دراسات وتقارير

 

04 ديسمبر, 2024

الإرهاب والإلحاد وجهان لعملة واحدة!

 

حيثما توجد كلمة «الإرهاب» فإنها تعني: الخوف، والقلق، والفزع، وهذا هو النوع الذي نقصده: الخوف، والفزع، والقلق، الذي يسببه فريق من المتطرفين لأمَّة من الأمم، أو مجتمع من المجتمعات، وهذا بالضبط ما نلاحظه كوجه مفزع للإلحاد في المجتمعات التي تتبناه، وتدعمه.

وتتعدد وجوه الإرهاب وأشكاله في الفكر الإلحادي، ويتجلى ذلك في الفكر الأحادي للملحدين، وذلك عن طريق تبني إنكار وجود الخالق، والاستهزاء بالأديان والشرائع، مع الإنكار الشديد على من خالفهم في هذا الرأي، والتشنيع به، والاستهزاء منه، بل ومحاربته أيضًا.

كما يتضح إرهاب الإلحاد في اللامرجعية، واللامسئولية للفكر الإلحادي، والذي يتشابه إلى حد كبير مع الفكر الإرهابي المتطرف، فالإلحاد يَعُدُّ الجانبَ الأخلاقيَّ جانبًا تُشكِّله الظروف الاجتماعية والبيئية بحسب التربية، بعيدًا عن أي مصدر إلهي، أو وحي دِيني. وهذا يعني: أن خُلُقًا حميدًا كالأمانة مثلًا، أو الحفاظ على أرواح الخلق، أو بذل السلام للعالم، هو خُلُق نِسبيٌّ؛ لأنه لا مرجعية له لديهم، ولا دافع له إلا المصلحة الفردية للملحد؛ فيمكن للملحد أن يُبيد، أو يحطم، أو يقتل ما دام هذا يحقق نفعًا خاصًّا، أو مصلحة له.

وقد تقوم المجتمعات الإلحادية بعمليات تطهير عرقي، أو إبادة جماعية؛ لو أن هذا سيصب في مصلحتهم. ومن هنا؛ تنكشف الصورة الفاشية للفكر الإلحادي؛ حيث إنه لا سلام ولا أمان؛ لأنه لا توجد مسئولية، ولا ثواب، ولا عقاب، ولا إيمان بالآخرة، ولا اعتراف بوجود إله خالق سيحاسب الناس على ما قدموا.

وفي هذا يقول فضيلة الإمام الأكبر محمد الخضر حسين –رحمه الله تعالى-: "عرفنا أن من طبائع الإلحاد اتباع الشهوات، والانطلاق في الإباحية؛ فالملحد لا يحافظ على عِرض أحد، ولا على ماله، إلا أن يعجز عن الوصول إلى شيء من ذلك، ومتي ساعدته الفرصة، وظن أنه بمأمن من العقوبة، عاث في الأعراض والأموال، غير متحرج من انتهاك حرماتها، وقد يقع انتهاك الأعراض ونحوها من غير الملحد بدافع الشهوة. أما الملحد، فإنه يأتيها مستبيحًا لها، وضرر الطائفة التي ترتكب الفسوق مستبيحة له أشد من ضرر من يفعله معتقدًا أنه يأتي أمرًا محرمًا"(1) .

وفي الواقع المعاصر، نجد الكثير من الملاحدة أرهبوا أهلهم وجيرانهم، بل ومجتمعاتهم؛ فهناك السفاحون الذين يرتكبون جرائم القتل المتعددة دون أن تهتز مشاعرهم، وقد أصبح العشرات منهم أصحاب شهرة وصِيت واسع، وإن لم يكونوا معروفين لدينا، ومن هؤلاء: (إد كمبر Ed  Kemper ، المولود في ديسمبر 1948م) وقد بدأ حياته الإجرامية في سن الخامسة عشرة بقتل جدَّيْه. وقد حبسته أمُّه في البدروم منذ بلغ سن العاشرة، وكانت تُعدُّ أنه يمثل تهديدًا جنسيًّا لأخته.

 ومنهم: هنري لوكاس Henry lee Lucas (1936م): سفاح أمريكي اتُّهم بمئاتٍ من جرائم القتل. ومنهم: جاري ريد جواي Gary Ridgeway (1949م) سفاح أمريكي اعترف بقتل قرابة مئة ضحية. ومنهم: تيد باندي Ted Bundy (1946م) سفاح أمريكي قتل العشرات، واغتصب العديد من النساء والفتيات، وكان يمارس الجنس مع الجثث. ومنهم: كينيث بيانكي Kenneth Bianchi  (1951م)  سفاح أمريكي اشترك مع ابن عمه في قتل خمسة عشر ضحية. ولا شك أن معظم هؤلاء يجمعون بين الإجرام والإلحاد في صورته العملية(2)؛ أي: إن الإلحاد دافع من دوافع الجريمة.

ورُبَّ قائل يقول: قد يوجد من أهل الديانات ومن المؤمنين مَنْ يرتكب مثل هذه الجرائم. فما الفرق بينه وبين الملحد؟ نقول: إن هذه الأمثلة التي سقناها لهؤلاء السفاحين جاءت ضمن اعترافاتهم أنهم لا يرون مشكلة ولا ضررًا، ولا يؤمنون بأن هذه جرائم أصلًا، وأنهم فعلوا ذلك انطلاقًا من إيمانهم بالمتعة، واللذة، والنفع الذاتي؛ فكان إلحادهم سببًا رئيسًا في ارتكاب هذه الجرائم، من قتل واغتصاب بدم بارد، وهذا يحفزهم لدعوة الآخرين للعمل مثلهم، بخلاف من يصنع ذلك شهوةً، أو انتقامًا، أو لسوء تربية، أو لسبب آخر، وهو يؤمن بأن هذا جُرْم ومُنْكَر، وسيحاسبه الله تعالى على ذلك.

