قُتل ٣٠٠ شخص نتيجة اعتداءات إرهابية نفذها بعض المنتسبين للدين الإسلامي على الأراضي الإسبانية أو خارجها ضد مواطنين إسبان منذ عام ١٩٨٤م. كان لكل واحد من هؤلاء القتلى مشروعه الحياتي الخاص الذي اغتاله الإرهاب، لكن الكاتبتين "تشيلو أباريثيو" و"أنا أيثبيري" أعادتا رسم هذه المشاريع الحياتية في كتاب بعنوان: "ضحايا الإرهاب"، تخليدًا لذكرى أولئك الضحايا وإلقاء الضوء على ما تعرضوا له من إرهاب أودى بحياتهم.
نشرت هذا العمل دار إيسباسا (Espasa)، وانطلق من فكرة للمركز التذكاري لضحايا الإرهاب كما أشارت "أباريثيو"، فهو مخصص كما قالت "لكل ضحايا الإرهاب وأسرهم وأصدقائهم؛ فجاء هذا الكتاب لتقديم نبذة عن هؤلاء الضحايا، والكارثة التي حلَّت بالمجتمع الإسباني بفقدان هذه الأرواح البريئة".
تتبعت الكاتبتان خيط الأعمال الإرهابية بدءًا من الاعتداء الإرهابي على مطعم "الديسكانسو"
(El Descanso) بمدريد الذي خلَّف ١٨ قتيلًا، مرورًا بالاعتداءات الإرهابية في "برشلونة" و"كامبريلس" التي أسفرت عن مقتل ١٦ شخصًا، وصولًا إلى حوادث الاعتداءات الأليمة التي وقعت في ١١ من مارس لعام ٢٠٠٤م في مدريد وأسفرت عن سقوط ١٩٣ ضحية، فأثمر جهد المؤلفتين عن هذا الكتاب المؤلف من ٥٠٨ صفحات حوت استعراضًا لحوادث الإرهاب التي وقعت في إسبانيا، إضافة إلى الحوادث الإرهابية التي وقعت في ١٤ دولة أخرى وقُتل فيها مواطنون إسبان.
بيانات إحصائية
قدَّمت الكاتبتان بعض الإحصائيات في كتابهما، منها أن ٣٠٠ ضحية اغتالتها يد الإرهاب في اعتداءات دموية مقترفة في إسبانيا أو ضد إسبان في الخارج منذ عام ١٩٨٤م إلى عام ٢٠٠٤م، إذ اغتالت يد الإرهاب ١٨١ رجلًا و١١٩ امرأة في خلال المدة المذكورة. ومن إجمالي عدد الضحايا البالغ ٣٠٠ ضحية، قُتل ٢٣٢ شخصًا في إسبانيا، منهم ٢١٢ في اعتداءات مدريد، و١٦ شخصًا في كاتالونيا، وثلاثة في أندالوثيَّا، وشخص واحد في مرسية.
كما أزهق الإرهاب أرواح ٦٨ مواطنًا إسبانيًّا خارج حدود إسبانيا، من بينهم ٢١ في أفغانستان، و١١ في العراق، وثمانية في اليمن، وستة في لبنان، وستة في المغرب، وثلاثة في بوركينا فاسو، إضافة إلى اثنيْن في كل من الجزائر وفرنسا وإسرائيل وسريلانكا وتونس، بينما قُتل شخص واحد في كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية مصر العربية، وبريطانيا.
ومن حيث نوع الاعتداء المستخدم، أفادت الكتاب أن ٢٤٦ شخصًا سقطوا جراء تفجيرات، و٣٤ ضحية بإطلاق الرصاص، و١٦ ضحية بعمليات دهس، وثلاثة بسلاح أبيض، وشخص واحد راح ضحية هجمات ١١ من سبتمبر ٢٠٠١م التي استهدفت برجي التجارة العالميين بنيويورك. وفي ما يتعلق بأعمار الضحايا، فقد ضمَّت قائمة ضحايا الإرهاب من الإسبان ١١ قاصرًا، وتراوحت أعمار باقي الضحايا البالغ عددهم ٢٨٩ ضحيةً بين ٣٠ و٥٠ عامًا.
