تذكرنا فريضة الحج بالعديد من الدروس والعبر، ومن هذه الدروس ما ذكرها الله تعالى في كتابه فقال: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾.
إنه ملمح يحتاجه كل مسلم، بل كل إنسان على الأرض، وقيمة أساسية يتعلمها المسلم من فريضة الحج ألا وهي قيمة السعي، إن السعي بين الصفا والمروة نسك عظيم، وهو ركن من أركان الحج والعمرة لا يتمان إلا به، وكأن الله تعالى يريد منا أن ندرك أن السعي الحلال بكل صوره وأشكاله ركن من أركان الحياة والاستقامة، السعي على المعاش، والسعي على الولد، والسعي على الأسرة، والسعي على الزوجة، والسعي على الوالدين، والسعي على الإخوة، وكذلك السعي على الأرامل والمساكين والفقراء، إن السعي بين الصفا والمروة الذي يذكرنا بأن ربنا سبحانه وتعالى قد أوجب علينا السعي.
وأعظم السعي على الإطلاق، هو السعي إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رضاه، وأن السعي إلى الله تعالى لا يمنع من الاجتهاد في الحياة وبذل الوسع، فقد مر على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رجلٌ فرأى أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من جلَدِه ونشاطِه فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرج يسعى رياءً ومفاخرةً فهو في سبيلِ الشيطان"([1]) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - وأحسِبُه قال: - كَالقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ"([2]).
إن السعي بين الصفا والمروة إحياء لسيرة سيدة مصرية مسلمة جليلة هي السيدة هاجر المصرية عليها السلام زوج نبي الله إبراهيم عليه السلام، والتي سلّمت أمرها لله، ولم يمنعها ذلك من الأخذ بالأسباب، وفهمت أن مراد الله تعالى من التسليم لأمره والرضا بقضائه وقدره من مرتكزاته الأساسية؛ الأخذ بالأسباب والسعي واستنفاذ الطاقة في سبيل تحقيق ما تصبو إليه، فعندما نفد الماء ومعها الرضيع إسماعيل عليه السلام راحت تسعى بين الصفا والمروة بكل طاقتها وهمتها وإيمانها، ولم تكن صفتها كونها امرأة مانعة لها من العمل، وقد كانت في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، وهي غريبة في تلك الديار، ومع ذلك لم يكن شعور غربتها مانعًا لها من العمل أيضًا، وسد حاجاتها الضرورية، فخلَّد الله تعالى فهمها وتطبيقها لمراد الله تعالى من خلقه، وجعله نسكًا، بل ركنًا من أركان هذه العبادة العظيمة لا يتم الحج والعمرة إلا به.
إننا في حاجة ماسة إلى السعي، بكل همة وطاقة لتحقيق الغايات، وللنهوض بالأمة الإسلامية إلى أعلى الدرجات، ولنا في الحج تذكرة وموعظة كل عام بأهمية السعي وتطبيقه في الحياة، وأن الساعي لا بد وأن يصل، وأن الساعي لا يضيعه الله تعالى أبدًا كما أنه سبحانه لم يضيع هاجر عليها السلام ورضيعها.
وحدة البحوث والدراسات
([1]) أخرجه الإمام الطبراني بلفظه (282) (19/ 129) ورجاله رجال الصحيح.