دراسات وتقارير

 

19 أكتوبر, 2023

التطرف الانفعالي.. المفهوم والتأثيرات وسبل التحصين

 

أفردنا مقالات سابقة للحديث عن أشكال التطرف وأنواعه، وذكرنا منها التطرف الثقافي، والتطرف البيئي، وغيرها من ألوان التطرف، وقد حان دور الحديث عن شكل آخر من أشكال التطرف؛ والذي قد يكون الأكثر شيوعًا في كثير من المجتمعات؛ ألا وهو التطرف الانفعالي، والذي يُعد المحرّك الرئيس لممارسات التطرف والعنف، بحكم أن الانفعال ما هو إلا فقدان للسيطرة على النفس.

وقد يقول البعض: إن هذا المصطلح غير رائج، أو إن التطرف مقصور على التمسك بفكرة ما والدفاع عنها لدرجة فرض الرأي على الآخرين بالقوة، لكن الحقيقة أن التطرف الانفعالي مصطلح شائع لا سيما بين المتخصصين في علم النفس، ويعرف التطرف الانفعالي بأنه: حالة تتميز بزيادة شديدة في الاستجابة، وردود الأفعال الانفعالية، إزاء بعض المواقف والأحداث، فعلى سبيل المثال: يتضح التطرف الانفعالي من خلال الانفعالات المبالغ فيها، وغير السارة بشكل يفوق ما يمكن تبريره بالموقف الذي حدث فيه هذا الانفعال.

ونظرًا لخطورة هذا الشكل من أشكال التطرف؛ لما له من تأثيرات سلبية في الفرد والمجتمع، جاءت فكرة هذا المقال؛ بهدف توضيح مفهوم هذا الشكل من أشكال التطرف، وتأثيراته، وسبل الوقاية منه؛ حماية للمجتمعات من أحد أعنف أشكال التطرف وأكثرها تأثيرًا؛ إذ إن التطرف الانفعالي يمثل الخطوة الأولى على طريق العنف والإرهاب.

أولًا: مفهوم التطرف الانفعالي:

يعرف المتخصصون الانفعال بأنه: "اضطراب حاد يتميز بحالة من التوتر والتهيج العام، بما يؤثر على كيان الفرد، سواء في سلوكه، أو تجربته الانفعالية، أو وظائفه الحيوية (سليمان، ٢٠٠٥، صـ٢)

                وانطلاقًا من عرض مفهوم الانفعال يمكن تعريف التطرف الانفعالي بأنه: "سلوك يشمل مجموعة متنوعة من الانفعالات غير السارة للفرد، كانفعال الغضب الشديد، هذا التطرف يمكن أن يؤدي إلى تصاعد وتفاقم المشاكل الشخصية، والنفسية، والاجتماعية، ويزيد من فرص حدوث نزاعات ومشاحنات وتوترات؛ أي إن التطرف الانفعالي خطوة أساسية على طريق الأفعال والسلوكيات المتطرفة، والعنف والتعصب، ومن ثمَّ التورط في صراعات ونزاعات قد تصل إلى حد التخريب والقيام بأعمال عنف على مستوى الأفراد والمجموعات.

ثانيًا أسباب التطرف الانفعالي هناك العديد من الأسباب المؤدية للتطرف الانفعالي، نذكر منها:

(١) ضغوط الحياة: حيث يمكن أن تسهم الضغوط والتحديات التي يواجهها الفرد في الحياة اليومية، سواء على الصعيديْن الشخصي والمهني، خاصة إذا كانت هذه الضغوط متعددة، وعلى درجة كبيرة من الشدة، بالشكل الذي قد يفوق قدرة الشخص على تحملها، والتعامل معها بحكمة، وهدوء.

(٢) تجارب وخبرات سلبية سابقة: حيث يمكن أن تتسبب الأحداث السلبية التي مر بها الإنسان في الماضي، وكذا التجارب الضارة في زيادة فرص استجابة شخص ما للمواقف بشكل مبالغ فيه، خاصة إذا كان هناك درجة تشابه بين الموقف الحالي الذي يمر به الفرد، وخبراته، وتجاربه السلبية سابقًا.

(٣) نقص مهارة التواصل وضعف المهارات الاجتماعية لدى الفرد: ويقصد به عدم قدرة الفرد على التعبير عن مشاعره وانفعالاته بشكل صحيح، أو عدم امتلاكه مهارات احتواء الانفعالات، الأمر الذي يمكن أن يسهم بشكل كبير في ظهور وتنامي التطرف الانفعالي.

