دراسات وتقارير

 

04 ديسمبر, 2024

سلسلة قراءة في كتاب (4).. "الإسلام كبديل" للكاتب الألماني: مراد هوفمان

الكتاب: الإسلام كبديل.

تأليف: الدكتور/ مراد فلفريد هوفمان – سفير ألمانيا بالرباط.

ترجمة: أ/غريب محمد.

الطبعة الثانية: 1997م.

نبذة عن المؤلف:

الدكتور/ مراد ويلفريد هوفمان (بالألمانية: (Murad Wilfried Hofmann (1931-2020م)، كان محاميًا ودبلوماسيًّا وكاتبًا ألمانيًّا. اعتنق الإسلام عام 1980م. ألَّف العديد من الكتب عن الإسلام، منها: (رحلة إلى مكة المكرمة، ويوميات ألماني مسلم، والإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود، والإسلام عام ألفين، والكتاب الذي بين أيدينا: الإسلام كبديل)، وغيرها من المؤلفات، تركزت العديد من كتبه ومقالاته على وضع الإسلام في الغرب، كما أنه أحد الموقعين على "مبادرة كلمة سواء"، وهي رسالة مفتوحة لعلماء المسلمين للقادة المسيحيين، تدعو إلى السلام والتفاهم.

توفي د/ مراد هوفمان في مدينة (بون، بألمانيا، يوم الإثنين 13 يناير 2020م، عن عمر ناهز 89 عامًا) رحمه الله رحمة واسعة؛ على ما قدَّم للإسلام والمسلمين.

بين يدي الكتاب:

يستهل الدكتور/ هوفمان كتابه (الإسلام كبديل) فيقول: "إن الإسلام لا يطرح نفسه بديلًا للمجتمعات الغربية، إنه بالفعل هو البديل الوحيد".

يرى الدكتور/ هوفمان، أن الاتصال الدبلوماسي بين الإسلام والغرب حدث في أخريات حياة النبي صلى الله عليه وسلم حين بعث برسائل إلى هرقل الروم، وخسرو الثاني ملك الفرس، والنجاشي في الحبشة، يدعوهم إلى الإسلام، مبينًا أن في ذلك خيرهم وخير رعيتهم. ويقول: "إن العلاقة بين الإسلام والغرب لم تقطع قط، ولم تتسم أيضًا بخلوها من التوتر والمجابهة، وذلك على الرغم من توفر التلاقح الفكري والاقتصادي المثمر بينهما".

ويؤكد أن حركة المسلمين التي أيقظت العالم، وجعلته يمضي قدمًا، شملت آنذاك العلوم والحضارة؛ فانطلق علماء الإسلام يحققون نتائج مذهلة في العلوم الطبيعية والإنسانية، حتى لقد غيروا مسار تلك العلوم قرونًا وقرونًا؛ كما تشهد بذلك ميادين الرياضيات، والبصريات، وعلم النبات، وعلوم الطب وفروعه، مثل: الجراحة، وأمراض العيون، وشئون البيطرة، والصيدلة، والصحة. ونشأت علوم المعاجم، والنحو، والصرف، والبلاغة، والموسوعات، وكتب التاريخ، وعلم الاجتماع، وإحياء فلسفة أرسطو التي كان الغرب قد نسيها، وأخذت شمس الحضارة الإسلامية تبدد الظلام الذي ران على أوروبا قرونًا. وكفى أن نستدل على ذلك بذكر بعض الأعلام، مثل: الرازي، والبيروني، وابن رشد، وابن سينا، وابن خلدون، وابن بطوطة، والخوارزمي.

وينتقد الدكتور/ هوفمان بشدة ميل العالم الغربي إلى المادية، والبُعد عن الدين والتخلي عنه، والتمسك بجانب واحد من جوانب البقاء الإنساني، وهو الجسد، ولذاته، وغرائزه، والتخلي عن الجانب الأهم، وهو ما يمثل ركيزة الوقود الإنساني، وهو الروح والدين بوصفهما منظومة القيم والأخلاق التي تضمن الحضارة الحقيقية للإنسانية، ويرى أنه كلما اشتد الوعي الديني والاستنارة لدى العالَم الحديث؛ صارت الحاجة إلى الدين أقوى وألزم؛ على الأقل لإضفاء الشرعية على السلطة والقانون، وعلى الحركية الحافزة، وبناء الأمَّة.

ويقول: "لقد غلبت المعرفة من جديد في إثباتها أن الدين وعلوم السياسة لا غناء لبعضها عن بعض، وأن فكرة انقضاء أَجَل الدين، كانت فكرة محلية محدودة الأفق.. ولا شك أن الدعوة إلى جعل العلم إسلاميًّا دعوة إيجابية؛ حيث إنها لا تستهدف نبذ النمط الغربي جانبًا، وإنما تهدف إلى تحقيق التربية الإسلامية والإصلاح الجامعي".

ويعقب الدكتور/ هوفمان على علاقة الإسلام بالعالم الغربي؛ فيقول: "نستخلص من تاريخ هذه العلاقة التي هي أقرب إلى أن تكون مدعاة للحزن، والتي عرفها كلا العالمين الإسلامي والمسيحي أربعمائة وألفًا من الأعوام، أن عليهما كليهما -خاصة في عصر أسلحة الإبادة الشاملة- أن تتم المواجهة بينهما في جوٍّ من التسامح، والفهم المتبادل، وتقبل وجهة نظر الآخر واحترامها؛ ذلك إذا كانا حريصين على أن يسود السلام العالم. ويمكن أن تُسَهَّل هذه المهمة إذا حاول الغرب تفهم العالم الإسلامي محاولة جادة، ومثل ذلك مطلوب من العالم الإسلامي أيضًا".

الدين الكامل:

وتحت هذا العنوان يُلخص الدكتور/ هوفمان أسباب الانتشار الكبير للإسلام في غير الدول الأوروبية أيضًا، مثل: غرب إفريقيا، والسنغال، والكاميرون، وساحل العاج، إلى أسباب، منها: بساطة تعاليم الإسلام، وخلوها من التصورات الغيبية الغامضة المعقدة، فلكي يكون المسلم مسلمًا، فلا بُدَّ من توافر شرطين اثنين فيه، الأول: الإيمان بإله واحد، مع تنزيهه عن الجنس، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وآثاره الملموسة في العالم تدل على وجوده. الشرط الثاني: الإيمان بما أنزله الله من الوحي، كما هو متجلٍّ في الحنيفية السمحة من إبراهيم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

ويُبيِّن الدكتور/ مراد هوفمان، أن الإسلام يتميز بالكمال والشمولية، ويُعدِّد مظاهر الكمال الإسلامي فيما يلي:

أولًا- لا يوجد في الإسلام نظام وساطة كما هو في غير الإسلام؛ فالمسلم يتوجه بعبادته لله وحده لا شريك له، ويدعو المسلم ربه وحده؛ فالمسلم في هذا حُرٌّ متحرر، لا تشوب عبادته طقوس أو شعائر غامضة.

ثانيًا- يحرص الإسلام على السلامة العامة لأفراد المجتمع كافة، وذلك بتحريمه المطلق للحم الخنزير، والخمور والمسكرات، والمخدرات أيًّا كان نوعها، ويلح في الوقت نفسه على المسئولية التامة لمن يسيء تعاطي العقاقير السامة، أو نحوها من مواد الإدمان، بدلًا من استخدامها في التداوي من الأمراض وشئون الطب المشروعة. كذلك فإن الانتظام في أداء الصلوات المفروضة -في مواقيتها المشروعة، في خشوع وتأمل- يتيح تخفيف حدة التوتر والإجهاد اليومي؛ فيعود ذلك بالخير على الفرد والمجتمع.

ثالثًا- يبيح الإسلام العلاقة الجنسية المشروعة بين الرجل والمرأة، ويوصي بها ليتمتع الإنسان، الذكر والأنثى، بممارسة هذا الحق الطبيعي، وبدون تحفظ.

رابعًا- إن فرائض الإسلام تتسم بالموضوعية، وإنها في حدود الإنسان البشري المعتاد، ولا يُلزم الإسلام الإنسان بذنب غيره، ولا يتحمل الخطيئة الأصلية، ولا يأمره بأن يلتمس الخلاص منها، بل يقول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

خامسًا- إن نظرة المسلمين للوضع الاقتصادي التالي للعمل نظرة اجتماعية سليمة، وليست في المقام الأول نظرة نابعة من الاقتصادية المستهدفة؛ أعلى منفعية أو أعلى ربحًا؛ بذا يمكن أن تصبح تصويبًا للمسارات الخاطئة، أو غير المستقيمة في المجتمعات الأخرى.