كتاب "ضحايا الإرهاب" يعيد رسم حياة الضحايا
تتبع الكتاب حياة عدد من الضحايا؛ وفي ما يلي عرض لعبارات وجيزة من ترجمة الكتاب هي في حقيقتها جانب من شهادات وحكايات مطولة أدي بها أقارب الضحايا لوسائيل الإعلام. والبداية عن شخص يُدعى "فرانثيسكو"؛ كان يحلم بتخرج ابنه ماركوس مهندسًا زراعيًّا، فيما كانت "أليثيا" سيدة منظمة ومرتبة جدًّا، عشقت الصناديق منذ نعومة أظفارها سواء كانت من الكارتون، أو من الخشب، أو من النحاس الأصفر، وكانت تحب زخرفتها وترتيبها، وتحب الاستيقاظ مبكرًا، وكانت تهتم قبل ذهابها إلى العمل بإعداد العصائر والطعام لأسرتها الصغيرة التي كانت تبقى في المنزل منتظرة عودتها.
كما أورد الكتاب بعضًا من ردود أفعال أصدقاء الضحايا وأقاربهم في حينها، وفي الأيام التالية للاعتداءات. وفي هذا تشير الكاتبتان، أباريثيو وأيثبيري، إلى أنهما حاولتا من خلال هذه العبارات إعادة رسم حياة هؤلاء الأشخاص الذين راحوا ضحية الإرهاب، وتقديم ترجمة موجزة لحياتهم، وما كانوا يحلمون به لولا أن بدَّدت يد الإرهاب اللعينة تلك الأحلام.
ولعل ما دفع الكاتبتين إلى القيام بذلك وعرض مسيرة حياة الضحايا هو رغبتهما في تخليد ذكرى الضحايا، وبيان حجم الجرائم التي ارتكبها الإرهاب بحق هؤلاء الأبرياء، وأسرهم، ومجتمعهم. وفي سبيل ذلك، خصصت الكاتبتان ٢٨٠ صفحة من الكتاب للحديث عن الحادث الإرهابي الأكثر إيلامًا، وإضرارًا للمجتمع الإسباني بسبب عدد الضحايا، ألا وهو الحادث الإرهابي الذي وقع في ١١ من مارس لعام ٢٠٠٤م؛ فيما جاء وصف باقي العمليات الإرهابية في ١٥٧ صفحة أخرى.
واهتمت الكاتبتان بعرض الاعتداءات الإرهابية حسب الترتيب الزمني عرضًا تفصيليًّا، وهي مهمة لم تكن سهلة؛ لأن هذه الاعتداءات ارتُكبت في ١٤ دولة بوسائل مختلفة، وبأيدي جماعات مختلفة، وفي ظروف مختلفة. ولم تكن مهمة العثور على موجز لحياة كل ضحية من الضحايا سهلًا على الإطلاق، وخاصة من قُتلوا في اعتداءات إرهابية في حقبة الثمانينيات.
ورغم أن الكتاب لم يوضح تأثر الكاتبتين بحالة بعينها من بين الضحايا التي عرض الكتاب قصصهم، لكنه أكد أهمية كل ضحية لأسرته وزملائه وأصدقائه؛ فربما كان إبراز التأثر بضحية أكثر من غيرها مجافيًا للإنصاف.
هذا، ويعد الكتاب من وجهة نظر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف محاولة جيدة لإظهار الوجه الخبيث للإرهاب، وكيف يتسبب في إفساد حياة عائلات بأكملها بدافع المصالح الشخصية، والانسياق وراء الدعوات الهدامة وتنفيذ أجندات معينة، لا تبني أوطانًا ولا تحقق سلامًا، وإنما تجني التخريب والدمار وهدم القيم الإنسانية. ولكنه في الوقت نفسه وقع في إشكالية كبيرة ألا وهي الخلط بين الجهاد والإرهاب؛ إذ العنوان الذي وضعته المؤلفتان هو: ""LAS VÍCTIMAS DE LA YIHAD"" وترجمته: "ضحايا الجهاد"، والواقع أن الجهاد يختلف تمام الاختلاف عن الإرهاب، الأمر الذي وضَّحه المرصد في أكثر من إصدار على مدار سنوات عمله، فالإرهاب أساء للإسلام ولحقيقة مفهوم الجهاد الذي هو فريضة سامية في الإسلام شُرعت لرد العدوان، ودفع الظلم، والذود عن الأرض والعرض، لا لمبادرة الآخرين بالاعتداء والتخريب، ونشر الرعب.
وحدة البحوث والدراسات