ثالثًا: التأثيرات السلبية للتطرف الانفعالي؛ حيث ينتج عن التطرف الانفعالي بعض التصرفات والسلوكيات المرفوضة، منها:

(١) تدني العلاقات الاجتماعية: حيث يتسبب التطرف الانفعالي في تدهور العلاقات الاجتماعية، وزيادة العزلة الاجتماعية، الأمر الذي يظهر بشكل كبير على سبيل المثال في الخلافات الأسرية.

(٢) المشكلات الصحية: إذ يمكن أن يؤدي التطرف الانفعالي إلى مشكلات صحية، مثل: ارتفاع ضغط الدم، والقلق والاكتئاب، ذلك لأن هناك علاقة قوية بين الحالة النفسية، والانفعالية للفرد، وحالته الجسمية، والعضوية.

(٣) اندلاع النزاعات والعنف: حيث يزيد التطرف الانفعالي من فرص حدوث نزاعات بين الأفراد، واللجوء لاستخدام العنف في بعض الحالات، ويظهر ذلك بشكل واضح عندما يعاني الطرفان من التطرف الانفعالي فتزداد فرص اندلاع النزاع والعنف المتبادل، وتتلاشى فرص التفاهم، والتوافق.

(٤) ضعف القدرة على إصدار الأحكام والقرارات الصحيحة: حيث تؤكد الدلائل أن الحالة الانفعالية الشديدة والسلبية تهاجم الحالة العقلية للفرد، وتعطل عمل العديد من القدرات والوظائف الذهنية، وبالتالي إضعاف قدرة الفرد على إصدار الأحكام، واتخاذ القرارات الصائبة.

وختامًا: يعتبر التطرف الانفعالي أحد أشكال التطرف، ولا يمكن إنكاره أو تجاهله، بل ينبغي التعامل معه بجدية، وتجنب الوقوع فيه؛ لما له من تداعيات خطيرة على الفرد والمجتمع. كذلك قد يكون للتطرف الانفعالي بعض التأثيرات السلبية على الصحة النفسية، والعلاقات الشخصية، والاجتماعية، وعلى الرغم من خطورة هذا الشكل من أشكال التطرف؛ حيث يستغل حالة الغضب وفقدان السيطرة، ويعمل على نشر التعصب والغلو، ومن ثمَّ التطرف والإرهاب، فإنه لم يُوفَّ حقه من البحث والدراسة، وهو ما يحاول مرصد الأزهر لمكافحة التطرف القيام به من خلال هذه المحاولة البحثية الموجزة.

                ولا ينفي هذا أن الأفراد من خلال فهمهم لمصادر التطرف الانفعالي، وتطبيق إستراتيجيات التحكم في الانفعالات، يمكنهم تحسين جودة حياتهم، وترسيخ علاقاتهم، والإسهام في بناء مجتمعات أكثر صحة وتوازنًا، من خلال التحكم في التطرف الانفعالي، والحد من انتشاره، وذلك اعتمادًا على عدد من الطرق والإستراتيجيات، منها ما يلي:

(١) الوعي بالانفعالات: إذ يجب على الأفراد تطوير الوعي بانفعالاتهم، والتعرف على علامات التطرف الانفعالي، والدراية بما يشعر به الفرد من انفعالات وكذلك الآخرين.

(٢) تطوير مهارات التحكم في الانفعالات: حيث يمكن تعلم مهارات التحكم في الانفعالات، وإدارتها، مثل: التنفس العميق، والتأمل؛ للتعامل مع الغضب والتوتر. والتحكم الانفعالي والثبات الانفعالي وغيرها من المهارات وإستراتيجيات التحكم في الانفعالات.

(٣) التواصل الفعَّال: ويضم كذلك التعبير عن الانفعالات من خلال التحدث بصراحة مع الأشخاص المعنيين، بما يمكن أن يسهم في حل المشكلات، والتخفيف من التوتر.

مما سبق يتضح أن التطرف الانفعالي ظاهرة لا تقل خطورة عن ظاهرة الإرهاب؛ إذ تقع ضمن العوامل الرئيسة في نشر التطرف والإرهاب في العالم، من هنا تأتي أهمية تسليط الضوء على مثل هذه السلوكيات وتلك الأشكال، تحصينًا لعقول الشباب من التأثر بتلك الظواهر، فضلًا عن بعض السلوكيات التي يقوم بها البعض تحت تأثير الغضب والانفعال، ما يجعل ضبط النفس أمرًا يتطلب مجاهدة النفس، والعزم على تجنب جميع الطرق المؤدية للعنف.

المصادر:

سليمان، حسين حسن (٢٠٠٥)، السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية بين النظرية والتطبيق، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر.

 

وحدة البحوث والدراسات


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.