تقول مارجريت سانجر Margaret Sanger  (14سبتمبر 1879م) -وهي إحدى زعيمات الإلحاد، ومن المؤسسات لحركة التمركز حول الأنثى-: "إن هدفنا هو الإشباع الجنسي اللامحدود، دون عبء إنجاب أطفال غير مرغوب فيهم، إن فراش الزوجية هو أخطر ما يهدد تماسك ونظام المجتمع، إن أكبر رحمة تقدمها الأسرة لطفلها هي أن تقتله"(3).

 هكذا تنادي صراحة بأن أكبر رحمة تقدمها الأسرة لأبنائها هي القتل!! بدلًا من تربية النشء على الأخلاق الفاضلة، ودعوتهم إلى إعمار الأرض، والفضيلة، والنفع العام للبشرية، وبذل السلام للقاصي والداني، فأي فكر هذا الذي يدمر ويقتل؟!

ويشير دكتور/ عمرو شريف، إلى جولته مع "علم نفس مجتمع الإلحاد"، والتي قادته إلى استنتاج لا مفرَّ منه، وهو أن مجتمع الإلحاد مجتمع عنيف. وأن هذا المجتمع -وغيره من مجتمعات الإباحية الجنسية والشذوذ الجنسي والإجهاض غير المبرر- يُفرِز دون شك أُسرًا مفككة، وشخصيات مشوهة وحشية، ومجتمعات من أناس محطمين نفسيًّا وعقليًّا وجسديًّا، وأيضًا دينيًّا"(4).

وبعد أن ساق عددًا كبيرًا من الإحصائيات التي تؤكد انهيار المجتمع أخلاقيًّا وسلوكيًّا في ظل انتشار الإلحاد، يقول شريف: "هذه هي المدينة الفاضلة التي يبشر بها الإلحاد. إن إنكار أننا قد خلقنا للإيمان بالإله هو بداية انهيار المجتمع؛ حيث إن الانهيار هو أكبر الأدلة على الوجود الإلهي. إذن؛ فالوجود الإلهي ليس افتراضًا نحقق به الأمان النفسي –كما يدعي فرويد- بل وجود حقيقي نحقق به الأمان الحقيقي. وصدق ألكسندر سولزهنتزن حين قال: "إن الإله يحبس البربرية والبهيمية داخلنا"(5).

وهذا ما دعا إليه الإسلام، وهو الإيمان بالله تعالى، وأن هذا الإيمان يضبط الغرائز ويقومها، ويرشد الإنسان لما فيه نفع البلاد والعباد، قال تعالى:الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ   [سورة الحج: 41].

وقال سبحانه: وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ   [سورة القصص: 77].

فالإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، يورث الطمأنينة والثقة في عدل الله تعالى، وأن هذا العدل سوف يتحقق في الآخرة؛ قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا  [النساء: 40]، وقال أيضًا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ .وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8]؛ فلا يبغي أحدٌ على أحدٍ، ولا يَظلم أحدٌ أحدًا، ولا يعتدي أحدٌ على أحدٍ.

والنبي صلى الله عليه وسلم -وهو القدوة، والإمام الناصح للبشرية جميعًا- قد أرسى دعائم الحق والخير، وبيَّن المقبول والمردود عند الله تعالى، كما نادى بحقوق الإنسان، ودعا إلى أن يحفظ الناس إنسانيتهم؛ فلا يكونوا كالمجتمعات الحيوانية. وقد كرَّم الله تعالى بني آدم؛ فقال ﷺ: «يا أيها الناس: إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، ألَا لَا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: فيبلغ الشاهد الغائب»(6).

مما سبق؛ ندرك أن للإلحاد سمات سلبية؛ فهو مخيف من حيث عدم الإيمان بالحساب؛ مما يترتب عليه حياة تقوم على إشباع الرغبات، والتلذذ بالشهوات، ولو كانت على حساب الغير، ومهما تكن هذه الشهوات؛ فلا رادع من تحقيقها. ومن هنا؛ فلا شيء يردع بهيمية الإنسان وغرائز الانتقام لديه، أو التنافس المذموم، أو حب التملك ولو بغير حق، أو تحصيل المنافع العاجلة؛ ولذلك وجدنا الملاحدة لا ينكرون الفواحش، ولا يؤمنون بمُحرَّم، وهو أمر في غاية الخطورة على الأُسر والمجتمعات، ويهدد بقاء الحضارات وتقدم الدول؛ إذ ينعدم الباعث على تحقيق الجوانب الأخلاقية، خاصة إذا تعارضت المصالح؛ ومن ثم فإن الدين هو وحده الذي يضمن الحياة الآمنة والمنضبطة التي تشمل جميع الجوانب الإنسانية والأخلاقية؛ لأن المؤمن يراعي أعماله، ويدرك أن كل عمل يقوم  به مجزي عليه، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.

وحدة البحوث والدراسات

المراجع:

  1.  الإلحاد: أسبابه، طبائعه، مفاسده، أسباب ظهوره، علاجه، لفضيلة الإمام: محمد الخضر حسين، رحمه الله تعالى، 20، ط، الكويت سنة: 1406هـ.
  2. الإلحاد مشكلة نفسية، د/عمرو شريف، صـ242، الطبعة الأولى، القاهرة، نيوبوك للنشر والتوزيع، 1437هـ، 2016م.
  3. Sanger, The Women Rebel,Vol,1,n,1,(New York :Brenlanos Publishers,1922)
  4. عمرو شريف، مرجع سابق، صـ248 بتصرف.
  5. المرجع السابق: صـ249.
  6. رواه الإمام البيهقي في السنن بسند صحيح، عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه.