دراسات وتقارير

 

30 مارس, 2025

عيد الفطر ووسطية الإسلام: احتفال بالاعتدال والتسامح

يعد عيد الفطر من أهم الأعياد الإسلامية، حيث يحتفل به المسلمون في جميع أنحاء العالم بعد شهر رمضان المبارك. ويجسد هذا العيد قيم الفرح والشكر والتواصل الاجتماعي، كما يعكس روح الوسطية والاعتدال التي تعد من أبرز سمات الإسلام.

فالعيد فرحة بعد الطاعة؛ إذ هو مناسبة عظيمة يعبر فيها المسلمون عن فرحهم بتمام العبادة، وذلك تطبيقًا لقول النبي ﷺ: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" (متفق عليه).

ومن مظاهر العيد الأساسية:

إخراج زكاة الفطر: وهي فرض على كل مسلم قادر، حيث تهدف زكاة الفطر إلى تطهير الصائم من أي نقص في صيامه، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، مما يعزز التكافل الاجتماعي ويشيع المحبة بين الناس

صلاة العيد: وهي سنة مؤكدة تقام في الساحات والمساجد؛ حيث يجتمع المسلمون في مشهد مهيب يبرز روح الوحدة والمودة مهللين مكبرين على تمام النعمة والفضل؛ إذ منحهم الله تعالى القدرة على الطاعة.

التواصل والتراحم: من خلال صلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وتبادل التهاني، مما يعزز أواصر المحبة بين الناس.

ومن هنا نؤكد أنّ عيد الفطر المبارك مزيج متوازن بين العبادة والسرور، بين الروحانية والمادية، وبين الفرد والمجتمع، وتتلخص الأهداف الحقيقية لعيد الفطر المبارك فيما يلي:

·       بلوغ التوازن بين الدين والدنيا:

فالعيد لا يعني الإفراط في الماديات أو اللهو المحرم، بل هو مناسبة للترويح عن النفس بطريقة مشروعة، دون الإسراف أو التبذير؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا" (رواه البخاري ومسلم)، مما يدل على أن الفرح أمر مشروع، لكنه ينبغي أن يكون ضمن حدود الأخلاق الإسلامية.

·       تحقيق التوازن الاجتماعي:

فالإسلام يحرص على أن يكون العيد فرصة لإدخال السرور على الجميع، وليس فقط على الأغنياء. لذلك شُرعت زكاة الفطر لضمان مشاركة الفقراء والمحتاجين في فرحة العيد، كما أن التواضع والتراحم في العيد من القيم التي تمنع الطبقية، وتعزز الإخاء والتعاون بين المسلمين.

·       نبذ الغلو والتشدد:

قد يبالغ بعض الناس في الزهد، فيرون أن الفرح في العيد غير مهم، وهذا يتعارض مع طبيعة الإسلام الذي يدعو إلى الفرح والسرور المباح، ومن ناحية أخرى، هناك من يبالغ في الاحتفال بطريقة تخرج عن التعاليم الإسلامية، والإسلام يدعو إلى الاعتدال في كل شيء، حتى في الفرح.

كما أن العيد رسالة سلام وتسامح، فالعيد ليس مجرد مناسبة شخصية، بل هو رسالة سلام ومحبة تمتد إلى المجتمع كله، بل وإلى غير المسلمين أيضًا. فالرسول ﷺ كان يعامل غير المسلمين بالرحمة والتسامح، ويمكن للمسلمين استلهام ذلك في العيد من خلال:

تهنئة الجيران وزملاء العمل من غير المسلمين، مما يعزز روح التعايش السلمي، ونشر قيم العفو والمسامحة، فالعيد فرصة لتجاوز الخلافات والمصالحة مع الآخرين، وتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين، بغض النظر عن دينهم أو جنسيتهم، تأكيدًا على القيم الإنسانية الرفيعة في الإسلام.

وختامًا فإن عيد الفطر يذكر المسلمين بأن الإسلام دين توازن واعتدال، لا رهبانية فيه تمنع الفرح، ولا إفراط يجعله مجرد مناسبة دنيوية. إنه عيد الفرح بالطاعة، عيد التكافل والتراحم، وعيد يرسّخ قيم الوسطية في كل جوانب الحياة. امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: 143]، جعله الله عيدًا مباركًا على الأمة الإسلامية، تستعيد فيه عزها ومجدها، وتتحد في مواجهة عدوها، وتنصر قضيتها، وتحفظ كرامتها، وحياة شعوبها آمنة مطمئنة.

 

وحدة البحوث والدراسات