشير المرصد الدولي للدراسات حول الإرهاب إلى أن البيانات تظهر خطأ الفكرة الشائعة بأن الإرهابيين هم "أشخاص منعزلون عن المجتمع، ولا يقومون بأي نشاط اقتصادي، أو اجتماعي". فطبقًا للدراسة، فإن من بين الـ(٣٦) معتقلًا الذين تم توثيق هذا الجانب بالنسبة لهم يوجد (٢٧) متهمًا كانت لهم وظائف عندما تم إلقاء القبض عليهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من بين الـ(٩) الآخرين نجد أن واحدًا منهم هو هذا المراهق الذي تم اعتقاله في حي "ألخيتى" بمدريد، في حين نجد واحدًا آخر وهي هذه المرأة السبعينية، وثالث كان قد تم الإفراج عنه بعد أن كان محبوسًا حبسًا احتياطيًّا على خلفية اتهامه بالإرهاب.

هذا ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرّف أن الفكر المتطرّف رياح خبيثة، تهبُّ في أنحاءٍ شتى من العالم، تصيب الكثير ممن لا يتمتعون بالتحصين الكافي ضد هذا الفكر المنحرف، وبغض النظر عن انتماءاتهم، أو ألوانهم، أو أعمارهم، تعمل التنظيمات المتطرفة على استقطاب أكبر عدد ممكن من العناصر، منا يؤكد أن الأساس الذي يقوم عليه نشاط، وانتشار تلكم التنظيمات هو الثروة البشرية، وأن أعزَّ سلاح يمكن لأي تنظيم امتلاكه هو القوة البشرية التي ليس بالضرورة أن تكون ممثلة جميعها في ميدان القتال، ومسرح الأحداث، بل من الممكن أن تكون في الخلفية شخصيات أكثر خطورة، وأشدَّ تأثيرًا من تلك الشخصيات التي تظهر، وتتحرك في واجهة الأحداث.

كما يشدد المرصد على أهمية التعامل مع وباء الإرهاب والفكر المتطرف من منطلقات عدة، وزوايا مختلفة، بما يخدم توفير حماية لكافة أطراف المجتمع من هذا الوباء الخبيث، وذلك الفكر المدمر لأمن الشعوب، واستقرارها، الأمر الذي يتطلب أن تشمل جهود المكافحة استراتيجيات متعددة تناسب المستهدفين على اختلاف ميولهم، وأيدولوجياتهم، وأعمارهم، ومستوياتهم التعليمية، والاجتماعية، والفكرية.

 

        وحدة البحوث والدراسات

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.