سادسًا- يوصي الدكتور/ هوفمان، المسلمين بأن يكونوا قدوة حسنة في التسامح مع غير المسلمين أصحاب النظم القائمة على المتعة الدنيوية فحسب، أو الفصل بين الدين والدنيا. ويُذكِّر المسلمين بالعمل بقوله تعالى: {قل يا أيها الكافرون* لا أعبد ما تعبدون* ولا أنتم عابدون ما أعبد* ولا أنا عابد ما عبدتم* ولا أنتم عابدون ما أعبد* لكم دينكم ولي دين}.

يقول د/ هوفمان: "يصعب على كثيرين من مراقبي الغرب تَفهُّم المسلمين حين يزعمون أن الإسلام إنما هو دين السماحة المطلقة بلا منازع. ومع ذلك، فإن هذا هو الحق كل الحق. والجوهر الكامن في هذا الموقف الشامل للتقبل المتسامح للآخرين، فكريًّا وعمليًّا، هو الحقيقة التي نص عليها القرآن حقًّا، وجعلها أصلًا أساسيًّا في العلائق، وحرم انتهاكها على الخلائق: {لا إكراه في الدين} وهذا يعني: أن الإيمان يختص بقضية داخلية في النفس، فإكراه نفس على الإيمان محاولة لا جدوى منها، وحتى هذه المحاولة -التي لا طائل تحتها- مُحرَّمة في الإسلام".

المعاملات الاقتصادية في الإسلام:

وتحت هذا العنوان يشير الدكتور/ مراد هوفمان، إلى أحد أهم جوانب العظمة في التشريع الإسلامي، ويلخص أبرز الأسس المذكورة في القرآن الكريم، والتي يجب توافرها في كل نظام اقتصادي إسلامي، وهي:

أولًا- ينطلق القرآن من احترام حق الملكية الخاصة للمتاع؛ أي للأشياء (من عقار، وأملاك، وبضاعة، وممتلكات أخرى)، ويدخل في ذلك بشكل أساسي وسائل الإنتاج.

ثانيًا- المسلم ملزم بأن يسعى لكسب نفقات معيشته سعيًا شريفًا، بإسهامه في العمل المنتج، ويشمل هذا التجارة المستهدفة، في إطار الأسعار الحرة التي تسمح بها السوق غير الاحتكارية.

ثالثًا- على الدولة أن تراقب الالتزام بقواعد التسعيرة؛ وذلك لتمنع الاحتكار، والغش في الكيل والميزان، وأنواع الجرائم الاقتصادية كافة.

رابعًا- ينبغي على المسلم أن يتقي الشح والإسراف؛ فهو مطالب بالاعتدال، كذلك بصفته مستهلكًا، لكن لا ينبغي أن يكون زاهدًا، فالإسلام لا يرضى له أن ينسى المسلم نصيبه من الدنيا.

وتبدو حكمة الإسلام العظيمة في ضمانه للمرونة اللازمة لإقامة الأنظمة الاقتصادية الحقيقية السديدة، بعد وضعه للأسس والشروط، أو الأطر العامة التي تحوي هيكل الاقتصاد.

الإسلام والبيئة:

وتحت هذا العنوان يلخص الدكتور/ هوفمان، الرؤية الإسلامية للبيئة، وأن الإسلام دين جاء بالحياة وللحياة، والهدف من خلق الإنسان تعمير الكون، وتحقيق السلم البيئي والمجتمعي، وهذا ما نادى به القرآن الكريم، وحثَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ويلخص الدكتور/ هوفمان المبادئ الإسلامية والتوجيهات النبوية للحفاظ على البيئة من منطلق ديني -يثاب المرء على فعله، ويعاقب على تركه- في النقاط التالية:

أولًا- السبب الحقيقي وراء تدهور البيئة بشكل عام هو اغترار الإنسان غير المؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى بجبروته؛ حيث سولت له نفسه بأنه السيد المسيطر على الطبيعة والبيئة، فاعتقد ذلك يقينًا؛ فجعله ذلك يشبع ذاته على حساب الطبيعة. أما المسلم، فيدرك أنه لا يملك شيئًا، وأن الملك كله لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وأن الله ذرأه في الأرض لا ليستعبدها، وإنما هي وديعة ذلول استخلفه الله تعالى ليقوم بحقها، ويستغلها استغلالًا مسئولًا.

