دراسات وتقارير

 

09 نوفمبر, 2023

القضية الفلسطينية والقمع الإلكتروني... فيسبوك نموذجًا

هل تنجح وسائل التواصل الاجتماعي في تكميم الأفواه وتكبيل الأيدي؟

 

 

     أطلقت المقاومة الفلسطينية، بتاريخ ٧ من أكتوبر ٢٠٢٣، عملية عسكرية واسعة النطاق نسبيًّا باسم (طوفان الأقصى) ضد الكيان الصهيوني، شملت للمرة الأولى في تاريخ المقاومة الفلسطينية هجومًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا على عدة مستوطنات في غلاف غزة. وقد حظيت تلك العمليات بتضامن الرأي العام مع الأشقاء في فلسطين ضد ما يتعرضون له من انتهاكات يومية ازدادت وتيرتها أيّما زيادة بعد تشكيل الحكومة الصهيونية الحالية الأكثر تطرفًا برئاسة "بنيامين نتانياهو" مطلع العام الجاري.

Image

تنوعت أشكال الدعم الشعبي وشملت مشاركة المنشورات، والمقالات، والصور، والفيديوهات للقصف الجنوني الصهيوني على الأبرياء في قطاع غزة، على وسائل التواصل الاجتماعي وأبرزها (فيسبوك) على أمل أن تصل للمزيد من الأشخاص حول العالم، وكسب المزيد من التعاطف والتأييد للضغط على الكيان الصهيوني، ووقف إطلاق النار وتجنب سياسية العقاب الجماعي. ومن ثم فقد تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى وسائل إعلامية بديلة للإعلام الغربي المنحاز للجانب الصهيوني.

لكن اتضح، للأسف، أن موقف الشركة المسئولة عن إدارة منصة (فيسبوك) لا يختلف عن وسائل الإعلام الغربية من حيث إخفاء الحقائق والترويج للقصص والأكاذيب الصهيونية على حساب حيوات الملايين من النساء والأطفال والأبرياء الفلسطينيين، عبر حذف المنشورات التي تدعم حق المقاومة ضد الاحتلال وتفضح الانتهاكات الصهيونية المتكررة ضد المدنيين الأبرياء، وتقييد الوصول إليها، وحجب كل المقالات والأخبار التي تتناول تلك القضية من قريب أو بعيد، ويحذِّر أصحاب تلك المنشورات من الاستمرار في دعم القضية، بل ويحظرهم أحيانًا إذا اقتضى الأمر، في سياسة ممنهجة وانتهاك صارخ لما ينادي به الغرب من حرية التعبير وحرية الرأي.

Image

في النموذج المرفق، نشر أحد النشطاء منشورًا لا يحمل أي انتهاك أو مخالفة، ولا يدعم جماعة بعينها ولا يحرض على العنف أو يدعو للقتال، ومع هذا فقد اعتبره المسئولون عن المنصة انتهاكًا لمعايير المجتمع بشأن التصنيف ضمن دائرة الخطر على الجماعات والأفراد؛ بحجة أنه يحوي كلمة "تل أبيب" وغيرها من الكلمات التي تتعرف عليها خوارزميات (فيسبوك) وتحظرها. والنماذج كثيرة والمجال لا يتسع لإحصائها وذكرها. لكن الأزمة الأخلاقية الحقيقة التي تفضح المعايير الازدواجية، هي أن إدارة المنصة لم تكتف بحذف المنشورات المؤيدة للجانب الفلسطيني أو حجبها فحسب، بل سعت جاهدة إلى نشر المحتوى الداعم للكيان الصهيوني من خلال الترويج للحملات الإعلانية الممولة التي تطالب إما بوقف ما تصفه بـ (الأنشطة المعادية للكيان) مصحوبة بصور ومقاطع فيديو لحالة الخوف التي يعيشها المدنيون الصهاينة، أو إنشاء صفحات صهيونية وهمية مدعومة بعدد كبير من الأعضاء دون الكشف عن هوية هؤلاء الأعضاء؛ حيث تظهر أمام المجتمعات الغربية بوصفها صفحات صهيونية مدعومة من العرب ضد القضية الفلسطينية.

وختامًا، فإن نهج إدارة وسائل التواصل الاجتماعي ومنها (فيسبوك) في دعم الكيان الصهيوني إلكترونيًّا وإعلاميًّا، هو دليل على تنوع مجالات الحرب الراهنة على غزة ما بين الميدانية التي تتجاهل كل المعايير والقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والنفسية التي تتخذ من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أداةً لتزييف الحقائق والتعتيم على الانتهاكات التي يمارسها الكيان الغاصب. وليس هذا بغريب، فلطالما نادى هؤلاء بحرية الرأي والتعبير، وهم أول من يخرقها لمصلحتهم، وليس مطلوبًا منهم دعم القضية الفلسطينية، أو دعم حقوق الشعب الفلسطيني المهضوم حقه في استعادة أراضيه المحتلة، بل إن كل ما يرجى منهم هو ترك مساحة لكل من يريد التعبير عن رأيه دون حجب، أو حذف، أو تقييد، لكنهم أجبن من أن يتركوا أقلامًا تكتب بحرية، أو أفواهًا تنطق بالحق.

وحدة البحوث والدراسات

 


رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.