ثانيًا- المسلم مُكلَّف بالاعتدال في كل شيء، وليس له أن يسرف بأي حال من الأحوال في استهلاك الطعام والشراب ومصادر الطاقة، وغيرها من مقومات الحياة؛ قال تعالى: {كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}. وبوجه عام، فإن ذلك جميعه يفضي إلى المبدأ الذي يلح على ضرورة حفظ التوازن البيئي، كما نبه القرآن الكريم على ذلك؛ فقال تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، بل إن المسلم لا ينبغي له أن يملأ بطنه شبعًا؛ لذا نجد المسلم المحافظ على البيئة بالوراثة -كما خلقه الله تعالى- يحترم قوانينها ونواميسها، ولا يخرج عليها، ليس لمجرد خوفه من الكوارث التي تهدده لخرقه تلك النواميس، بل من منطلق امتثاله لأوامر الله، واجتنابه لنواهيه.

ثالثًا- يسهب القرآن الكريم في ذكر الظواهر الطبيعية، أو مشاهد الخلق الدالة على عظمة الخالق؛ لتبث في الإنسان الخشية والرهبة المبجلة لعظمة القدرة الإلهية في الخلق؛ فيرى المخلوقات دليلًا على الخالق، والمسلم حقًّا يدرك أن الكون كله أمة واحدة تسبح لله آناء الليل وأطراف النهار، قال تعالى: {يسبح له من في السماوات ومن في الأرض}.

رابعًا- القرآن الكريم ليس موسوعة في العلوم الطبيعية كدوائر المعارف المتخصصة، وليس كتابًا في التكهن المخبر عن الغيب.

خامسًا- الالتزام بالنظافة الشخصية، وأيضًا بنظافة البيئة المحيطة، فالنظافة من الأمور الأساسية التي حرص عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوصى بها المسلمين؛ إذ نص أكثر من حديث على أن النظافة نصف الدين أو الإيمان، والحق أن إفساد البيئة وتلويثها الذي يؤدي إلى فنائها، إنما يبدأ بتلويثها البسيط، أو عدم التزام النظافة وإماطة الأذى عنها.

يقول دكتور مراد هوفمان: "من هنا؛ نقول لمن يسمع ويعي: إن حل مشكلة تلوث البيئة المستشري لا يتأتى باتباع المنادين بالرجوع إلى الطبيعة بوصفها الدين الطبيعي، ولن يتأتى بالتهويم في الرومانسية التي يُروِّج لها أصحاب رومانسية الطبيعة الخضراء؛ ذلك أن العواقب الوخيمة الناتجة عن تجاهل وجود الله سبحانه وتعالى تُعدُّ أخطر ما يتهدد البيئة، ولا يدفع هذا الخطر عنها تأليه البعض لهذه الطبيعة والتغني بحبها وقداستها. فالأمر إذن؛ ليس الحب الطاغي، أو الشعور العاطفي الجارف إزاء مذهب جديد، بل إن الأمر يدور حول إعادة تحقيق الواقعية المفقودة للتكنولوجيا المصابة بداء التضخم المتجاوز لكل حد، والتي أصبحت لها السيادة على كل شيء".

ونحن في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف -إذ نقدم هذا الطرح العلمي المفيد- نؤكد على أهمية دراسة المؤلفات المنصفة من علماء الغرب، والعمل على إظهارها؛ فهي شهادة حق للإسلام وللمسلمين، كما نؤكد من خلال ما سطرته يد العالِم الدبلوماسي الكريم -الدكتور/ مراد هوفمان- حول الإسلام، ومبادئه، وأهم قضاياه، أن الإسلام دين عقل، وروح، وقلب، ونظام عالمي، وسِلْم مجتمعي، وحفاظ على البيئة والعالم، وأن الإسلام دين يصلح لكل زمان ومكان، وأن العالم كله ينبغي أن يفطن إلى أن نجاته الحقيقية، وضمان استمرار حضارته وتقدم علومه- مرهون باعترافه بالإسلام، وباقتران التعاليم الإسلامية بما حققته يد الإنسانية من تقدم، وما عدا ذلك فنظرة جزئية مآلها إلى الزوال أو الانحطاط، مؤكدين على أن الإسلام دين يضمن حياة راقية مردها إلى أوامر الله تعالى، لا إلى اللذة العاجلة لشهوات النفس أو الجسد، وإنما التوازن مطلوب لتعمير الأرض، وتحقيق شرط الاستخلاف فيها، وهذا هو البديل الصحيح للبشرية جميعًا.

وحدة البحوث والدراسات